ظهرت الفنانة “إيما” التي اجتذبت جمهورا واسعا على منصات التواصل الاجتماعي، بشعر وردي اللون يلفت الأنظار، لتقول إنها لم يغمض لها جفن طوال الليل، لانشغالها بعمل مكثف في المكتب، وبذلك حصلت هذه الفنانة -التي تعد من الشخصيات المؤثرة الشهيرة- على تعاطف المشاهدين.
ما لم تكشفه صورة الفنانة إيما أنها ليست في الحقيقة امرأة يابانية كما يبدو مظهرها، بل إنها ليست في الواقع إنسانا على الإطلاق.
عليك أن تشاهد مقاطع الفيديو الخاصة بها، وسيتضح لك بعد قليل أن هذه الشخصية تم اختلاقها من خلال برنامج حاسوب.
وتقول شركة “أو إنك” (O.ink)، التي طورت إيما، إن هذه الشخصية هي أول عارضة أزياء افتراضية في اليابان.
غير أنها ليست العارضة الوحيدة الافتراضية الموجودة على الإنترنت، فقد ظهر عديد مثلها على مختلف منصات التواصل الاجتماعي، خاصة في آسيا.
ومثل العارضات الحقيقيات تماما، يمكن العثور عليهن على أغلفة مجلات الأزياء، وفي الإعلانات الخاصة بالمنتجات، بينما يمكن مشاهدة بعضهن في الحفلات الغنائية، وبذلك يجذبن آلاف المشاهدين.
ولتحسين الوهم البصري المحيط بإيما، تشارك المؤثرة متابعيها بشكل منتظم بصور على منصات التواصل، تظهر تفاعلها مع أشخاص حقيقيين ومواقف حقيقة.
وبالإضافة إلى الانتقال بالطائرة بين عواصم الأزياء والمشاركة مع مجموعة أخرى من نجوم المجتمع، تشارك إيما أيضا مشاعرها مع متابعيها البالغ عددهم 400 ألف.
وكتبت ذات مرة تحت صورة لها، وهي ترتدي قلنسوة واسعة، وتحمل مظلة سوداء ويبدو على ملامحها الحزن، “منذ أن ولدت وأنا أكره أن أكون وحيدة، فماذا تفعلون عندما تشعرون بالوحدة ؟”.
وفي تدوينة أخرى، تتحدث عن جدال دار بينها وبين أخيها.
وهذه التعبيرات العاطفية تبين أن صانعي إيما يوسعون حدود ما نتوقعه من العالم الافتراضي، ويخلقون ارتباطا شخصيا بإيما، عن طريق التصوير العمدي لشخصيتهم المبتكرة، على أنها تتعرض لحالات من الضعف الإنساني، مثلها في ذلك مثل البشر.
وعند سؤال مبتكري شخصية إيما عن خلق عالم عاطفي لها بشكل مصطنع، قالوا لوكالة الأنباء الألمانية إنه حتى الشخصيات المؤثرة الحقيقية، تتعرض من آن إلى آخر لاتهامات باختلاق مواقف حياتية مثيرة للتعاطف.
وأضافوا أنه في النهاية يعيش الناس أوقاتا كثيرة في الفضاءات الرقمية، لدرجة أن الحدود مع الواقع تتعرض للطمس بشكل مستمر.
وتابعت الشركة “كل شيء نراه على الإنترنت وفي وسائل الإعلام هو نوع من السرد، وكل فرد له الخيار في أن يصدقه أو يكذبه”.
غير أن هذا النموذج من الإعجاب العاطفي، النابع من التفاعل مع كائنات اصطناعية مختلفة عن البشر، يثير مشكلات جمة، وفقا لما يقوله المحلل لوسائل الإعلام أوليفر زولنر بمعهد شتوتغارت للأخلاقيات الرقمية، الذي يود أن يرى مزيدا من الشفافية بشأن البرامج التي يتم استخدامها.
وقال لوكالة الأنباء الألمانية إنه ليس بإمكان كل شخص أن يدرك، على الفور، أن الشخصيات المؤثرة الافتراضية ليست أناسا حقيقيين.
وأضاف “ليس كل فرد على دراية بالنماذج التي تطبقها الشركات، لاستخلاص البيانات من المتابعين، وأيضا بأوجه استغلالها”.
وعادة ما تقوم فرق من الأشخاص، تعمل من وراء الستار، بالتحكم في الشخصيات المؤثرة الافتراضية.
وعلى سبيل المثال، تم بث الحياة في إيما داخل ستوديو، مع ممثلين من بين أشياء أخرى، من خلال التقاط الحركة.
ولا تعبر الشخصيات المؤثرة الافتراضية عن المشاعر فقط، بل يمكنها أيضا اتخاذ موقف إزاء القضايا التي تشغل بال الناس، فمثلا نجد أن “ليل ميكويلا” وهي إحدى الشخصيات المؤثرة الافتراضية التي لها جمهور واسع من المتابعين، لم تحقق فقط نجاحا كعازفة موسيقى، وكواجهة إعلانية لشركات أزياء كبرى، ولكن أيضا كناشطة بارزة، وصفحتها على إنستغرام تتضمن الوسم الشهير “حياة السود تستحق الحماية”.
وفي أحد مقاطع الفيديو، تبث الفتاة الافتراضية ليل -التي تقدم نفسها على أنها تبلغ من العمر 19 عاما (وليس من المفترض أن يتغير هذا العمر مطلقا)- صورة لها ولمتابعيها، البالغ عددهم 2.8 مليون متابع، وهي تذرف الدموع الملطخة بالكحل ثم تنهمر على وجهها، مصحوبة بعبارة “فلنجعل البكاء القبيح أمام الناس أمرا طبيعيا”.
وليس من الواضح إذا ما كان المعجبون بها يرون أن هذا المشهد صادق أم لا؟
ونشرت مجلة “تايم” (Time) نتيجة تصويت أشار إلى أن ليل -ذات الشعر المنسدل والأسنان التي بينها فجوات- تعد واحدة من بين 25 من أكثر الشخصيات المؤثرة على منصات التواصل، إلى جانب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ونجمة غناء البوب ريهانا.
وما هو مؤكد أيضا أن أرباب عمل إيما وليل ميكويلا ونظيراتهما يرون فيهن ميزة لا توجد في منافساتهن المخلوقات من لحم ودم، تتمثل أساسا في أنه لا يمكنهن فعل أي شيء غير متوقع مثل البشر، كما أنهن أرخص تكلفة.
وبالنسبة للوجه الآخر المعاكس، يوضح زولنر أن المتابع “كإنسان يمكنه أن يكتشف بشكل سريع أن هذه الشخصيات مصطنعة، مما يجعله يشعر بالضجر خلال وقت قصير”.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.