“لا يمكنني تصور حليف أفضل منك”، بهذا العبارة استقبل الرئيس الأميركي جو بايدن نظيرَه الفلبيني فرديناند ماركوس الابن في البيت الأبيض، خلال زيارة تستمر 4 أيام للولايات المتحدة هي الثانية له منذ تسلمه الرئاسة العام الماضي.
ولعل الملف الأمني والدفاعي من أسخن القضايا المطروحة خلال زيارة ماركوس الابن إلى واشنطن، رغم وجود قائمة طويلة من مجالات التعاون الأخرى، وذلك لحاجة الفلبين للحليف الأميركي في مواجهة التمدد الصيني، وحاجة أميركا في المقابل إلى موقع الفلبين لمواجهة “الخطر” نفسه.
بايدن جدد خلال استقباله ماركوس الابن تعهدات بلاده بالدفاع عن أمن الفلبين، بما في ذلك ما له علاقة ببحر جنوب الصين، وأن “أي هجوم مسلح على القوات الفلبينية أو السفن أو الطائرات في المحيط الهادي، بما في ذلك بحر جنوب الصين، من شأنه أن يستدعي الالتزامات الدفاعية المتبادلة للولايات المتحدة بموجب معاهدة الدفاع المشترك لعام 1951”.
كما تعهد بايدن بدعم الولايات المتحدة لتحديث الجيش الفلبيني، وذلك من خلال منح مانيلا 4 سفن وقوارب مراقبة، و3 طائرات نقل عسكرية، تعزيزا لقدرات خفر السواحل والبحرية في الجيش الذي أصبحت مياه غرب جزره نقطة اهتمام أولى له، حيث المنطقة الاقتصادية الخاصة للفلبين.
وفي بيان سابق لوزارة التجارة الأميركية، فإن الجيش الفلبيني مقبل على مرحلة ثالثة لتحديث معداته تمتد 4 سنوات مقبلة، ضمن برنامج بقيمة 4 مليارات دولار أميركي، وهو ما يمثل فرصة للمصنعين الأميركيين، فقد يشمل طائرات وسفنا ومسيّرات وأنظمة مراقبة مخابراتية وحماية وأنظمة تسليحية، لكن لم توقع أي صفقة بهذا الشأن حتى الآن، وفيما عدا ذلك هناك نحو 120-125 مليون دولار من معونات أميركية يحصل عليها الجيش الفلبيني.
تدريبات مشتركة
وتتزامن زيارة الرئيس ماركوس لواشنطن مع انطلاق تدريبات “الرعد الفلبيني المتصدي” المشتركة التي أجريت آخر مرة قبل 33 عاما، في قاعدة كلارك الجوية الشهيرة، وهي المناورات التي أجريت عندما كانت القاعدة تحت إدارة أميركية قبل انتهاء الحضور الأميركي الدائم عام 1991، كما تأتي الزيارة بعد بضعة أيام من اختتام تدريبات باليكتان، وقبلها تدريبات سلاكنيب خلال مارس/آذار الماضي.
سلسلة التدريبات المشتركة التي ستستمر هذا العام بمشاركة آلاف الجنود الأميركيين والفلبينيين تأتي إثر موافقة الرئيس ماركوس على توسعة المواقع العسكرية التي يمكن للجيش الأميركي الاستفادة منها والحضور فيها، تنفيذا لاتفاقية تعزيز التعاون الدفاعي بين البلدين.
بل في ختام إحدى هذه التدريبات حضر الرئيس ماركوس بنفسه -في مشهد لم يحصل منذ سنوات- ليشاهد مناورة مشتركة أميركية فلبينية لإغراق سفينة قديمة، محاكاة لإغراق سفينة معادية في مياه بحر غرب الفلبين قبالة بحر جنوب الصين، في رسالة يرى مراقبون أن لها مغزاها.
