تعتقد الدكتورة أماني جمال عميدة كلية الشؤون العامة والدولية “إس بي آي إيه” (SPIA) بجامعة “برنستون” (Princeton) الأميركية أن هناك معوقات تحول دون تحقيق الديمقراطية في الدول العربية، من أبرزها ضغط الحكومات على الحريات اليومية للمواطنين وعدم فعالية المجتمع المدني، بالإضافة إلى ضعف قطاع الاقتصاد.
وتوصلت البروفيسورة أماني -في أبحاثها ودراساتها- إلى أن مفاهيم الديمقراطية موجودة في الدول العربية، وكذلك المجتمع المدني، لكن الإشكالية أن المواطنين العرب لا يشاركون في الحياة السياسية، كما أن المجتمع المدني غير فعّال وغير مؤثر على حد وصفها.
ولأن المجتمع المدني هو الحل للديمقراطية -وفق مفهوم الغرب- فقد ركزت مبادرات تعزيز الديمقراطية في الشرق الأوسط على دعم المجتمع المدني مثل المرأة والشباب، وتقول الدكتورة أماني -كما ورد بالجزء الثاني من حديثها لبرنامج المقابلة بتاريخ 2023/8/27- إنها شككت في هذا المنهج، لأن مفاهيم الديمقراطية كانت موجودة في الدول العربية والمجتمع المدني كان قائما وفعّالا.
وترى أن تعثر الديمقراطية في الدول العربية يرتبط أيضا بشكل أساسي بهشاشة الاقتصاد، وضربت مثالا على ذلك بالتجربة الديمقراطية في تونس بعد الربيع العربي، حيث جرت 3 انتخابات وكان المجتمع الدولي يستبشر خيرا بهذه التجربة، لكن البلد شهد وضعا اقتصاديا مزريا، مشددة على أن تطور الديمقراطية يجب أن يصاحبه تطور على المستوى الاقتصادي.
وألقت الدكتورة أماني باللوم على الغرب في مسألة تأخر الديمقراطية بالدول العربية، حيث قالت إن المساعدات التي يقدمها الغرب لدول المنطقة العربية مبنية على تعزيز الأمن وليس على تعزيز الديمقراطية.
كما نوّهت إلى أن تحقيق الديمقراطية في الدول العربية ليس الهدف الأساسي للحكومات الغربية، وأن العملية مرتبطة بالأولويات الإستراتيجية، وهو ما ظهر خلال الربيع العربي، إذ طرحت أسئلة من قبل أكاديميين وسياسيين في الولايات المتحدة عن معنى الديمقراطية التي انتفضت من أجلها الشعوب العربية بالنسبة لبلادهم.
وعن موقف المواطنين العرب من الديمقراطية بعد الربيع العربي، أوضحت أستاذة العلوم السياسية أن ما بين 70 و80% من المواطنين العرب كانوا يؤيدون الديمقراطية ومبادئها، ولكنهم تراجعوا عن ذلك في ظل عدم الاستقرار الذي حدث لاحقا في بعض الدول مثل سوريا وليبيا، مشيرة إلى وجود تأييد كبير في أوساط العرب لحكومة تحقق النجاح في مجال الاقتصاد حتى لو لم تكن هناك حقوق ديمقراطية.
وبينما ذكرت البروفيسورة أن الديمقراطية تراجعت في العالم وليس في الدول العربية فقط، أشارت إلى وجود “نموذج اقتصادي ناجح غير مبني على الديمقراطية”.
الباروميتر العربي
وعن مشروع الباروميتر العربي الذي يعرف عن نفسه بأنه “أقدم وأكبر مستودع للبيانات المتاحة في متناول العامة بشأن آراء الرجال والنساء في المنطقة العربية” تكشف الدكتورة أماني أنها واحدة من مؤسسي هذا المشروع عام 2006 وتتولى الإشراف عليه حتى الآن، وجاء تمويله من أطراف كثيرة ومن مؤسسات تدعم الأبحاث الأكاديمية، ودعم من قطر وكندا وأوروبا وأميركا، وقالت إن جامعة برنستون تقف خلف مؤسسة الباروميتر العربي.
ويجري الباروميتر العربي مسوحه وإحصاءاته في 15 بلدا عربيا كل عامين، ويمنح للمواطنين العرب فسحة للتعبير عن آرائهم ومخاوفهم ذات الصلة بقضايا الحاضر والمستقبل.
وتعتمد المؤسسة في عملها -حسب الدكتورة أماني- على عدة طرق في استطلاع آراء المواطنين العرب، بإقناعهم أن الباروميتر العربي لا يشتغل لحساب أي حكومة ولا يأخذ معلومات شخصية وتفصيلية عن المشاركين، كما أن استطلاعات الرأي تركز على مواضيع تخص الحياة الاقتصادية والسياسية والديمقراطية والاجتماعية وحقوق المرأة وقضايا الدين..
وتقول إنها توصلت -من خلال عملها في مشروع الباروميتر العربي- إلى أن نسبة الشباب العرب الذين يفضلون الهجرة تزيد كل سنة، وإن معظم حملة شهادة الدكتوراه (70%) لا يعيشون في الدول العربية.
وبشأن الموقف من الحركات الإسلامية، تؤكد أن المسح الذي أجراه الباروميتر العربي أظهر أن من 30 إلى 60% من المواطنين العرب كانوا يؤيدون هذه الحركات قبل الربيع العربي و”لكن معظم الحكومات لم تعد تسمح بطرح هذا السؤال على الناس بعد انتهاء موجات الربيع العربي” على حد كشفها.
يُذكر أن الدكتورة أماني -وهي من أصل فلسطيني- ألفت عدة كتب في مجال الديمقراطية أبرزها “معوقات الديمقراطية” الذي حاز على جائزة أفضل كتاب في العلوم السياسية بالولايات المتحدة، وكتاب “عن الإمبراطوريات والمواطنين”.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.