الرباط- اختار الروائي المغربي عبد الإله بن عرفة لنفسه مسارا متفردا، إذ ظل في 12 رواية نشرها وفيا لمشروعه العرفاني وللغته الراقية والرصينة منذ أول رواية له صدرت سنة 2002 “جيل قاف” إلى آخر رواياته “مدينة الأختام الفاضلة” الصادرة العام الماضي، وأسس لرؤية سردية بمرجعية قرآنية وأدب عرفاني يخاطب وجدان القارئ.
الرواية العرفانية بالنسبة له هي تجربة فكرية وجمالية وإبداعية تستلزم من القارئ حضورا قويا حتى تكون درجة تماهيه وفهمه للعمل الروائي كبيرة.
واختار خريج جامعة السوربون والباحث في اللسانيات والتصوف والفكر الإسلامي ونائب مدير الإيسيسكو الكتابة الروائية، لأنها كما يقول تتيح للكاتب “قول أشياء قد لا يستطيع قولها بنفس الطريقة في المباحث الفكرية بشكل عام”.
ولأنه كان دائما مهتما بدلالات وأسرار الحروف المقطعة في القرآن الكريم فقد جعلها سر رواياته ومفتتحها من “جبل قاف” إلى “ألمر.. أختام المدينة الفاضلة”، مرورا بـ”بحر نون”، و”بلاد صاد”، و”طواسين الغزالي”، و”ابن الخطيب في روضة طه”، و”ياسين في قلب الخلافة”، و”الجنيد ألم المعرفة”، و”خناثة: ألر الرحمة”، و”إدريس: ألمص الولاية”.
الرواية العرفانية هي مسار روائي جديد في السرد العربي بشكل عام، وهي تجربة فكرية وجمالية وإبداعية من خلال الرواية والسرد
إنها في المجمل 14 رواية (صدر منها 12) و14 فاتحة قرآنية و14 قرنا منذ ظهور الإسلام، تشكل هندسة هذا المشروع السردي، حيث خصص بن عرفة لكل قرن فاتحة نورانية وشخصية محورية تجمل مكاسب ذلك القرن حتى صار مثل موسوعة أدبية سردية عن هذا التاريخ العربي الإسلامي الطويل، وفي ما يلي نص الحوار:
-
خلال 10 سنوات نشرتم 12 رواية ضمن مشروع سردي أطلقتم عليه اسم “الرواية العرفانية”، فما المقصود بالرواية العرفانية؟
الرواية العرفانية هي مسار روائي جديد في السرد العربي بشكل عام، هي تجربة فكرية وجمالية وإبداعية من خلال الرواية والسرد.
أُعرّف العرفان بأنه اتحاد العارف بالمعروف، فالثنائيات مثل المبتدأ والخبر، الصفة والموصوف، المسند والمسند إليه، الموضوع والمحمول، على اختلاف العلوم تباعا النحو وعلم الكلام والبلاغة والمنطق التي استعملت فيها تزول في هذا الإطار، لأنه لمّا يحصل اتحاد العارف بموضوع معرفته أي معروفه تصبح هناك محايثة تمكن من معرفة عميقة لما يريد أن يعرفه، ويصبح العارف جزءا من مسار التعرف.
هذا بشكل مختصر ما أقصده بالعرفان، ولا أقصد التقسيمات التي وضعها بعض المفكرين مثل المرحوم محمد عابد الجابري حين تحدث عن أطوار العقل العربي المسلم وقسمه إلى عقل بياني وعقل برهاني وعقل عرفاني، أنا أتحدث بخصوص هذا المشروع العرفاني عن تجربة روحية ومعرفية في الآن ذاته.
الأدب يتيح للإنسان قول أشياء قد لا يستطيع قولها بنفس الطريقة في المباحث الفكرية بشكل عام
-
ليس هينا على أي كاتب وروائي أن يؤسس لمشروع سردي متكامل، ما الذي ساعد على التزامك في هذا المشروع العرفاني؟
بدأت كتابة الرواية بعدما أنهيت دراستي العليا وحصلت على شهادة الدكتوراه، حينها رأيت أن الأدب يتيح للإنسان قول أشياء قد لا يستطيع قولها بنفس الطريقة في المباحث الفكرية بشكل عام.
