أثار قرار النيابة العامة التونسية، بإيقاف طالبيْن على خلفية نشرهما أغنية ساخرة انتقدا فيها سلوك الشرطة وقانون استهلاك المخدرات، جدلا كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي.
واعتبر متفاعلون أن هذا القرار يجعل من كل شخص ينتقد الشرطة عرضة للمساءلة والمحاكمة، ويعود بالبلاد إلى مربع تضييق على الحريات. وأطلقوا حملة لإطلاق الطالبين تحت عنوان “سيّب الشباب” أي “أطلق سراح الشباب”.
قضية وتفاصيل
وتشير تفاصيل القضية -بحسب المحامية إيمان السويسي- إلى أن الطالبين ضياء نصير (26 عاما) ويوسف شلبي (27 عاما) تمّ إيقافهما أثناء مغادرتهما مقهى في مدينة نابل (شمال شرق).
وتم إيداع الشابين السجن من قبل محكمة نابل الابتدائية بانتظار مثولهما المقرّر الثلاثاء المقبل أمام قاضي التحقيق، بحسب المحامية.
ووجهت النيابة العامة لهما تهمة “الإساءة إلى الغير عبر الشبكة الاتصالية، ونسبة أمور غير صحيحة لموظف عمومي” في مقطع الفيديو للأغنية التي نشرت على موقع “تيك توك”.
ويظهر الشابان بالفيديو يرددان كلمات على ألحان أغنية خاصة بالمسلسل الكرتوني الشهير “باربار فيل” وينتقدان الشرطة وتطبيق “قوانين صارمة” تمنع استهلاك المخدرات في البلاد.
وبينت المحامية أن “أعوان الأمن” الذين أجروا البحث على هذين الطالبين اعتبروا أن كلمات الأغنية فيها إساءة للشرطة، بينما هي “مجرد أغنية ساخرة”.
وتندد الأغنية بالاعتقالات الكثيرة التي تعرض لها الشباب استنادا إلى هذا القانون، والذي اعتبرته منظمات المجتمع المدني والكثير من المنظمات غير الحكومية مناهضا للحريات.
عقوبات وتنديد
ويواجه الشابان الموقوفان أحكاما بالسجن تصل 4 سنوات، كما يمكن أن يحرما من إنجاز اختباراتهما الجامعية، حسب المحامية السويسي في تصريحات للإعلام المحلي.
ويتعرض الفصل 52، الذي ينص على عقوبة تصل إلى 10 سنوات سجنا بتهمة تعاطي المخدرات أو حيازتها، لنقاشات ومظاهرات تطالب بمراجعته وتخفيف الأحكام السجنية إثر ثورة 2011.
وبحسب الإحصاءات الرسمية، فإن ما يقرب من 30% من المعتقلين في تونس مسجونون وفقا لهذا القانون.
ومن جهته قال شوقي الحلفاوي رئيس فرع الرابطة التونسية لحقوق الإنسان بمدينة نابل -في تصريح لوكالة الأنباء الرسمية- إنّ النيابة العمومية بنابل قررت الأربعاء إصدار بطاقة إيداع بالسجن ضد طالبين على خلفية ما عرف بفيديو الراب (نمط موسيقي) على موقع فيسبوك.
وتابع الحلفاوي وهو أيضا رئيس لجنة الدفاع عن الطالبين “هيئة الدفاع فوجئت بهذا القرار خاصة أن الأمر يتعلق بمجرد أغنية هزلية لمجموعة من الشباب على مواقع التواصل الاجتماعي”.
ووفق المصدر ذاته، فإن التهمة الموجهة للشابين تتمثل في الإساءة للغير عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ونسبة أمور غير صحيحة لموظف عمومي.
من جهتها أطلقت نقابة “الاتحاد العام لطلبة تونس” حملة على مواقع التواصل من خلال نشر صورة للشابين مرفقة بجملة “أطلق سراح يوسف وضياء”.
جدل ومطالبات
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، طالب الكثير من الناشطين بالإفراج عن الطالبين.
واعتبر الناشط أيوب عمارة تعليقا على قرار النيابة العمومية أن “البلاد أصبحت سجنا كبيرا، وجميع من فيها في حالة سراح مؤقت” وأضاف: الكل في حالة إيقاف، موت، غرق، يأس، مع تأجيل التنفيذ، دولة البوليس هي التي تحكم.
وواصل أيوب عبر صفحته التنديد باعتقال الشابين، مشيرا إلى أنه تم رفض مطلب الإفراج عن يوسف وضياء رغم تقديم هيئة الدفاع ما تثبت أنهم في فترة امتحانات.
أما المحامي فتحي المعلاوي فقد قال إنه استمع إلى الأغنية، مشيرا إلى أنها لا تشكل أية جريمة وأن الجريمة تكمن في سجن شخص بريء بلا جريمة إرضاء “للجهات المخولة”.
واعتبر أن الاحتفاظ بهما أو إيقافهما هو قرار بوليسي وليس قضائيا، لأنه لا علاقة له علاقة بالقانون ولا بالاجتهاد القانوني، ويفتقد للحس الإنساني الأدنى (..)
وتفاعلا مع القضية، قامت حسابات تونسية على فيسبوك بتغيير صورتها الشخصية لصورة أخرى تضامنية، تظهر الشبان الثلاثة الذين أدوا الأغنية مع صورة الشخصية الكرتونية “باربار فيل”.
فيما نشر آخرون صورة “باربار فيل” خلف أسوار السجن، وأضافوا تعليقات منددة بما اعتبروه تضييقا على الحريات، وسط مطالبات بإلقاء القبض على الفاسدين والمتهربين من دفع الضرائب لا الصحفيين والشباب المحبط.
وفي هذا السياق، نشر المتحدث باسم الاتحاد العام للشغل (أكبر نقابة عمالية بالبلاد) تدوينة على فيسبوك قال فيها: صحفي يحاكم بـ 5 سنوات سجن من أجل نقل خبر، ضابط يحاكم بـ 10 سنوات لأنه ثمّن عمل فريقه عبر صحفي، طالبان يختطفان ليحاكما من أجل أغنية، مثقفون وفنانون يحاكمون ويحالون إلى مجالس التأديب من أجل رأي أو تشهير بالفساد، صحفيون يستنطقون من أجل مقال، مواطنون يحاكمون من أجل الدفاع عن الحق في الماء..! وغيره وغيره كثير..!
يشار إلى أن عددا من الشبان والشابات نشروا أغنية أخرى باللحن ذاته، تفاعلا مع إيقاف الشابين، وقد لقيت عدة تفاعلات وقام كثيرون بمشاركتها تضامنا مع الشابين الموقفين.
المصدر : الجزيرة + وكالات + مواقع التواصل الاجتماعي
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.