بعد 6 أسابيع على انقلاب النيجر الذي خلط أوراق السياسة في أفريقيا والعالم، وقبل التمكن من احتواء أزمته، استيقظ الشعب في الغابون على وقع انقلاب عسكري صباح اليوم الأربعاء، وذلك بالتزامن مع رفض نتائج الانتخابات التي جرت يوم 27 أغسطس/آب الجاري.
يقع انقلاب الغابون اليوم في المركز الثامن بين الانقلابات التي شهدتها دول هذه المنطقة لوحدها خلال 3 سنوات. فما الذي حرّك الجيش في الغابون؟ وما دوافعه؟ وإلى ماذا يشير البيان الأول للمجموعة العسكرية؟ وكيف تفاعلت معه الجماهير؟
كيف وصل الرئيس علي بونغو إلى الحكم؟
عام 2009، توفي الرئيس عمر بونغو الذي حكم البلاد منذ 1967 وتولى الحكم بعده ابنه علي، الذي ترشّح في الانتخابات عام 2009 وفاز بنسبة 42%، وفي انتخابات 2016 فاز بفارق ضئيل على منافسه القوي جان بينغ.
واتسمت فترته الثانية بمزاعم فساد كبيرة، واتهامات بتملك عائلته عشرات العقارات والسيارات الفارهة في فرنسا، إضافة إلى انتقادات لقيادته “الماسونية” في الغابون، وفقا لشبكة “بي بي سي”.
ما أبرز المآخذ على حكم الرئيس بونغو؟
أول المآخذ هو توارث العائلة لحكم البلاد لفترة 56 عاما، وهو ما دفع المعارضة للقول إن الرئيس لم يعد مؤهلا لقيادة البلاد، خاصة بعد الشلل الذي أصابه في نصفه الأيمن وغاب بسببه 10 أشهر عن الحكم ولم يعد قادرا على الإدارة، فضلا عن عزم المعارضين على إنهاء حكم العائلة، إضافة إلى التعديلات المتكررة التي تم بموجبها إلغاء حدود ولاية الحكم، والضغوط الاقتصادية التي يعانيها الغابونيون رغم أن بلادهم رابع أغنى دولة في إنتاج البترول على مستوى أفريقيا.
هل كانت الولاية الثالثة لعنة على الرئيس؟
بعد ساعات معدودة من إعلان نتائج الانتخابات، التي جرت السبت الماضي، بفوز الرئيس علي بونغو بنسبة 65%، أعلنت المعارضة رفضها واتهمت المسؤولين عن العملية الانتخابية بالتزوير. ويبدو أن الجيش كان على استعداد لوضع حد لحالة الاحتقان التي بدأت قبل الانتخابات وتخللتها قناعة راسخة في معسكر المعارضة بالفوز على الرئيس بونغو.
في أبريل/نيسان 2023، اعتمد البرلمان الغابوني مجموعة من التعديلات الدستورية، وهي الثانية خلال 3 سنوات:
- أولها تقصّر فترة العهدة من 7 سنوات إلى 5 سنوات (وتشمل رئيس الجمهورية وأعضاء البرلمان ومجلس الشيوخ والمسؤولين المنتخبين المحليين).
- أما التعديل الثاني، فينصّ على اعتماد التصويت من جولة واحدة، بعد أن كان بعد جولتين في التعديل السابق، وهو ما اعتبرته المعارضة تكريسا للاستبداد وتضييقا على فرص المنافسين للحزب الحاكم ورئيسه، كما جاء في تصريح ألكساندر بارو شامبرييه من حزب “التجمع من أجل الوطن والحداثة”.
وكانت المعارضة قد اتفقت على مرشح واحد في الانتخابات الأخيرة، وهو أستاذ الاقتصاد ألبرت أوندو أوسا (69 عاما)، الذي وعد بإلحاق الهزيمة بالرئيس علي بونغو، ووضع حد لحكمه.
