مراسلو الجزيرة نت
لم يكن يتوقع أكثر المحللين تشاؤما، أن يُربك إيقاع الانقلابات الدول الأفريقية بهذا المستوى، فقد تساقطت الحبات بسرعة مذهلة وفاجأت الساسة والنخب، على السواء، مما دفع كثيرا من البلدان لتحسس مفاصلها ومحيطها، والشروع في الاحتياط بعدد من الإجراءات، دون تخطيط مسبق سوى تجاوز مخاوف السقوط في مخالب الانقلابات، وفكاك شراكها.
ما أسباب تتابع موجة الانقلابات في غرب أفريقيا؟
الثابت وحسب تقارير دولية، أن عددا غير يسير من الدول الأفريقية تعاني الهشاشة، التي تعتبر من أبرز أسباب الانقلابات، وأن 15 دولة من أصل 20 دولة تتصدر مؤشر الهشاشة في العالم تقع في أفريقيا.
نجاح الانقلاب في بلد ما يولد شعورا أوسع بزعزعة الاستقرار، والجنود الذين يفكرون في القيام بمحاولات انقلابية، قد يشعرون على نحو متزايد، أنهم قادرون على ذلك، وفقا لبول ميلي المختص في منطقة الساحل، ومستشار برنامج أفريقيا في معهد تشاتام هاوس البريطاني.
ما هي الارتدادات التي أحدثتها الانقلابات على مستوى المنطقة؟
بغض النظر عن العوامل التي تقف خلف الانقلابات في غرب أفريقيا، إلا أن الذي لا يختلف فيه اثنان هو أن الموجة أحدث هزة كبيرة على مستوى المنطقة، مما وضع كل الدول في حالة من عدم اليقين، خوف العدوى السريعة التي تصيب المنطقة، فقد هرعت بعض الدول الأفريقية إلى إجراءات احتياطية، من قبيل الإقالات والتعيينات والتغييرات في قيادات الجيوش لمنع الانقلابات.
الكاميرون:
بعد يوم واحد من استيلاء الجيش الغابوني على السلطة ووضع الرئيس علي بونغو في الحبس المنزلي، أجرى المخضرم بول بيا (90 عاما) الذي يحكم الكاميرون منذ 1982، تعديلات في وزارة الدفاع، ووفق مرسوم رئاسي، أقال عددا من القادة العسكريين في الجيش وعين ضباطا في الوحدات التابعة للوزير المنتدب لدى رئاسة الدفاع.
وتم تعيين ضباط كمستشارين للمواد العسكرية، وعدد من الضباط كمستشارين في وزارة الدفاع، وضباط مفتشين للدرك الوطني، وتعيين رئيس الأركان ونائبه، ووفقا لمحللين فإن بيا الذي حكم 41 سنة ليس لديه نية التخلي عن السلطة حيث تنتهي ولايته السابعة في 2025، ووصل إلى الحكم بانقلاب عسكري.
رواندا:
أثارت الإجراءات التي قام بها الرئيس الرواندي بول كاغامي عددا من التكهنات، فبينما أشارت بعض التحليلات إلى أنها مرتبطة بتورط القوات الرواندية في الحرب على أرض الكونغو الديمقراطية عن طريق دعمها لحركة التمرد المعروفة بـ (M23) الناشطة شرقي البلاد، رجحت أخرى بوادر محاولة انقلاب فاشلة، في حين أشار آخرون إلى تهيئة أن الرئيس يستعد لترك قيادة البلاد للجيل الجديد وهو الذي حصل على تفويض للحكم حتى 2034.
وقد جاءت إجراءات كاغامي بعد 48 ساعة فقط من انقلاب الغابون، إذ أقال 950 من الجنرالات وكبار الضباط فضلا عن 930 من ضباط الصف والجنود، وفقا لصحيفة “الروانديون”، وعلى رأس المقالين رئيس الأركان الجنرال جيمس كابا ريبي الذي شغل سابقا منصبي وزير الدفاع والمستشار السابق للرئيس للشؤون الأمنية.
سيراليون:
بعد أسبوع من انقلاب النيجر جرى في سيرا ليون اعتقال مجموعة من ضباط الجيش بتهمة التخطيط لقلب الحكومة ومنهم رتب عليا، ووفقا لتحقيقات تقول الشرطة إنها قامت بها حيث كانت المجموعة العسكرية تخطط لاستخدام الاحتجاجات السلمية التي تم الترتيب لها بين 7 و 10 من أغسطس لشن هجمات عنيفة ضد مؤسسات الدولة والمواطنين، حيث شهدت ليبرفيل العاصمة احتجاجات على نتائج الانتخابات المتنازع عليها، التي فاز فيها الرئيس جوليوس ما دا بيو بولاية ثانية، وطعنت فيها المعارضة.
ليبيريا:
مخاوف الانقلاب في سيراليون وضعت جارتها ليبيريا على حافة الهاوية، قبيل الانتخابات التي تستعد لها الأخيرة في أكتوبر/تشرين الأول القادم.
وأصبحت ليبيريا محاطة بدول غير مستقرة بعد انقلاب غينيا وحالة اضطرابات في سيراليون. وقد أثارت المعارضة في ليبيريا عدم اعترافها وثقتها بلجنة المفوضين التي عينها الرئيس جورج ويا للإشراف على الانتخابات. ووفقا لصحيفة “فرونت بيج أفريقا” (FrontPageAfrica) فإن الرسائل السلبية التي تبثها الانقلابات تثير قلقا لدي السلطات الليبيرية.
هل ترسم الانقلابات مسارا جديدا للحكم في أفريقيا؟
في ظل الاختلالات التي تعيشها الدول الأفريقية، وفي ظل غياب المؤسسات المقتدرة لاجتراح الحلول على المستويات المحلية، وغياب المؤسسات الإقليمية والقارية المعنية بممارسة دورها في المحافظة على الاستقرار السياسي وتطوير آليات تمكن الأفارقة من تجاوز العقد الطارئة، فإن المخاوف قائمة من أن تستهوي الشعوب الأفريقية سهولة اللجوء للحلول العسكرية، وتصبح نمطا للحكم بدلا من صناديق الاقتراع.
هل تشهد أفريقيا مزيدا من الانقلابات؟
يقول الدكتور اندويسي كريستيان أني من جامعة كوازولو ناتال بجنوب أفريقيا، إن “الانتفاضات الشعبية ضد الحكام المستبدين الذين خدموا لفترة طويلة وفرت فرصة لعودة الانقلابات في أفريقيا، وإن الانتفاضات الشعبية شرعية ويقودها المدنيون، إلا أن نجاحها غالبا ما يتحدد بقرار الجيش”.
أما عبد الله باري الباحث البوركينابي، في جامعة الأمم المتحدة للسلام فيقول “طالما أنهم لن يقدموا إجابات كافية حول سؤال العجز في الحوكمة، فإن الانقلابات سوف تتضاعف في أفريقيا”.
ومن صدمة انقلاب إلى آخر تتداعى أفريقيا تحت سطوة الانقلابات العسكرية، فهل تكون الغابون آخر محطاته أم ما زال في الطريق مفاجآت؟ وهل تكون هذه فرصة من أجل حلول حقيقية ترتقي إليها المسؤولية التاريخية للنخب والساسة الأفارقة؟ ومن الذي سيقرع الجرس؟
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.