البروفيسور عالم اللغة عبد الله الطيب.. ثالث سوداني يحصل على الدكتوراه | الموسوعة


البروفيسور عبد الله الطيب المجذوب، عالم لغوي وشاعر سوداني، تخرج في لندن وكان ثالث سوداني يحصل على شهادة الدكتوراه في السودان. كتب في الأدب واللغة وكان له برنامج في تفسير القرآن، وتولى إدارة عدد من المؤسسات الثقافية العربية، كما كان أستاذا زائرا في عدد من الجامعات العربية والأفريقية والبريطانية.

أثنى عليه الأديب المصري طه حسين، واستضافه وزوجته في منزله، وقدم لكتابه “المرشد”، وقال عنه للنخبة الثقافية في مصر في تلك الفترة: “هذا الشاب السوداني كتب ما لم يستطع أحدكم كتابته”.

المولد والنشأة

ولد عبد الله الطيب بن عبد الله الطيب بن محمد بن أحمد المجذوب يوم 2 يونيو/حزيران 1921، في قرية التميراب القريبة من غرب مدينة الدامر الواقعة شمال السودان.

نشأ في بيت دين معروف، وهو بيت “المجاذيب” صاحب الطريقة الشاذلية الصوفية المشهور بالعلم والأدب، حتى إن مدينة الدامر سميت بـ”مدينة المجاذيب”، فكان للدين أثر كبير في حياته.

كان والده شاعرا مثقفا وحافظا للقرآن، وعمل مدرسا بمدينة كسلا، وكان ملما بالتجويد ويقرأ بالشاطبية، ويذكر الطيب أن والده كان شديد الحب له وشديد العناية بتعليمه.

قال له والده قبل وفاته إنه سيذهب لأوروبا، وكانت أمه عائشة جلال الدين متوسطة الثقافة، وجدته امرأة شديدة البلاغة.

تلقى تعليمه المبكر في الخلوات، والخلوة مدرسة قرآنية تقليدية يعهد فيها إلى الشيخ بتأديب الأطفال وتعليمهم ورعايتهم، ويقول عنها الطيب “كانت جزءا من كيان المجتمع”.

وفي عام 1931 زار الخرطوم، واصطحبه والده إلى حديقة الحيوانات، حيث رأى حيوان اللاما لأول مرة.

وكان قد أشار إلى أن المناهج التي تعلم للطلاب في سن مبكرة بتلك الفترة، بعيدة عن محيطهم وبيئتهم، فكان يقرأ عن اللاما والفيل ولا يعرفهما.

توفي والده وهو بعد صغير، فكان محتاجا للمساعدة في تعليمه، ولم يكن الالتحاق بالمدرسة المجانية يتم إلا بـ”التبريز”، الذي يكون بالتميز في الرياضيات، لذلك فإنه كان يعلن امتنانه للرياضيات كونها ألحقته بالتعليم المجاني.

توفي شقيقه بعد والده ثم توفيت أمه، وتولى رعاية شقيقاته حتى إنه لم يتزوج حتى زوجهن، وتوفيت إحدى شقيقتيه في شبابه عام 1947.

بعد وفاة والديه، قال خاله إن عليه ترك الدراسة والذهاب إلى العمل في السوق والمتاجرة ليعيل نفسه وأهله، لكن جدته رفضت ذلك لإيمانها بأن عبد الله ذكي وذو مستقبل في التعليم.

*****البروفيسور عبدالله الطيب المصدر : صفحه جامعه الخرطوم على الفيسبوك
عبد الله الطيب اختير لرئاسة مجلس جامعة الخرطوم (صفحة جامعة الخرطوم-فيسبوك)

التكوين العلمي

بدأ تعليمه بحاشية إحدى مدارس القرية، فتعلم في سنٍّ مبكرة الحروف الهجائية، وتعلم القراءة قبل إتقانه الحروف الهجائية، وهو يقول إنه “يؤيد تلك الطريقة التي هي طريقة الخَلوة”.

وتعتمد تلك الطريقة على خط الحروف للأطفال في الرمل، ثم تكتب لهم على الألواح مشكلة، فيتعلمون بذلك القراءة قبل الكتابة، وكانوا يبدؤون بتحفيظهم الفاتحة “لنيل البركة”، ثم السور القصار حتى يتموا حفظ القرآن.

درس في سنوات الكتّاب الأولى عددا من القصائد الشهيرة في الأدب العربي، مثل قصيدة “الزينبية” لصالح عبد القدوس، وكان تعليمهم في تلك المرحلة متقدما.

