فهم كيف وأين تنشأ الرياح الشمسية يساعد في التنبؤ بالعواصف الشمسية التي تنتج الشفق القطبي الجميل على الأرض، لكنها يمكن أيضا أن تضرّ بالأقمار الصناعية والشبكة الكهربائية.
تعمل مهمة مسبار باركر الشمسي (Parker Solar Probe) التاريخية التابعة لناسا على إحداث ثورة في فهمنا للشمس وتوسيع معرفتنا بأصل وتطور الرياح الشمسية، مما يؤثر على الأرض. وينتقل مسبار باركر عبر الغلاف الجوي للشمس، ليكون أقرب إلى السطح من أي مركبة فضائية قبله، ويواجه حرارة وظروف إشعاع قاسية؛ لتزويد البشرية بأقرب ملاحظات عن هذا النجم على الإطلاق.
أقرب نقطة من الشمس
تعطينا قراءات المسبار الذي انطلق في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 إلى مسافة تبلغ حوالي 8.5 ملايين كيلومتر من الشمس، النظرة الأقرب حتى الآن لكيفية توليد الرياح الشمسية السريعة، حيث تشير البيانات إلى أن نوعا معينا من إعادة الاتصال المغناطيسي هو ما يدفع هذه القوة الطبيعة، وفقا لفريق من علماء الفيزياء بقيادة ستيوارت بيل من جامعة كاليفورنيا في بيركلي، وجيمس دريك من جامعة ماريلاند.
وقد أفاد الفريق البحثي، في بيان صحفي نشره موقع “يورك ألرت” (Eurek Alert) يوم 7 يونيو/حزيران الجاري، بأن المسبار اكتشف تيارات من الجسيمات العالية الطاقة تتطابق مع تدفقات الحبيبات الفائقة داخل الفجوات الإكليلية (مناطق مؤقتة من البلازما الباردة نسبيا، وأقل كثافة في الهالة الشمسية)، مما يشير إلى أن هذه هي المناطق التي تنشأ فيها الرياح الشمسية “السريعة”.
ويشرح الفريق أن الفجوات الإكليلية هي المناطق التي تظهر فيها خطوط المجال المغناطيسي من السطح دون الالتفاف مرة أخرى إلى الداخل، وبالتالي تشكل خطوط مجال مفتوحة تمتد للخارج وتملأ معظم المساحة حول الشمس.
الفجوات الإكليلية
وعادة ما تتمركز تلك الفجوات في القطبين خلال فترات هدوء الشمس، لذا فإن الرياح الشمسية السريعة التي تولدها لا تضرب الأرض، لكن عندما تصبح الشمس نشطة كل 11 عاما حيث ينقلب مجالها المغناطيسي، تظهر هذه الفجوات في جميع أنحاء السطح، مما يؤدي إلى توليد نفثات من الرياح الشمسية موجهة مباشرة نحو الأرض، وهي التي تنتج الشفق القطبي الجميل، لكنها يمكن أيضا أن تضرّ بالأقمار الصناعية والشبكة الكهربائية.
يقول دريك “تحمل الرياح الكثير من المعلومات من الشمس إلى الأرض، لذا فإن فهم الآلية وراء رياح الشمس مهم لأسباب عملية على الأرض. سيؤثر ذلك على قدرتنا على فهم كيفية إطلاق الشمس الطاقة ودفع العواصف المغناطيسية الأرضية، التي تشكل تهديدا لشبكات اتصالاتنا”.
نفثات من الجسيمات
عندما اقترب باركر من الشمس في نوفمبر/تشرين الأول 2021، كان أحد هذه الثقوب الإكليلية يتموضع بالصدفة بحيث يمكن للمسبار جمع أقرب ملاحظات تم الحصول عليها حتى الآن عن هذه المناطق. ويقول الفريق إن البيانات الناتجة أظهرت أن الثقب الإكليلي يشبه إلى حد ما رأس “الدش” الذي تنبثق منه نفاثات متباعدة بشكل متساو تقريبا من الأماكن التي “تتزاحم” (مثل المرور خلال قمع) فيها خطوط المجال المغناطيسي داخل سطح الشمس وخارجها.
ويوضح بيل أن “الغلاف الضوئي مغطى بخلايا الحمل الحراري، كما هي الحال في وعاء الماء المغلي، ويسمى التدفق الحراري على نطاق واسع بالحبيبات الفائقة، وعندما تلتقي خلايا الحبيبات الفائقة هذه وتنزل إلى أسفل، تسحب المجال المغناطيسي في مسارها إلى الأسفل خلال هذا النوع من الأقماع، ويصبح المجال المغناطيسي مكثفا للغاية هناك لأنه محشور. إنه مثل تكتل للمجال المغناطيسي يتدفق خلال مصرف، والفصل المكاني بين تلك المصارف الصغيرة (أو تلك الأقماع) هو ما نراه الآن في بيانات المسبار الشمسي”.
ترجيح إحدى فرضيتين
واستنادا إلى وجود بعض الجسيمات العالية الطاقة للغاية التي اكتشفها مسبار باركر، وهي جزيئات تسافر أسرع من 10 إلى 100 مرة من متوسط الرياح الشمسية، استنتج الباحثون أن الرياح لا يمكن أن تحدث إلا من خلال هذه العملية التي تسمى إعادة الاتصال المغناطيسي بين الحقول المغناطيسية المفتوحة والمغلقة في عملية تسمى إعادة الاتصال بالتبادل.
النتائج التي توصل لها الباحثون استنادا على بيانات مسبار باركر التي نشرت في دورية “نيتشر” (Nature)، ترجّح فرضية الاتصال المغناطيسي التبادلي على الفرضية الأخرى القائلة إن أصل الرياح الشمسية هو تسارع الجسيمات بواسطة الموجات الكهرومغناطيسية في الثقوب الإكليلية التي تسمى موجات ألفين، والناتجة عن التفاعل بين التدفقات الحرارية والمجالات المغناطيسية.
يقول بيل “الاستنتاج الكبير هو أن إعادة الاتصال المغناطيسي داخل هياكل التحويل هذه هي التي توفر مصدر الطاقة للرياح الشمسية السريعة. إنه لا يأتي فقط من كل مكان في ثقب إكليلي، إنه مبني تحت الثقوب الإكليلية لخلايا الحبيبات الفائقة هذه. إنه يأتي من هذه الحزم الصغيرة من الطاقة المغناطيسية المرتبطة بتدفقات الحمل الحراري. نعتقد أن نتائجنا هي دليل قوي على أن إعادة الاتصال هي التي تفعل ذلك”.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.