كانت البداية مع رواية عنوانها “جبل قاف” حول شخصية محورية كبرى أثرت في تاريخ الفكر الإنساني بشكل عام وما زال تأثيرها قويا، وهي شخصية محيي الدين بن العربي، وقد ظهرت إرهاصات مشروعي السردي في عنوان هذه الرواية “جبل قاف”، إذ كنت دائما مهتما بدلالات وأسرار الحروف المقطعة في القرآن الكريم، وبعدها نشرت روايتي الثانية “بحر نون”.
بدأت أخصص لكل قرن فاتحة نورانية وشخصية محورية تجمل مكاسب ذلك القرن، هكذا تمت هندسة هذا المشروع حتى صار مثل موسوعة أدبية سردية عن هذا التاريخ العربي الإسلامي انطلاقا من اللحظات المشعة
وكما تلاحظون حرف القاف هو مفتتح كلمة قرآن، وحرف النون هو مختتمها، حينها اتضحت لي ملامح المشروع وهندسته انطلاقا من هذه الأبجدية الفواتحية العالية.
من جهة أخرى، حين نتأمل هذه الحروف نجد أن عددها 14 فاتحة نورانية بإزالة المكرر منها، وهي توجد على عدة أوضاع من المفرد إلى المركب، بالمقابل يفصلنا عن ظهور الإسلام 14 قرنا، فبدأت أخصص لكل قرن فاتحة نورانية وشخصية محورية تجمل مكاسب ذلك القرن، هكذا تمت هندسة هذا المشروع حتى صار مثل موسوعة أدبية سردية عن هذا التاريخ العربي الإسلامي انطلاقا من اللحظات المشعة ومن أجل غاية أساسية هي الوصل وليس الفصل، فالإبداع الذي أكتبه هو إبداع موصول غير مفصول يمكّننا من استيعاب مجمل المظاهر الحضارية لهذا التاريخ الطويل.
-
إذن، هي نظرة على تاريخ 14 قرنا من تاريخ الإسلام؟
هذا على المستوى العام، لكن في الواقع سنجد أدبا جما ومعاجم متنوعة ولحظات مشرقة للفكر وتأسيس مذاهب وفرق واتجاهات، هناك تغطية لمجمل الدول التي حكمت في هذه الرقعة الجغرافية الشاسعة وللحواضر المزدهرة، مثل فاس ومراكش والقيروان وغرناطة وإشبيلية وقرطبة وبغداد ودمشق ومكة والقدس والقاهرة وإسطنبول.
في هذا المشروع أقدم تغطية تامة لمجمل هذا التاريخ، لكن ذلك لا يتم بمنطق المؤرخ الذي يتناول أحداثا مضت، بل بمنطق الروائي والأديب الذي يكتب عن الأحداث على أساس أنها حية وتعيش في وجداننا وحاضرنا وعليه أن يدلي بشهادة حضور، والقارئ حينما يقرأ هذه الأعمال يحصل له تماهٍ مع شخوصها وأحداثها ويحس أن لها راهنية بحيث لا يجد فارقا زمنيا كما نجده عند المؤرخ.
-
نشأتم بين الزوايا الدينية للمدينة القديمة لسلا وحفظتم القرآن في كُتّاب فتح في بيت سكنه الفيلسوف والشاعر لسان الدين بن الخطيب خلال مقامه في المدينة، كيف أثرت هذه النشأة في ولادة مشروعك السردي العرفاني؟
المدينة الإسلامية القديمة هي مدينة للتأطير التربوي والثقافي والديني والروحي من خلال المساجد والزوايا ومؤسسات الصلاح بشكل عام.
نشأت وتعلمت مبادئ الكتابة والقراءة في كُتّاب صغير ومسجد تقام فيه الصلوات الخمس ويقرأ فيه الحزب الراتب، في بيت كان يسكنه لسان الدين بن الخطيب، وكان يوجد في جانب من هذا المكان حوش كنا نمحو فيه الألواح التي نكتب فيها الثمن أو الربع الذي نحفظه فيسيل ذلك الماء المحمل بالآيات والأحرف التي حفظناها فيسقي قبر زوجة لسان الدين الخطيب التي أحبها كثيرا.
كانت هذه البداية مبنية على علاقة روحية وعاطفية لطفل نشأ في بيت عالم كبير وأديب وفيلسوف وطبيب ووزير ومؤرخ يجسد الحضارة الأندلسية، فأردت أن أكتب رواية عن هذا الرجل لأسدد دينا علي له لكوني أعتبره أحد أساتذتي وشيوخي الذين تعلمت وتأدبت عليهم خلف حجاب القرون.