ما الذي دفع الجيش للانقلاب؟
تلعب البيئة الإقليمية والظروف الداخلية التي تمر بها بلدان الغرب الأفريقي دورا في خلخلة الأنظمة، فضلا عن استمرار أنظمة الحكم لعشرات السنوات من دون إنجازات على مستوى التنمية وتحسين الظروف المعيشية للشعب.
ففي الغابون الدولة المُصدّرة للنفط، 40% من الشباب (بين 16 و24 عاما) عاطلون عن العمل، إلى جانب ضعف الحكم على إثر المحاولة الانقلابية الفاشلة عام 2019، التي أعقبتها إقالات في الدوائر الداخلية للسلطة.
ماذا يحمل البيان الأول للانقلاب في الغابون؟
أعلنت المجموعة التي نفّذت الانقلاب أنها تمثل كل القوات الأمنية، وأطلقت على نفسها “لجنة انتقال واستعادة المؤسسات”، وجاء في بيانها الأول: “نحن القوات الأمنية المجتمعة في إطار اللجنة الانتقالية، من أجل إعادة المؤسسات.. قررنا إنهاء السلطة القائمة حاليا، وعدم قبول نتائج الانتخابات الأخيرة، وغلق الحدود إلى إشعار آخر، وحل كل المؤسسات بما فيها الحكومة ومجلس الأمة البرلمان وكل المؤسسات الرسمية”.
ودعت المجموعة الانقلابية الشعب الغابوني “والدول الصديقة” وممثليها في الغابون إلى الهدوء، وقالت: “سنستمر في حماية الغابون وثوابتها”. وبعد البيان، أعلن الناطق الرسمي للانقلاب وضع الرئيس علي بونغو قيد الإقامة الجبرية.
كيف تفاعل المواطنون مع الانقلاب؟
رغم سماع إطلاق النار بعد إعلان الانقلاب صباح اليوم، فإن جماهير الشعب الغابوني خرجت إلى شوارع العاصمة ليبرفيل، واستقبلت الجيش حاملة العلم الوطني وهتفت بشعارات مؤيدة له ورددت الأناشيد الوطنية.
ما أبرز الأسباب التي مهّدت للانقلاب؟
- رغبة التخلص من توريث الرئاسة في مقدمة مبررات الانقلاب.
- الإجراءات التي قام بها الرئيس بونغو من أجل توطيد سلطته عبر التعديلات الدستورية.
- التضييق الذي مارسته السلطات عبر فرض حظر التجوال، وحجب الإنترنت، والمخاوف من حدوث اضطرابات في البلاد بسبب النزاع حول نتائج الانتخابات.
وقال أحد الضباط لمحطة تلفزيون رسمية “لقد قررنا الدفاع عن السلام من خلال إنهاء النظام الحالي”، ووصف الحكم بأنه غير مسؤول. وقال المتحدث باسم الجيش إن “حكم السيد بونغو يخاطر بدفع البلاد إلى الفوضى”، وخاطب الشعب قائلا: “يا شعب الغابون، نحن أخيرا على طريق السعادة”.
من جهته، قال وزير الطيران النيجيري السابق فيمي فاني كايود إنه لم يتفاجأ بالانقلاب في الغابون، بل على الأفارقة توقع مزيد من الانقلابات في الدول الناطقة بالفرنسية، ولا ينبغي لأحد أن يتفاجأ من الانقلاب في الغابون.
ماذا بعد الانقلاب؟
ظلّت الغابون توصف بالاستقرار وارتفاع مستوى المعيشة مقارنة بالدول الأفريقية جنوب الصحراء، وظلت العملية الديمقراطية حاضرة رغم حكم العائلة، ولم تشهد سوى 3 انقلابات تاريخيا؛ أولها عام 1964 والثاني عام 2019 والذي لم يدم سوى ساعتين، وثالثهما صباح 30 أغسطس/آب الحالي. وإذا كُتب للأخير النجاح، فمن المتوقع أن تشهد البلاد تغييرا جذريا في التركيبة السياسية وطبيعة الحكم، وبالضرورة في علاقاتها الإقليمية والدولية.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.