يعتقد البعض أن مكان العمل هو للعمل فقط ولا داعي لتكوين صداقات، ورغم أهمية وضع حدود في بيئة العمل، فإن تكوين علاقات ودية قوية مع زملائك الذين تقضي أغلب يومك معهم أمر مهم للغاية لتعزيز الرفاه النفسي وتعزيز جودة عملك.
في حديث لمجلة “تايم” (Time) الأميركية، يعلق عالم النفس بجامعة بوسطن، كونستانس هادلي، على عدم إدراك كثيرين أهمية علاقات الصداقة في العمل، بقوله “يردد الناس أنهم ليسوا بحاجة إلى تكوين علاقات اجتماعية داخل العمل، ولكني لا أتفق مع ذلك؛ وأعتقد أن عليهم إعادة التفكير في هذا الأمر”.
إذ أكدت ذلك الأمر عديد من الأبحاث التي تناولت تأثير العلاقات الودية في بيئة العمل، وتوصلت إلى أن وجود أصدقاء في مكان العمل يعزز الرضا والأداء الوظيفي، ويؤدي أيضا إلى تحسين الصحة العقلية والنفسية، ويقلل خطر الإصابة بالاحتراق الوظيفي، والتعرض للصدمات، والحفاظ على الصحة الجسدية أيضا.
فما تأثير الوحدة في العمل؟ وكيف تساعدك علاقات الصداقة في تحسين جودة عملك وشعورك بالرضا؟
أسوأ من التدخين
كشفت دراسة قامت بها جامعة نيو هامبشاير الأميركية عن أن تأثير العزلة الاجتماعية يعادل تدخين 15 سيجارة يوميا، لما تسببه من مشاكل صحية ونفسية، منها الإصابة بالاكتئاب والقلق وإيذاء النفس ومشاكل القلب والأوعية الدموية.
وفي السياق، يسهم العمل عن بعد -الذي كان أحد الإجراءات الاحترازية لمنع انتشار وباء كورونا- في تفاقم أزمة الشعور بالوحدة في العمل، حيث ذكرت دراسة -شارك فيها أكثر من 31 ألف شخص من 31 دولة نشرها موقع شركة “مايكروسوفت” (Microsoft)- أن أكثر من نصف الموظفين الذين يعملون أحيانا عن بعد وأحيانا من المكتب والآخرين الذين يعملون عن بعد فقط يعانون الشعور بالوحدة منذ التحول إلى أسلوب العمل هذا، وأصبحت لديهم علاقات صداقة عمل أقل مقارنة بفترة عملهم من المكتب.
ولتجنب هذا التأثير السلبي، قد يكون من المفيد أن تتعرف على التأثير الإيجابي الكبير لتكوين صداقات في العمل، وكيف يؤثر ذلك على صحتك الجسدية والنفسية.
تحسين جودة الحياة اليومية
من جهته، قال بوب والدينجر، أستاذ الطب النفسي في كلية الطب بجامعة هارفارد، لصحيفة “نيويورك تايمز” (New York Times) الأميركية، إن “الناس لا يعيرون كثيرا من الاهتمام لعلاقاتهم داخل مكان العمل، لكن في الحقيقة لدى أصدقاء العمل قدرة كبيرة على تحسين حياتنا بشكل يومي، بغض النظر عن طبيعة العمل الذي نقوم به”.
وإذا فكرت قليلا في هذا الأمر، ستجد أنك تقضي أغلب يومك في العمل، فكيف إذا جعلت هذا الوقت الطويل برفقة أشخاص تربطك بهم علاقات ودية.
تلقي الدعم الاجتماعي
لا يقتصر الدعم الاجتماعي من زملاء العمل على الفضفضة والضحك خلال الاستراحة، إذ توفر العلاقات الودية بين زملاء العمل فرصة لتلقي المساعدة في أيام العمل الضاغطة، وتقديم النصائح والآراء، والتعاون عند الحاجة للمغادرة مبكرا أو تبديل أيام العمل، وهو ما يخفف الشعور بالقلق والتوتر.
