تتجه أنظار المتابعين لأحداث النيجر صوب أبوجا عاصمة نيجيريا الخميس القادم العاشر من أغسطس/آب 2023، لمعرفة ما سيسفر عنه اجتماع قادة المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا (إيكواس) بشأن إمكانية التدخل العسكري الذي هددت به في اجتماعها الطارئ بأبوجا أيضا في 30 يوليو/تموز الماضي، الذي تضمن منح الانقلابيين مهلة أسبوع، انتهت الأحد الماضي، لعودة الرئيس المنتخب محمد بازوم، مع حزمة من العقوبات الاقتصادية والتجارية، وحظر الطيران من وإلى النيجر، مع فرض حظر سفر على قادة الانقلاب وأسرهم.
السؤال الذي يطرح نفسه: هل ستتدخل إيكواس بقوات عسكرية تنفيذا لتهديداتها، أم أن هناك احتمالات أخرى؟ وما هذه الاحتمالات؟
الحقيقة أنه قبل هذا وذاك يثور سؤال آخر بديهي: هل سبق لإيكواس أن تدخلت عسكريا في حالات مماثلة؟ وما الأسس التي تستند إليها في عملية التدخل؟ وما أبرز التحديات التي اعترت هذا التدخل، وربما تتكرر في حالة النيجر؟
بداية، يمكن القول إن إيكواس رغم أنها جماعة اقتصادية تنشد التكامل بين دول غرب أفريقيا، فإنها باتت لها اهتمامات أمنية وعسكرية، على اعتبار أن تحقيق التكامل الاقتصادي يتطلب حالة من الاستقرار السياسي والأمني؛ ومن ثم كانت من أوائل المنظمات الأفريقية الفرعية التي استحدثت هياكل مواثيق أمنية متمثلة في بروتوكول عدم الاعتداء 1978، ثم ميثاق دفاع الإيكواس 1981 الذي تحدث عن ظاهرة الأمن الجماعي.
سمح الميثاق الأخير بالتدخل في حالات محددة؛ منها وجود صراع داخلي تتم إدارته ودعمه من الخارج بما يهدد السلم والأمن، وصولا لبروتوكول آلية منع وإدارة وتسوية الصراعات في الجماعة 1999، التي كان من أهم بنودها توسيع قاعدة التدخل؛ حيث نصت المادة 25/3 من بروتوكولها على أنه يجوز التدخل في الصراع الداخلي في حالة التهديد بحدوث كارثة إنسانية، أو وجود أعمال عنف تنتهك حقوق الإنسان وحكم القانون بصورة كبيرة، أو في حالة الإطاحة بحكومة منتخبة.
لمزيد من التأكيد على فكرة الديمقراطية ومنع التدخل العسكري في الحكم؛ قامت الجماعة في ديسمبر/كانون الأول 2001 بإضافة بروتوكول جديد لبروتوكول الآلية عرف باسم بروتوكول الديمقراطية والحكم الجيد، الذي يتناول أسباب الصراعات وجذورها، ومنها الفساد وعدم الاستقرار، كما يتعامل مع عدة قضايا أبرزها حرية ونزاهة الانتخابات، وإشراف المجتمع المدني على المؤسسة العسكرية، ورفض التغيرات غير الدستورية في نظم الحكم.
تدخلات عسكرية سابقة لإيكواس
وبالتالي تدخلت الجماعة عسكريا استنادا إلى هذه البروتوكولات في العديد من الحالات في تسعينيات القرن الماضي؛ في ليبيريا حيث الحرب الأهلية ومواجهة الرئيس تشارلز تايلور، وفي سيراليون لإعادة الرئيس تيجان كاباه الذي أطيح به في انقلاب 1996.
لكن هذين التدخلين تحديدا ارتبطا أساسا بنيجيريا التي كان يسعى رئيسها آنذاك إبراهيم بابانجيدا إلى لعب بلاده دور الدولة القائد في الإقليم؛ فقام بإرسال العدد الأكبر من القوات المتدخلة، وتحمّل 90% من عملية التمويل.
لكن مع رحيل بابانجيدا، ووصول قيادة أخرى مثل عبد السلام أبو بكر، ومن بعده أوليسجون أوباسانجو، والتركيز على مشاكل البلاد الداخلية؛ تراجع تدخل إيكواس في الصراعات، وهو ما برز في الصراع بغينيا بيساو في الفترة ذاتها، حيث لم ترسل نيجيريا قوات، واكتفت إيكواس بإرسال قوات محدودة لم تكن لها أية فاعلية، وانسحبت بعد فترة وجيزة، كما أن عملية التمويل وقعت على عاتق فرنسا.
يلاحظ حديثا أن الجماعة لم تتدخل عسكريا في انقلابي مالي وبوركينا فاسو الأخيرين قبل عامين تقريبا، واكتفت بتعليق عضويتهما، وفرض عقوبات اقتصادية وتجارية، وإعطاء مهلة لقادة الانقلاب للقيام بعملية التحول الديمقراطي، لكن لم يتم الالتزام بها حتى الآن، ولم تتخذ الجماعة إجراءات تصعيدية متمثلة في التدخل العسكري بشأنهما.