وبدأ عبد الله الطيب التعليم النظامي بمدارس مختلفة متوزعة في المدن السودانية، مثل مدينة كسلا ومدينة بربر وبمسقط رأسه مدينة الدامر.

كان يقرأ في مكتبة والده كتبا تراثية، ذكر منها كتاب البيان والتبيين للجاحظ، وكتاب الكامل للمبرد، وقصص ألف ليلة وليلة، وكانت تلك القراءات هي ما شكّل ثقافته الأولى.

وفي مراهقته عرّفه أستاذه الهادي أبو بكر إسحاق على طه حسين، لكن اهتمامه لم يتجه للغة العربية دون بقية العلوم إلا في مرحلة متأخرة.

وبعد انتهاء تعليمه النظامي بالمدارس الوسطى في مدينة بربر، كان ورفاقه في انتظار نتائج قبولهم في كلية غوردون التذكارية بالخرطوم (كلية الآداب الآن)، فبلغه خبر قبوله مجانا فيها، وتخرج منها عام 1942.

حصل على درجة الدكتوراه من كلية الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن عام 1950، وكان بذلك ثالث سوداني يحصل على درجة الدكتوراه، بعد مكي شبيكة والشيخ الريح العيدروس.

النشاط المهني

عمل عبد الله الطيب في التعليم، ودرّس في المدارس الوسطى، وفي مدرسة التجارة الصغرى.

ودَرّس في كلية غوردون التذكارية -حيث درَس- منذ عام 1943 حتى عام 1945، وهي الكلية التي تحولت بعد ذلك إلى كلية الخرطوم الجامعية، وصارت فيما بعد جامعة الخرطوم.

عُين الطيب في كلية الخرطوم الجامعية عام 1949، لكنه احتج على ذلك لتعيينه وغيره من السودانيين في منصب “مساعد محاضر”، وكان في تلك المرحلة على وشك إنهاء الدكتوراه، وقد درّس سابقا لمدة، فاستقال من وزارة المعارف.

عمل محاضرا في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية بلندن عام 1950.

طُلب من الطيب إدخال اللغة العربية إلى الجنوب السوداني عام 1952، حين كان مسؤولا عن برنامج اللغة العربية ومناهج المدارس المتوسطة في معهد بخت الرضا لتدريب المعلمين.

وزار الجنوب في العام نفسه، وجال على مدارس في جوبا وموندري ولوكا وغيرها من مدن الجنوب السوداني، وكتب تقريرا لكيفية إدخال اللغة إلى الجنوب على المدى القريب والبعيد.

عيّن أستاذا في قسم اللغة العربية بجامعة الخرطوم، وعميدا لكلية الآداب فيها منذ 1961 إلى 1974.

ثم اختير لمنصب مدير جامعة الخرطوم لعام واحد 1974-1975، وعين مديرا لجامعة جوبا في العام التالي، ثم اختير فيما بعد لرئاسة مجلس جامعة الخرطوم، وإدارة مجمع اللغة العربية بالسودان.

وأثناء إقامته في نيجيريا لقي تقديرا بالغا، وأشرف على إنشاء كلية عبد الله باريو في جامعة أحمد وبيلو بمدينة كانو النيجيرية، وكان أول عميد لها.

وكان عضوا في تحرير الموسوعة الأفريقية بغانا، وعضوا في مجمع اللغة العربية بالقاهرة، ورئيسا لاتحاد الأدباء السودانيين.

عمل عبد الله الطيب بمدينة فاس المغربية، حيث عيّن أستاذا للدراسات العليا في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله.

وأقام بفاس لمدة 9 سنين رفقة زوجته غريزلدا، التي قالت عن تلك التجربة “إن فاس بلد جميل، وطلابها مجتهدون ومتحمسون ومخلصون”.

زوجة العلامة الدكتور عبد الله الطيب، الانجليزية المولد والنشأة، جريزلدا الطيب
عبد الله الطيب تزوج من غريزلدا عام 1948 التي عاشت معه في السودان وبقيت فيها حتى بعد وفاته عام 2003 (الجزيرة)

تجربة الابتعاث والزواج

ابعتثت الحكومة الاستعمارية بالسودان آنذاك عبد الله الطيب إلى بريطانيا لإعداد المعلمين عام 1945، وكانت تلك الرحلة بمثابة الترقية أو المكافأة له ولبعض زملائه من “السودانيين الواعدين”.