-
يلاحظ القارئ حضورا مهما للأندلس وقاماتها في رواياتك، ماذا يعني استحضار تلك المرحلة التاريخية في الوقت الراهن؟
حينما أتحدث عن الأندلس فأنا أعتبرها نقطة ارتكاز حضاري، فهي ليست مجرد بقعة جغرافية وحيزا تاريخيا عرف حضارة مزدهرة، لكنه أصبح نموذجا حضاريا انتشر في كثير من البقاع التي لا علاقة لها بالأندلس، واليوم ما زلنا نتحدث عن عدة مظاهر حضارية تربط نفسها بالأندلس، مثل الطبخ الأندلسي والموسيقى الأندلسية واللباس والعمارة، فعلى الرغم من أنها ليست لها علاقة مباشرة بهذه البقعة فإنها تصدر عن نقطة الارتكاز الحضاري التي تحدثت عنها، لهذا خصصت بعضا من رواياتي للأندلس ولتلك اللحظات الذهبية المشرقة ولقامات رفيعة، منهم الأمير الشاعر أبو الحسن الششتري وابن العربي الحاتمي ولسان الدين بن الخطيب وابن حزم.
كما خصصت جانبا من أعمالي لسرد اللحظات المؤلمة والحزينة التي عاشها الأندلسيون، خصوصا محنة الموريسكيين في الفترة من سقوط غرناطة سنة 1492 إلى حين صدور قرار الطرد النهائي سنة 1609.
-
يستند مشروعكم الروائي على الكتابة بالحال، فكيف تكون الكتابة بالحال؟ وهل تستلزم أيضا القراءة بالحال؟ وكيف تتحقق؟
وظفت مجموعة من المفاهيم النقدية الجديدة المرتبطة بهذا المشروع، من بينها الكتابة بالحال والكتابة بالسر والكتابة بالنور والكتابة بالأنفاس.
الحال وارد قلبي لكنه لا يدوم زمنين، بمعنى أن لحظة نشوئه هي لحظة انطفائه وموته، لكن كيف ننقل حال شخصية وجدت في القرن الثاني أو الثالث إلى القرن الـ21؟
لهذا، الكتابة بالحال تفترض القراءة بالحال، والقارئ الذي يقرأ بالحال يعيد بناء الحال الأول في لوح ذاته، فبالتالي يصبح هذا التعريف الذي ذكرنا مهما جدا لأن هذه المسافة الفارقة لم تعد لها قيمة كبيرة تمنع من تمثل الحال الأول ما دام أنه يعيد بناء هذا الحال في ذاته من خلال خوضه تجربة روحية وفكرية ومعرفية وأدبية تمكنه من بناء خارطة الأحوال من جديد في ذاته، فهذا الأدب هو أدب السفر، وهو أدب تفاعلي.
أريد من القارئ أن يحضر في العمل، وكلما كان حضوره قويا كانت درجة تماهيه وفهمه كبيرة، فالقاعدة تقول على قدر الحضور يكون الفهم وعلى قدر الغياب يكون عدم الفهم
-
من هو القارئ المفترض لرواياتك؟
بشكل عام، يعتبر كل أديب أن هناك قارئا مثاليا معينا، لكن بغض النظر عن هذه الفكرة العامة هناك مستويات للقراءة، ورواياتي موجهة للجميع والدليل على ذلك أن قراءها من مختلف الشرائح العمرية والاجتماعية، لكن مستوى فهمهم وحضورهم في العمل مختلف، فهناك مستويات في الفهم بقدر مستويات الحضور في العمل، وهذا مفهوم طورته أيضا في هذه المنظومة النقدية التي أقدمها لفهم هذا المشروع.
أنا أريد من القارئ أن يحضر في العمل، وكلما كان حضوره قويا كانت درجة تماهيه وفهمه كبيرة، فالقاعدة تقول على قدر الحضور يكون الفهم وعلى قدر الغياب يكون عدم الفهم، فهذه الأعمال الروائية ما دامت مكتوبة بحال تفترض من القارئ القراءة بالحال، وهي عين الحضور.