ومعنى هذا أنه إذا كان يحق للجماعة التدخل العسكري، فإن هذا التدخل مرتبط بعدة إشكاليات؛ سواء أكانت إشكاليات سياسية -توافق الإرادة السياسية للتدخل لدى الدول الأعضاء بالمنظمة- أو مالية مثل توفير التمويل اللازم للتدخل، أو حتى إشكاليات تتعلق بقبول الرأي العام في الدولة المتدخلة. فهل هذه الاعتبارات متوافرة في حالة النيجر؟
ضعف احتمال التدخل العسكري في النيجر
يمكن القول إن احتمال التدخل العسكري لإيكواس في النيجر يظل احتمالا ضعيفا، وإن كان يظل واردا، لاعتبارات متعددة.
إقصاء الانقلابيين في النيجر يتطلب مواجهة عسكرية مباشرة، وعدد قوات لا تقل عن 10 آلاف لمواجهة جيش نظامي، وهذه أمور صعب توفيرها في وقت يسير، خاصة أن قادة الانقلاب أعدوا العدة لذلك
أولا- الاعتبارات السياسية
بالنظر إلى الاعتبارات المتعلقة بمدى تأييد دول الجماعة لهذا التدخل؛ يمكن القول بوجود حالة من الانقسام داخل الجماعة؛ بين دول مؤيدة للتدخل وفي مقدمتها نيجيريا والسنغال، ودول رافضة للتدخل وهي تحديدا مالي وبوركينا فاسو وغينيا. وبالطبع سبب الرفض يرجع إلى أن النظم الحاكمة بها وصلت للسلطة عبر الانقلاب. وهناك الفريق الثالث الذي لم يحدد موقفه بالضبط من التدخل، وإن كان يميل إلى التسوية السياسية.
كما ترتبط بذلك أيضا مجموعة من التحديات التي تتعلق بنيجيريا؛ الدولة الأكبر في الإقليم، وصاحبة التدخلات السابقة، فضلا عن كونها صاحبة أكبر حدود مع النيجر؛ فالرئيس النيجيري المنتخب حديثا بولا أحمد تينوبو يواجه عدة إشكاليات؛ منها وجود مشاكل اقتصادية وأمنية هائلة أبرزها محاربة بوكو حرام المنتشرة في كثير من الولايات، وبالتالي فإن سحب جانب من قوات بلاده إلى النيجر قد يؤثر على كفاءة عملية المواجهة الداخلية، كما أن حدوث حالة من السيولة الأمنية في النيجر جراء عدم الاستقرار، قد يسهم في تدفق عناصر من تنظيم الدولة وغيره من ليبيا عبر النيجر إلى نيجيريا وغيرها من دول الجوار، فضلا عن الفاتورة الاقتصادية التي يصعب دفعها بمفرده.
وأخيرا، رفض مجلس الشيوخ في البلاد طلب الرئيس بشأن التدخل. صحيح أنه يجوز للرئيس اتخاذ قرار مخالف للمجلس بموجب الدستور في حال الحديث عن تهديد للسلم والأمن في البلاد؛ لكنه قد لا يقدم منفردا على هذه الخطوة بهذه السرعة، لا سيما أن قوى المعارضة الرئيسية ترفض التدخل أيضا، وتميل للحلول السياسية.
ثانيا- الاعتبارات المالية
وهي المتعلقة بتمويل التدخل العسكري، وقد ظهر ذلك بوضوح أثناء عمليات تدخل قوات الجماعة المعروفة “بالإيكوموج” في حالات ليبيريا وسيراليون وغينيا بيساو في تسعينيات القرن الماضي؛ ففي أزمة ليبيريا كان الاتفاق المبدئي هو أن تقوم كل دولة مشاِركة بتمويل قواتها المشاركة خلال الشهر الأول، على أن تقع المسؤولية بعد ذلك على الجماعة.
ولم تقم بعض دول الجماعة بدفع حصتها في ذلك على اعتبار أنها لا تؤيد عملية إرسال قوات إلى ليبيريا، والأمر نفسه حدث في سيراليون، حيث تحملت نيجيريا -كذلك- معظم نفقات بعثة الإيكوموج، رغم أن بروتوكول آلية منع الصراع الذي تبنته الجماعة 1999 نص على طرق التمويل، ومنها إسهامات الدول الأعضاء، وإمكانية الحصول على مساعدات أجنبية، إلا أنه لم يحدد نسب إسهام معينة، كما أن اللجوء للمساعدات الخارجية يفسح المجال للدول المانحة لفرض أجندتها على القوات المتدخلة.