تحسين الأداء الوظيفي
سلطت مؤسسة “غالوب” (Gallup) الأميركية -في دراسة لها- الضوء على أهمية الصداقة في بيئة العمل، وذكرت أن ارتباط الموظفين بعضهم ببعض يزيد من شعورهم بالمتعة والحماس في أثناء العمل، ويحسن الكفاءة الإنتاجية، ويساعد على إنجاز العمل في وقت أقل، ويشجع على الابتكار وتبادل الأفكار، ويرفع أرباح الشركات بنسبة 23%.
كما أكد باحثون في جامعة بنسلفانيا وجامعة مينيسوتا أن الصداقات الوثيقة تزيد من الإنتاجية في مكان العمل، والسبب وراء ذلك أن الأصدقاء لديهم قدرة أكبر على الالتزام والاتصال بشكل أفضل وتشجيع بعضهم بعضا.
الشعور بالرضا
ووجدت دراسة أجراها برنامج المسح الاجتماعي الدولي (ISSP)، وأشارت إليها مجلة “هارفارد بيزنس ريفيو” (Harvard Business Review)، أن العلاقات الودية في العمل تحتل المرتبة الأولى في العوامل التي تؤثر على جودة مكان العمل والرضا الوظيفي.
كذلك أشارت دراسة “غالوب” إلى أن وجود صديق مقرب في العمل له تأثير كبير على قرارات الموظفين المتعلقة بالعمل، مثل استعدادهم لاقتراح شركتهم كمكان عمل جيد للآخرين، وتمسكهم بالعمل في شركتهم وعدم التفكير في مغادرتها، وشعورهم بالرضا العام.
وفي المقابل، أظهرت المؤسسة التأثير الكبير للوحدة في مكان العمل، حيث كانت عاملا مؤثرا في قرار الموظفين للبحث عن وظيفة أخرى ومغادرة مكان العمل الذي لا يملكون فيه أصدقاء.
المنافسة الإيجابية
ارتباط الموظفين بعلاقات ودية يشجعهم على الانخراط في منافسات إيجابية، والتحفيز على إنتاج العمل بجودة أعلى، كما يصبح الموظفون أكثر ترحيبا بتلقي الانتقادات البناءة التي تساعدهم على التطور وتحسين عملهم.
قدرة أكبر على حل المشاكل
مواجهة المشاكل والضغوطات تعد جزءا من العمل، ولكن يقل التأثير السلبي لهذه الضغوطات في حال وجود من نتلقى منهم الدعم.
وذكر موقع “بيزنس نيوز ديلي” (Businessnewsdaily) أن الموظفين الذين يتمتعون بعلاقات ودية مع زملائهم لديهم ثقة أكبر لإيجاد حلول لمشاكلهم لأن لديهم أصدقاء يدعمونهم، ويشعرون بالتوتر أقل من غيرهم.
كيف تكوّن صداقات في العمل؟
لا تحتاج إلى أن تكون صديق الموظفين جميعا، ويكفيك أن تكون لديك علاقة جيدة مع عدد قليل من الأشخاص.
لذلك ابدأ بخطوة صغيرة، فكر في زميل أو أكثر تشعر أن بإمكانكم أن تصبحوا أصدقاء، وحاول خوض محادثات صغيرة معهم والتعرف على اهتماماتهم، ويمكنك في البداية قبل الخوض في التفاصيل الشخصية أن تستعين بهم في المواضيع المرتبطة بالعمل وأن تتعاونوا معا حتى تتطور علاقتكم وتصبح شخصية أكثر.
وإذا لديك منصب إداري في شركتك أو تعمل في قسم الموارد البشرية، حاول إتاحة الفرصة للموظفين للانخراط معا والاجتماع على أنشطة ترفيهية أو ودية، كالاحتفال بإنجازات العمل، أو المشاركة في الأنشطة التطوعية، لمساعدتهم على التعرف على بعضهم بعضا وتكوين صداقات.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.