وبعد تخرجه، لم يرغب في البقاء بلندن لوقت طويل، واستطاع أن يقنع المشرفة عليهم أن يتحصل ورفاقه السودانيون على شهادة، عوضا عن التدريب في كلية التربية الذي كان تكرارا لمّا تعلمه في “بخت الرضا”.

وبعد حصوله على الدكتوراه، اقترح عليه مشرفه أن يكون محاضرا في لندن، فوافق على ذلك.

تزوّج في بريطانيا عام 1948 بامرأة إنجليزية تدعى غريزلدا، ونظرا لأنها من بلد المستعمر هاجم عبد الله الإنجليز أمامها عند لقائهما الأول، وعدّد جرائم الاستعمار واستبداده، فأعجبت بحماسته وإخلاصه.

أتت معه بعد زواجهما إلى السودان أول مرة عام 1950 بالباخرة، وقضت فيه 3 أشهر.

ثم عادا إلى لندن في العام الذي تولى فيه الطيب التدريس فيها، ثم رجع إلى السودان ليحل محل أحمد الطيب ببخت الرضا، ولم يكن أحمد حينها دكتورا بعد.

عاد مع زوجته غريزلدا للإقامة في السودان، وتقول زوجته المشتغلة بالبحوث والدراسات “إن الحياة في لندن بعد الحرب كانت صعبة”.

وبعد تأليفه كتابه “المرشد” المكون من 4 مجلدات، أشارت عليه غريزلدا بالذهاب إلى أكبر أديب عربي ليعرضه عليه، فكانت زيارتهما لطه حسين في الزمالك بالقاهرة، والذي كتب مقدمة للكتاب.

أسلمت زوجته عام 1977، في فترة إقامتها بكنا في نيجيريا.

المنهج الأدبي وتفسير القرآن

رافقت عبد الله الطيب اهتماماته الأدبية في إنجلترا، وقال إن بريطانيا “بلد الأدباء مثل شكسبير وتشارلز ديكنز”، ومكتباتها ومتاحفها زاخرة بنوادر الكتب والوثائق.

وكان منهجه شاملا لتناول كل ما يخص اللغة العربية، فكانت له مهارة عالية في ردّ اللهجات العربية إلى أصولها الفصحى، وتناول في مؤلفاته قضايا الشعر والنثر والنصوص والمدائح النبوية.

ولم ينفرد باللغة من جهة الأدب، بل كان له حضور في تفسير القرآن الكريم، بدأ به بثا باللهجة العامية في برنامج إذاعي على الإذاعة السودانية.

وكان له برنامج تلفزيوني بعنوان “الدروس الحسنية”، عرض فيه تأملات في القصص القرآنية، وكانت الدروس الحسنية بدعوة من وزير أوقاف المغرب له، ليلقي محاضرة أمام ملك المغرب، وقدّم أيضا غيرها من الدروس مثل “أحسن الحديث”.

كما قدم محاضرات مصورة بثت على القنوات السودانية والمغربية، منها شذرات من الثقافة، وخواطر عن اللغة العربية وتعليمها، ومحاضرات أخرى ألقاها في إمارة الشارقة بدولة الإمارات.

وكان قد نظّم الشعر في مراحل مبكرة من حياته، وامتاز شعره بالصورة القديمة، نظرا لتأثره بالأقدمين وأصالة أشعارهم، ومن أبرز من تأثر بهم المتنبي وأبو تمام.

غلاف كتاب المرشد
كتاب “المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها” الذي حصل عنه عبد الله الطيب على جائزة أدبية (الجزيرة)

النتاج العلمي

ألقى البروفيسور عبد الله الطيب عددا من المحاضرات في مجمع اللغة العربية بالخرطوم، وكان له عدد من المقالات في مجلة المجمع، كما أن له عدة كتب ودواوين وتفاسير لأجزاء متفرقة من القرآن الكريم، وشروحا في اللغة ومجموعات قصصية متنوعة. وتقول زوجته إنه كتب 46 مؤلفا كلها بخط يده، أبرزها:

  • المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها، عام 1955.
  • الأحاجي السودانية، من عام 1947 إلى 1993.
  • من نافذة القطار، بين عامي 1964 و1993.
  • من حقيبة الذكريات، عام 1989.
  • القصيدة المادحة، عام 1964.
  • سقط الزند الجديد (شعر)، عام 1976.
  • أغاني الأصيل (شعر)، عام 1976.
  • مع أبي الطيب، عام 1968.
  • كلمات من فاس، عام 1986.
  • تفسير جزء عم، بين عامي 1970 و1986.
  • تفسير جزء تبارك، عام 1988.
  • تفسير جزء قد سمع، عام 1993.
  • شرح أربع قصائد لذي الرمة، بين عامي 1958 و1993.
  • شرح بائية علقمة، عام 1970.
  • بين النير والنور (شعر ونثر)، عام 1970.
  • الحماسة الصغرى (جزءان): الجزء الأول عام 1960 بمطبعة أكسفورد، والثاني عام 1970 بالخرطوم.
  • تاريخ النثر الحديث في السودان، عام 1959.
  • مشرع الحدرة القصصي، عام 1952.
  • زواج السمر (مسرحية شعرية).
  • الغرام المكنون (مسرحية شعرية).
  • قيام الساعة (مسرحية شعرية).
  • مقالات في السودان في وثائق ومدونات باللغة الإنجليزية بعنوان “عادات السودان المتغيرة”.
  • مسرحية زواج السمر.
  • مقال في الموسوعة البريطانية عن عباس محمود العقاد ومصطفى لطفي المنفلوطي وأحمد شوقي والأدب العربي، 1960-1961.
  • البراق.

الجوائز والتكريمات

فاز عبد الله الطيب بجائزة الملك فيصل العالمية للأدب العربي عام 2003، عن كتابه المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها.

وقد كان في لجنة تحكيم الجائزة لمدة 10 سنوات قبل حصوله عليها، فلما اعتذر عن التحكيم في عام فوزه، رُشح وحصل عليها.

قيل عنه

قدّم طه حسين لكتاب عبد الله الطيب “المرشد لفهم أشعار العرب وصناعتها”، فقال: “وإني لأسعد الناس حين أقدم إلى القرّاء الأستاذ عبد الله الطيب، وهو شاب من أهل السودان، يُعَلِّم الآن في جامعة الخرطوم، بعد أن أتم دراسته في الجامعات الإنجليزية، وأتقن الأدب العربي، علما به وتصرفا فيه، كأحسن ما يكون الإتقان، وألف هذا الكتاب باكورة رائعة لآثار كثيرة قيمة ممتعة إن شاء الله”.

كتب عن عبد الله الطيب تلميذه الحبر يوسف نور الدائم “كان يدخل علينا معتمدا على ذاكرة حافظة، وذكاء لمّاح وعلم مكنوز”.

وكتب كمال الجزولي بعد وفاته مقالا بعنوان “وجاء يوم شكره”، وقال فيه: “ملأ العزيز الراحل الدنيا وشغل الناس لأكثر من نصف قرن، جادت خلاله عبقريته بأسفاره ونتاجاته الأدبية الذائعة في مطاوي ثقافة المستعربين والسودانيين”.

ورثاه الدكتور معاوية محمد عبد المجيد، قائلا: “فارقت القوافي أصداء النيل، أقفر المدرج 102 بكلية الآداب، جامعة الخرطوم، وهجرت الكتابة اللوح، تلاشى غبار الطباشير، انفرط عقد الأحاجي السودانية وكف الرواة عن الحكي، ولم تعد فاطمة السمحة سمحة، فقد المرشد بوصلة الشعر، ضاعت الابتسامة الخلابة التي تومض بين دفق الكلمات المبهرة”.

وقال عنه محمد المكي إبراهيم: “أحد أبرز الأسماء في جيل العمالقة السودانيين الذين لمعوا مع بداية عصر الاستقلال كالشهب في سماء السياسة والقانون والطب والإدارة والتعليم والأدب، وأحرزوا من التفوق ما لم يكن متوقعا من أبناء دولة كانت ترزح تحت نير الاستعمار. عبد الله الطيب عالم لغوي من أرفع طراز، وشاعر، وحافظ للقرآن والقراءات والتفسير، وهو إلى ذلك مؤلف مسرحي وكاتب مذكرات يمكن اعتبارها من أوائل ما وضع السودانيون في علم الاجتماع الوصفي”.

وفاته

توفي عبد الله الطيب يوم 19 يونيو/حزيران 2003، إثر إصابته بجلطة دماغية أقعدته عن الحركة منذ عام 2000.


اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Previous post المحكمة العليا تحكم ضد Navajo Nation في نزاع حول حقوق المياه
Next post قد تعود واشنطن وطهران للاتفاق النووي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading