تابع الفيلم الوثائقي -الذي بثته قناة الجزيرة الجمعة (2023/7/7)- معركة بعض أفراد الجالية السورية في المنفى لمقاضاة النظام السوري وتحقيق العدالة بناء على ما كشفته الصور التي سربها “قيصر” لضحايا التعذيب من المدنيين السوريين من الأرشيف السري للنظام السوري.
و”قيصر” هو الاسم الذي منح لمنشق سوري كان يشتغل في الشرطة العسكرية مصورا، ثم كلف منذ اندلاع الثورة السورية في مارس/آذار 2011 بتصوير جثث المدنيين من ضحايا التعذيب والقتل على يد النظام السوري.
وكشف “قيصر” أن المخابرات وبعض وحدات الجيش كانت تنقل جثث ضحايا المعتقلين في شحنات كبيرة، وكان يقدر عددهم مع بداية الثورة ما بين 10 إلى 15 جثة، ومع مرور الوقت صار العدد يزيد وأصبح يتم تصوير أكثر من 40 جثة في اليوم، وأكد أن الجثث كانت لشيوخ وشباب وأطفال.
وعلى مدى عامين ساعد الناشط سامي صديقه “قيصر” في تهريب 27 ألف صورة لمعتقلين سوريين من الأرشيف السري للنظام السوري، وفر الاثنان من سوريا في أواخر صيف 2013.
وبعد أن فشل مجلس الأمن الدولي في تمرير قرار يسمح للمحكمة الجنائية الدولية بمحاكمة النظام السوري بناء على آلاف الصور التي سربها “قيصر” لجأ سوريون في المنفى إلى طريقة أخرى تتمثل في محاولة الحصول على أشخاص يحملون جنسية مزدوجة أو لديهم أقارب أو روابط مع أي بلد في أوروبا.
وتابع الفيلم الوثائقي -الذي حمل عنوان “ملفات قيصر”- الإجراءات التي باشرها سوريون في إسبانيا وفرنسا بالاستعانة بمحامين تولوا التحقيق وجمع الأدلة في قضايا تعذيب وقتل من طرف النظام السوري، ثم رفع دعاوى قضائية أمام قضاء الدولتين.
وفي إسبانيا، بدأت المحامية ألمودينا برنابيو وزملاؤها في مايو/أيار 2016 التحقيق في قضية “عبد” الذي تقول شقيقته أمل -وهي مواطنة إسبانية- إنهم تعرفوا عليه في أرشيف “قيصر”، وكان قد اعتقل في حمص ونقل إلى العاصمة دمشق، حيث قتل في سجن “248” الشهير، وذلك بعد أن اختفى في 2013.
ورغم نجاح المواطنة الإسبانية في رفع شكوى ضد النظام السوري بشأن اختطاف شقيقها وتعذيبه وقتله فإن المحكمة العليا في إسبانيا وبعد 6 أشهر من التحقيق مع مسؤولين سوريين رفيعي المستوى قضت بأن الدولة تفتقر إلى الاختصاص القضائي للتحقيق في مقتل عبد نيابة عن أخته، مما شكل صدمة للعائلة ولفريق المحامين الإسبان.
القضاء الألماني ينصف الضحايا
وفي فرنسا، عرض الفيلم الوثائقي مجريات التحقيق الذي باشره محامون في قضية الأب مازن دباغ ونجله باتريك اللذين اختطفتهما المخابرات السورية في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني 2013، ونقلا إلى سجن المزة في مطار دمشق العسكري، وكانا يحملان الجنسيتين الفرنسية والسورية بالولادة.
وكشف شقيق مازن دباغ أنه نبه السلطات الفرنسية عام 2013 إلى اختفاء أخيه ونجله، ولكن مسؤولا في وزارة الخارجية الفرنسية أخبره قائلا “إن شقيقك ونجله ليسا رهينتين بل سجينان في دولة قانون”، في إشارة إلى سوريا.
وكللت جهود شقيق مازن دباغ بتقديم شكوى ضد النظام السوري في باريس، وفتح تحقيق قضائي من طرف المدعي العام الفرنسي في حالات الاختفاء القسري والتعذيب والجرائم ضد الإنسانية رغم أن السلطات الفرنسية ظلت حينها تلتزم الصمت حيال هذه القضية.
وفي 18 نوفمبر/تشرين الثاني أصدرت العدالة الفرنسية مذكرات توقيف دولية بحق 3 من كبار مسؤولي النظام السوري بتهمة التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية مرتبطة باختفاء وتعذيب ومقتل مواطنين فرنسيين سوريين.
وفي أبريل/نيسان 2023 وجهت محكمة باريس الجنائية الاتهام إلى 3 من كبار مسؤولي النظام السوري للتواطؤ في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قضية مازن ونجله، مع العلم أن العائلة وصلتها أخبار من أحد عناصر الأمن في سوريا في 2018 تفيد بوفاة مازن ونجله تحت التعذيب.
من جهة أخرى، أظهر الفيلم الوثائقي أنه بعد تردد العديد من المحاكم الأوروبية في الانخراط في إجراءات قضائية ضد النظام السوري تم في مارس/آذار 2017 قبول أول شكوى باسم 7 ناجين سوريين تدعمها منظمة غير حكومية وهي المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان من قبل المدعين الفدراليين الألمان، ولمساعدة السلطات القضائية الألمانية سلمها سامي (صديق قيصر) نسخة كاملة من ملف “قيصر” الأصلي.
وفي حكم تاريخي أصدر القضاء الألماني في 13 يناير/كانون الثاني 2022 حكما على أنور رسلان العقيد السابق في الفرع 251 بالسجن مدى الحياة لارتكابه جرائم ضد الإنسانية.
يذكر أن النظام السوري أصدر في صيف عام 2018 شهادات وفاة لآلاف المعتقلين المختفين في معتقلاته، مما شكل دليلا على الجرائم التي ارتكبها بحق هؤلاء، حسب ما ذكرت محامية في قضية مازن دباغ ونجله.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.