-
عكس من ينزعون القداسة عن اللغة العربية بوصفها لغة القرآن تدافعون عن هذه القدسية، فما هي تجليات هذه القداسة؟ وكيف تكون اللغة مقدسة؟
أولا: لأنها لغة الوحي، قد نتكلم بالعربية كلاما مخالفا للقداسة، لكن نحن نتحدث عن بنية اللغة في عمقها لأنها كانت الوعاء للقول الأزلي ولكلمة الله وللعهد الأخير للبشرية أي القرآن الكريم، هذه اللغة وصلت إلى درجة الكمال والتمام لهذا اختيرت لأن تكون حاملة لهذا العهد الأخير.
الذين يرفضون هذه الفكرة هم يصدرون عن نظريات ولسانيات غربية نشأت في أحضان لغات غير مقدسة، لذلك لا يمكنهم أن يفهموا بنية اللغة المقدسة، لكنهم قد يجدون هذا التصور عن اللغة في الدراسات العبرية، حيث يوجد مثل هذا عند الكثير من المفكرين واللسانيين العبرانيين الذين فهموا وقدروا قضية القداسة في اللغة وأعطوها تنظيرا فكريا، وقد حاولت أن أتحدث عن بعض هذه المقتضيات في بعض البيانات التي ترافق هذه الأعمال الروائية.
-
تحضر في رواياتك عدد من الحواضر الإسلامية الكبرى مثل بغداد ودمشق وقرطبة وفاس، وقد تطلب الأمر منكم اشتغالا على العمران والثقافة والفنون في هذه الحواضر، هل كان هذا العمل شاقا؟ وماذا احتاج منكم؟
نعم هو عمل شاق وتراكم خبرة وتجربة وقراءات متعددة لمجمل هذه الحضارة في مظاهرها المختلفة في العمران وفي العمارة العسكرية وفي الفنون والطبخ واللباس والتحصينات وغيرها، وهذا تطلب مني أن أنقب في المخطوطات والكتب والأبحاث، فعندما أسجل معلومة فهي موثوقة وصحيحة ويمكن للقارئ أن يطمئن إليها، وهذا ينسجم مع قول أحد كُتّاب الحداثة الأميركيين إن الرواية التي لا تنبني على معرفة هي رواية غير أخلاقية، إذ يرتفع بمسألة الأخلاق لتصبح قرينة بمفهوم المعرفة.
الرواية التي لا تقدم معرفة هي رواية غير أخلاقية بهذا المعنى العميق
وهنا نلتقي مع مقتضيات العرفان الذي تحدثنا عنه، وقلنا إن هذا المشروع هو تجربة معرفية، فالأخلاق ليست منفصلة عن المعرفة لأن الطامة الكبرى هي هذا الفصل الذي حدث، مثل فصل الدين عن الدولة وفصل الأخلاق عن الدين وكل مظاهر الحياة الإنسانية، هذا الفصل غير مؤسس علميا وغير منتج ومخالف للحضارة والتاريخ الإنساني بشكل عام، وفي الأدب نفس الشيء فالرواية التي لا تقدم معرفة هي رواية غير أخلاقية بهذا المعنى العميق، وهذا في غاية الأهمية وينسجم مع التصور الذي أنطلق منه في كتابة رواياتي.
-
هل هناك حاجة وضرورة اليوم للعودة إلى الإرث الصوفي والعرفاني؟
في الواقع ليست هناك عودة، هناك أسئلة واحتياجات في الحاضر وخواء روحي في العالم ونحتاج إلى ما يضبط إيقاع هذه الحياة المتسارعة، أذكر هنا قول إحدى العالمات في علم الاجتماع والفلسفة الألمانية وتدعى روزا هارتموت اشتغلت على الحداثة المتأخرة وذكرت أن الاستلاب في العالم ولدى الأشخاص منشؤه هذا التسارع في الزمن، مما سبب للإنسان حالة من الانفلات والانحراف وظهرت أمراض وعقد وإشكالات كبيرة، لهذا نحتاج إلى إيقاع الروح.
هناك أسئلة واحتياجات في الحاضر وخواء روحي في العالم ونحتاج إلى ما يضبط إيقاع هذه الحياة المتسارعة
وعلى الرغم من أنه إيقاع سريع فإنه يمشي وفق طبيعة وفطرة الإنسان فيغذي ما عنده من احتياجات ويجعله يصطلح مع كل الكائنات والمخلوقات في هذا الوجود، فتصبح العلاقة بينه وبين هذه الكائنات علاقة قرابة، لأن المقتضى الذي يجمعه بها هو منطق الروح، فكما تعلمون أن الروح من عالم الأمر وليس من عالم الخلق.
-
يعتقد البعض أن العالم اليوم ليس بحاجة إلى صوفية عرفانية ولا شاعرية، بل الحاجة أكبر إلى تصوف أخلاقي واجتماعي.. ما رأيكم؟
كل إنسان له احتياجات معينة لذلك لا تهم الأشكال، تاريخيا كانت هناك زوايا وطرق ومذاهب ومدارس روحية، هذا كان صالحا في وقته ولعله ما زال صالحا في بعض الأحيان، لكن الإنسان هو الذي يعرف ماذا ينقصه ولا يحتاج لمن يقول له ما هي احتياجاته الحقيقية، هو يعرف ذلك ويحتاج فقط إلى انقداح سريرته وأن يختصر مسافة الوصول إلى هذه الاحتياجات لكي يجد الدواء الصالح والنافع له، فالمسألة ليست أي تصوف أو وصفة جاهزة معلبة ستجيب على جميع الإشكالات، هي مسار وبحث وتجربة على كل إنسان خوضها مع نفسه “وفي أنفسكم أفلا تبصرون”.
ولهذا تكلمت سابقا عن الكتابة بالأنفاس، أي ضبط إيقاع الأنفاس ومحاسبتها وتقييمها، فهي الإيقاع الحقيقي للوجود، لأن اللغة كلها مبنية على النفس وبالنفس تكون الحياة، وإذا كان هذا النفس محملا بالخير وبالذكر الجميل فهو مرتبط بالخالق ويعطي شحنة وطاقة وقوة على الاستمرار في الحياة.
في روايتي طرحت موضوع المدينة الفاضلة مع 4 من الأختام كل واحد يزعم أنه يستحق أن يرأسها: الشاعر والفيلسوف والحكيم والعرفاني والأديب، ويأتون بشهود من الماضي والحاضر ليدللوا على استحقاقهم هذه الرئاسة
-
في روايتك الأخيرة “ألمر: أختام المدينة الفاضلة” تلتقي 4 نماذج من الأختام هم الترمذي الحكيم والفيلسوف الفارابي والشاعر المتنبي والأديب المعري في مجلس تخييلي في المدينة الفاضلة ليناقشوا هذه القضية الكبرى، ثم يظهر لهم ختم الأختام ابن عربي لكشف حقيقة هذه المدينة، هل هناك حاجة في الوقت الراهن إلى فتح قضية أو موضوع المدينة المثالية أو الفاضلة؟
هذا الموضوع اهتم به الحكماء والصالحون والفلاسفة والمفكرون والأدباء منذ قديم الزمان وفي كل الحضارات، وحاولوا أن يوجدوا بيئة حاضنة للفضيلة وكيفية العيش في مدينة يسودها الخير، لأن خارج المدينة لا توجد سوى الفوضى والحروب والشرور، فوضعوا تصورات كل حسب طاقته، هذا ليس موضوعا خياليا أو كماليا أو مثاليا بل هو ضرورة قصوى، نجد اليوم في المدينة كل شيء: المرافق والجريمة والمؤسسات.
لذلك علينا أن نسأل: ما هي المدينة التي نريد؟ هل هي المدينة التي يحكمها المضاربون الماليون أو التي يقودها المشاغبون؟ نحتاج إلى 4 أشياء: مشروع ثقافي متين، وتصميم معماري متميز، وتخطيط حضري مندمج، ومشروع سياحي ملائم، وعلى جميع القطاعات أن تتضافر وتفكر بطريقة عرضانية متكاملة، في كثير من الدول أنشئت وزارة خاصة بسياسة المدينة، لأن المدينة أصبحت في صلب التنمية البشرية، لكن المدينة الحقيقية هي الإنسان، وهذا الإنسان هو نسخة تامة عن هذا الكون.
نحتاج إلى 4 أشياء: مشروع ثقافي متين، وتصميم معماري متميز، وتخطيط حضري مندمج، ومشروع سياحي ملائم
في روايتي طرحت موضوع المدينة الفاضلة مع 4 من الأختام كل واحد يزعم أنه يستحق أن يرأسها: الشاعر والفيلسوف والحكيم والعرفاني والأديب، ويأتون بشهود من الماضي والحاضر ليدللوا على استحقاقهم هذه الرئاسة، وفي النهاية يتبين أننا نحتاج إلى هؤلاء جميعا لنؤسس هذه المدينة الفاضلة.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.