تونس- منذ ساعات الصباح الباكر، وصلت نعيمة الزيدي ووالدتها العجوز إلى مستشفى “صالح عزيز” بالعاصمة للحصول على دوائها، ولكن بعد طول انتظار لم تظفرا بشيء بسبب أزمة نقص الأدوية المستمرة في تونس.
تستخدم والدتها دواء لعلاج ارتفاع الضغط بالعين، وهو مرض مزمن أصابها منذ سنوات، لكن العاملين بالمستشفى نصحوها بشراء الدواء من الصيدليات الخاصة بسبب عدم وجوده حاليا في المستشفى.
تتكئ والدتها على عكازها وتساندها نعيمة لتخرجها بعناء من بين طوابير المرضى. وخارج المستشفى المختص في علاج الأورام، يعجّ الطريق بالجالسين بإعياء على مقاعدهم، كما تتزاحم طوابير السيارات وحركة السير، ولا تعثر نعيمة ووالدتها على سيارة أجرة تقلهما للمنزل.
رحلة عذاب
وبوجه منهك بالتعب تقول نعيمة للجزيرة نت إن العثور على الدواء في المستشفيات العمومية يشبه “رحلة عذاب”، مؤكدة أن حياة المرضى والمرافقين لهم تزداد مشقة بسبب نقص الأدوية وتردي الخدمات الصحية.
وليس علي الزغلامي أفضل حالا من والدة نعيمة؛ فهو مصاب بسرطان في الرئة، ويظهر خائر القوى بسبب الصعود والهبوط على درج المستشفى، ولكن جهده ووقته ضاعا سدى لأن دواءه غير متوفر أيضا.
يقول الزغلامي -وهو يحمل وصفة الدواء بيديه المرتعشتين- “أهم شيء عند الإنسان هو صحته، لكن الصحة في تونس آخر شيء تفكر فيه السلطة”. وفي حديث للجزيرة نت، أعرب عن استيائه من أزمة نقص الأدوية وتدهور الخدمات.
غير بعيد عن مستشفى “صالح عزيز”، تجمع عشرات من الكوادر الصحية التابعين لإحدى النقابات المستقلة بغرض الاحتجاج أمام مبنى وزارة الصحة، وأعلنوا دخولهم في إضراب مفتوح بجميع المستشفيات.
ورفع المحتجون شعارات تطالب بإصلاح منظومة الصحة وسن قانون أساسي يحمي حقوق العاملين بالقطاع وتوفير الدواء والتجهيزات. كما انتقدوا ما اعتبروه “لامبالاة” بمطالبهم من قبل الوزارة.
مسيرة رمزية
ومنع موظفو الأمن المحتجين من الاعتصام داخل مبنى وزارة الصحة، في حين قال الأمين العام لتنسيقية إطارات وأعوان الصحة شكري المبروكي للجزيرة نت إن “وزارة الصحة قامت بعسكرة محيطها من أجل قمع هذا التحرك المهني”.
لكنه أكد أن الإضراب المفتوح سيتوّج بمسيرة رمزية تنطلق من أمام الوزارة إلى مقر الرئيس قيس سعيّد بضاحية قرطاج الخميس المقبل “للفت نظره إلى نقص الأدوية والتجهيزات وتردي المنظومة الصحية”.
ويقول إن هذا التحرك سيتصاعد الاثنين المقبل ليشمل الإضراب المفتوح عن العمل حتى في أقسام الطوارئ والأقسام الداخلية بالمستشفيات كافة “إن لم تحرك وزارة الصحة ساكنا لإصلاح الأوضاع”.
وبالنسبة له، فإن تواصل أزمة نقص الأدوية وتعطّل التجهيزات وتأخر صيانتها وتدهور الخدمات الصحية وتجميد التوظيف في القطاع الصحي؛ كلها تزيد في إهانة المرضى والعاملين في القطاع وتعمّق معاناتهم.
وانتقد المبروكي عدم تسمية مدير عام جديد على رأس الصيدلية المركزية للبلاد بعد إقالة المدير السابق، قبل نحو 4 أشهر. وقال إن الشركة التونسية للصناعات الصيدلانية تشكو من الفساد وعلى أبواب الإفلاس.
غياب الإصلاحات
من جهتها، تقول سعيدة بن صميدة الممرضة المساعدة بمستشفى “صالح عزيز” إنها شاهدة يوميا على معاناة المرضى والعاملين في القطاع الصحي جراء غياب الإرادة والتمويل اللازم للإصلاح.
وتعمل سعيدة منذ 3 عقود بالمستشفى، وتستعد للإحالة على التقاعد، لكنها ستحمل في ذاكرتها الكثير من هموم الناس بسبب أوجاع أمراضهم ومكابدتهم مشقة البحث عن الأدوية والمواعيد الطبية وغيرها.
وتقول للجزيرة نت، إن أزمة نقص الإطار الطبي وشبه الطبي في المستشفيات خلقت ضغطا كبيرا على العاملين ومناخا متوترا وظروفا لا تطاق. ودعت الرئيس قيس سعيد إلى الالتفات لأزمة القطاع الصحي ونقص الأدوية.
وحسب رئيس النقابة التونسية لأصحاب الصيدليات الخاصة نوفل عميرة، فإن استمرار أزمة نقص الأدوية في تونس يأتي نتيجة غياب الإصلاحات. وكشف عن فقدان العشرات من أنواع الأدوية لمختلف الأمراض.
ومن بين أحد الأسباب الرئيسية لأزمة فقدان الأدوية في تونس الوضعية المالية للصيدلية المركزية للبلاد التي تحتكر توريد الأدوية من الخارج.
وتواجه الصيدلية المركزية مشكلات في التوريد بسبب عدم تسديد ديونها للمصادر الخارجية، وهي نفسها تشتكي من عدم حصولها على مستحقاتها، خاصة من الصندوق الوطني للتأمين على المرض.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.