ومع كل تلك الرسائل التي يسعى الرئيس الفلبيني من خلالها إلى تقوية موقف بلاده في مواجهة المد الصيني، فإنه صرح قبل مغادرته بلاده أن هدفه العمل من أجل السلام، “ولن نشجع أي سلوك تحريضي من شأنه أن يورط الفلبين من قبل أي دولة”، مضيفا “لن نسمح باستخدام الفلبين منطلقا لأي عمل عسكري، فما يهمنا هو السلام وسلامة شعبنا، لكن لن نسمح للصين بالسيطرة على حقوق الفلبين في بحارها”.
من يحتاج الآخر؟
في إحدى الصفحات التعريفية بموقع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، تجد أول جملة في الحديث عن برامج الوكالة بالفلبين تقول إن “الفلبين ذات موقع إستراتيجي في منطقة المحيطين الهندي والهادي، وذات أهمية للمصالح الأميركية في المنطقة، وهي قبل ذلك أقدم حليف في منطقة جنوب شرق آسيا، وذات علاقات أمنية مهمة مع الولايات المتحدة كحليف رئيسي من خارج حلف الناتو”.
ويقول المحلل السياسي مالكوم كوك إن الولايات المتحدة “تحتاج إلى الفلبين لموقعها الجغرافي”، لكن في المقابل فإن الفلبين أيضا تحتاج إلى الولايات المتحدة لإحداث توازن في مقابل تزايد النفوذ العسكري الصيني في بحر جنوب الصين، فهي الأقرب إلى تايوان من بين دول جنوب شرق آسيا من جهة الجنوب الغربي، وهي الأقرب إلى اليابان أيضا، فضلا عن بحر غرب الفلبين المتصل ببحر جنوب الصين.
وترجع أهمية سواحل الفلبين أيضا إلى أن أي تحرك للقطع البحرية والغواصات الصينية باتجاه غرب المحيط الهادي من جزيرة هاينان الصينية، حيث تتمركز قيادة أحد 3 أساطيل صينية، يحتاج إلى المرور عبر مضيق لوزون شمالي الفلبين الواقع إلى الجنوب من تايوان أيضا.
ويوجد في جزيرة هاينان -الواقعة شرقي فيتنام إلى أقصى الجنوب الغربي للصين- قاعدة لونغبو التي تشير تقارير أميركية إلى أنها مرفأ للغواصات الصينية، وكذلك قاعدة يولين الأقدم، ويصفهما خبراء إستراتيجيون بأنهما أهم القواعد والمرافئ العسكرية “إستراتيجيا” في بحر جنوب الصين.
زيارة بعد توتر
وتأتي زيارة الرئيس الفلبيني إلى واشنطن بعد حوادث توتر بحري متكررة بين سفن خفر السواحل الفلبينية والصينية في منطقة تعدها جزءا من منطقتها الاقتصادية الخاصة، دفعت -في نظر محللين- إلى جانب تسارع وتيرة التدريبات العسكرية مع أميركا، إلى زيارة وزير الخارجية الصيني تشين غانغ -قبل أيام- مانيلا.
وتحدّث الرئيس الفلبيني إلى الوزير الصيني عن رغبة مانيلا في تفادي التوترات البحرية، خاصة بعد اقتراب السفن الصينية من المياه الفلبينية الشهر الماضي، مؤكدا على حقوق الصيادين في مياه غرب الفلبين، وداعيا إلى إيجاد قنوات تواصل بين خارجيتي البلدين.
ورغم أن الرئيس ماركوس وخلال زيارته إلى بكين في يناير/كانون الثاني الماضي قد تلقى تعهدات صينية باستثمارات تصل إلى 22 مليار دولار، فإن تساؤلات تطرح حول ما إذا كانت تلك الاستثمارات ستتم مع التقارب الأميركي الفلبيني الذي تشهده جزر الفلبين بشكل واضح منذ وصول الرئيس ماركوس إلى قصر الحكم بعد فترة فتور نسبي خلال الأعوام الماضية.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.