على أمواج من الغضب السياسي والعسكري عبرت التعديلات القضائية التي قدمتها الحكومة الإسرائيلية المتطرفة متجاهلة كل أجراس التحذير من الحرب الأهلية والتفكك المجتمعي التي قرعت مرارا وتكرارا خلال الأسابيع الماضية.
لم تثن تلك الضجة الكبيرة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحلفاءه في اليمين الإسرائيلي المتطرف عن السير قدما في طريق أدخل إسرائيل منعطفا بالغ الخطورة كما يرى خصومهم الغاضبون.
ومن بين التأثيرات الكثيرة التي سيحدثها تمرير هذا القانون يتربع الملف العسكري والأمني على هرم “الخطر” على تماسك إسرائيل و”تفوقها” العسكري، فيما لا يمكن التقليل من الأخطار السياسية والاقتصادية على ما يصفه أعداؤه في المنطقة بالكيان المزروع في غير أرضه وهوائه.
ما الذي حدث؟
قبيل إقرار التعديلات هدد أكثر من 10 آلاف عسكري احتياطي بالامتناع عن الخدمة العسكرية احتجاجا على التغييرات القضائية.
وبعد يوم واحد من إقرارها أبلغ حوالي 700 طيار احتياط -من بينهم 200 ضابط في سلاح الجو الإسرائيلي- قادتهم برفضهم مواصلة التطوع في الخدمة، وفقا لوسائل إعلام إسرائيلية.
وأيد رؤساء سابقون لهيئة أركان الجيش الإسرائيلي وجهازي الموساد والأمن العام (الشاباك) إعلان عسكريي الاحتياط امتناعهم عن التطوع في الخدمة العسكرية الاحتياطية في حال مررت الحكومة مشاريعها القانونية لتغيير النظام القضائي.
ونقلت القناة الـ12 الإسرائيلية أيضا أن كبار المسؤولين في الأجهزة الأمنية حذّروا من أن ما تقوم به حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو خطير للغاية على النسيج الاجتماعي في إسرائيل، ومن شأنه شق صف الجيش والشعب على نحو لا يمكن توقع تداعياته السلبية وإتاحة المجال لاستبداد يميني عقائدي متطرف.
وإزاء ذلك سارع وزير الدفاع الإسرائيلي إلى تعليق مسار تمرير التشريعات، خاصة مشروع قانون “حجة المعقولية”، وذلك بعد ساعات من إبلاغ أكثر من 1100 عنصر في رسالة موجهة إلى قيادة سلاح الجو الإسرائيلي عن وقف نشاطهم التطوعي بسبب مضي الحكومة الإسرائيلية في خطة التغييرات القضائية.
وقال الموقعون على عريضة بهذا الشأن إنهم لا يستطيعون تنفيذ المهام الموكلة إليهم في ظل نظام حكم يتم فيه انتهاك أسس الديمقراطية وتزداد فيه الفجوة التي ستقود الدولة إلى أن تكون دكتاتورية، وفق تعبيرهم.
وبالتزامن مع ذلك، بحث عدد من القادة العسكريين والأمنيين الحاليين والسابقين التأثيرات الخطيرة لتمرير تلك القوانين على المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، فقد قال رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي هرتسلي هليفي الحكومة عشية تمرير “التعديلات القضائية” إن اتساع ظاهرة رفض الخدمة العسكرية يهدد جاهزية الجيش لخوض الحروب.
وعلى خلفية ذلك حذّر مركز أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب من “تآكل الردع الإسرائيلي في مواجهة حزب الله (اللبناني)”، مشيرا إلى أن “تجنب الاحتكاك مع حزب الله من شأنه أن يؤدي إلى وضع إستراتيجي خطير”.
الجيش يتخذ أول إجراء تأديبي
وأدت تلك الحالة غير المسبوقة داخل الجيش الإسرائيلي إلى بروز تساؤلات كبيرة بشأن تأثيرها ومستقبلها وكيف ستتعاطى معها المؤسسة العسكرية، بالمواجهة أم الاحتواء.
وبينما كانت التوقعات تميل إلى أن قيادة المؤسسة العسكرية والسياسية الإسرائيلية ستمسك العصا من الوسط وستميل أكثر نحو خيار الاحتواء بادر الجيش أمس الثلاثاء إلى اتخاذ أول إجراء تأديبي داخلي يجري الإعلان عنه بسبب الاحتجاجات، حيث فُرضت غرامة قيمتها ألف شيكل (270 دولارا) على أحد جنود الاحتياط وصدر حكم على آخر بالحبس 15 يوما مع وقف التنفيذ بسبب تجاهلهما طلبات استدعاء.
وقال العميد دانيال حجاري في تصريحات للصحفيين أكدها متحدث باسم الجيش إن “هناك زيادة في طلبات التوقف عن أداء خدمة الاحتياط”.
وأضاف حجاري “إذا استمر عدم انضمام قوات الاحتياط لأداء الخدمة لفترة طويلة فسيقع ضرر على جاهزية الجيش”، مضيفا أن هذه ستكون “عملية تدريجية”.
وما قام به الجيش عمليا هو ما لوحت به مسؤولة في الحكومة قبيل التصويت على التعديلات القضائية، حيث قالت وزيرة المواصلات الإسرائيلية إن “مكان رافضي الخدمة العسكرية بسبب الإصلاح القضائي هو السجن”.
قلق ومخاوف
ومع استمرار السجال الداخلي بشأن تأثير التعديلات القضائية على المؤسستين العسكرية والأمنية قدم كبار المسؤولين في الجيش الإسرائيلي رسائل وصفت بالمقلقة إلى المستوى السياسي بشأن استمرار تماسك الجيش، وما يصيب كفاءته القتالية من ضرر بالغ في المستقبل وفقا لوسائل إعلام إسرائيلية.
ومن بين الأضرار والتأثيرات الكبيرة التي رصدتها وسائل الإعلام الإسرائيلية لتأثيرات القرار على الجيش هو الضرر الذي حصل بخروج عدد كبير من أفراده عن واجب “التحفظ” والتعبير علنا عن آرائهم ومواقفهم السياسية، وما قد توصف بـ”حالة التطبيع” مع عصيان الأوامر، فضلا عن التأثيرات غير المعروفة حتى الآن على الخدمة الدائمة في ظل حالة الاستقطاب والتنازع الشديد بين شارعين متباينين إلى حد التناقض في أشياء كثيرة.
وبين تلك المخاوف المتفاقمة يترامى فرقاء الساحة السياسية الإسرائيلية بلهب التخوين ويشتد بأسهم السياسي بينهم، وسط اتهامات متبادلة بتخريب وإضعاف الدولة، في وقت تتصاعد فيه قوة “العدو الخارجي” المشترك.
المصدر : الجزيرة + وكالات + الصحافة الإسرائيلية
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.