إن ضعف عملية التمويل الذاتي قد يفتح الباب أمام التمويل الخارجي، وما يحمله ذلك من محاذير تضر بالجماعة أكثر مما تفيد، كما أنها لا تتسق مع أهدافها، مع دفع سكرتيرها التنفيذي السابق لانساي كوياتي للتحذير من خطورة عملية التمويل الخارجي بقوله “إذا اعتمدنا بنسبة 100% على المانحين، فإن كل الأفكار الجيدة التي تسعى الجماعة لتحقيقها لن تتحقق”.
ثالثا- طبيعة مهام القوات المتدخلة
هل ستكون القواتُ قوات حفظ سلام أم فرض سلام؟ وهناك فرق كبير بينهما؛ ففرض السلام يستلزم مهمات قتالية، وأسلحة ومعدات ثقيلة، فضلا عن التكلفة الباهظة، ناهيك عن الخسائر البشرية والمادية المتوقعة.
وبالتالي فإن إقصاء الانقلابيين في النيجر يتطلب مواجهة عسكرية مباشرة، وعدد قوات لا تقل عن 10 آلاف لمواجهة جيش نظامي، وهذه أمور صعب توفيرها في وقت يسير، خاصة أن قادة الانقلاب أعدوا العدة لذلك، وقاموا بغلق الحدود، وإعادة انتشار القوات، فضلا عن أن قائد الانقلاب كان في وقت من الأوقات قائد قوات الجماعة المتدخلة في ساحل العاج.
وبالتالي فهو يعرف جيدا طبيعة القوات المتدخلة، ونقاط القوة والضعف وغير ذلك. ناهيك عن إعلان كل من مالي وبوركينا فاسو وقوفهما إلى جانب الانقلابيين؛ مما يعني أن القوات المتدخلة لن تواجه جيشا نظاميا فقط، وإنما ستواجه جيوش دول أخرى متحالفة معه؛ مما يعني إطالة أمد الحرب من ناحية، وزيادة فاتورة الخسائر المادية والبشرية من ناحية ثانية.
رابعا- إمكانية انهيار وضعف فاعلية الجماعة
نقصد هنا الجماعة التي تشهد منذ أول تدخل في ليبيريا حالة من الانقسام بين دول الأنجلوفون بقيادة نيجيريا، ودول الفرانكفون بقيادة ساحل العاج في حينها، وأزمة عدم الثقة بين التكتلين، وتأثير ذلك على فاعليتها في عملية التدخل. وفي أزمة النيجر الأخيرة، نجد هذا الانقسام ليس فقط بين دول مؤيدة ودول معارضة، بل يلاحظ أن الأخيرة تهدد بالانسحاب من الجماعة؛ مما قد يؤثر على قوتها وفاعليتها.
بدائل أخرى غير عسكرية
وإذا كان احتمال تدخل إيكواس يظل ضعيفا للاعتبارات السابقة، فإنه قد يكون هناك احتمالان آخران أمام قادة إيكواس في اجتماع الخميس:
- الأول: تمديد المهلة الممنوحة للانقلابيين، وإعطاء فرصة للحلول الدبلوماسية، خاصة في ظل وجود ميل لذلك من قبل الولايات المتحدة وتدلل عليه تصريحات فيكتوريا نولاند مساعدة وزير الخارجية الأميركي، ورئيس وزراء النيجر المعزول، وغيرهما. وقد يكون هذا الأمر مقبولا، خاصة في ظل عدم جاهزية القوات للتدخل.
لكن ذلك قد يفقد إيكواس مصداقيتها، لا سيما في ظل موجة التصعيد التي انتهجتها منذ بداية الأزمة، وربما نلمس ميلا للجماعة لهذا الخيار عبر تصريحات مفوض الشؤون السياسية والسلام والأمن بها عبد الفتاح موسى، فرغم تأكيده وجود خطة للتدخل العسكري، فإنه شدد على أن دول المجموعة تأمل التوصل لحل سياسي، وتمنح قادة الانقلاب كل الفرص الممكنة لإعادة السلطة للرئيس المنتخب محمد بازوم.
- الثاني: الاتفاق على فترة انتقالية لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية لا تسمح لحزب الرئيس المعزول بازوم بالمشاركة فيها، كما تنتهي برحيل الانقلابيين، مدة تتراوح عادة بين عام وعامين، كما حدث في مالي وبوركينا فاسو، لكن تبقى إشكالية وفاء الانقلابيين بعهودهم، فقد حدث نكوص عن ذلك في حالة مالي تحديدا، وطالب العسكر بفترة انتقالية مدتها 5 سنوات وليس 18 شهرا كما كان متفقا عليه. ولم تقم الجماعة بأية إجراءات تدخلية أخرى.
وفي الأخير يبقى أن قرار الجماعة بشأن التدخل في النيجر تعتريه عقبات عدة داخلية وإقليمية، وحتى دولية، مما يعني أن قرار مدّ المهلة قد يكون الأمثل لحين إشعار آخر.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.