شمال سوريا- رغم أن زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي غير المسبوقة إلى سوريا تتخذ طابعا اقتصاديا بالدرجة الأولى، فإنها جاءت وسط متغيرات سياسية كبرى من ناحية الملف السوري والتقارب المستجد بين دول عربية وأخرى إقليمية وبين نظام الأسد.
وتبدو أهمية زيارة رئيسي -التي تبدأ اليوم الأربعاء وتستمر يومين- في كونها الأولى من نوعها لزعيم إيراني منذ بدء الاحتجاجات في ربيع عام 2011 ضد النظام السوري، فضلا عن أن إيران الحليف الإستراتيجي للأسد قدمت له الدعم العسكري في مواجهته المسلحة مع المعارضة، ولم تزل.
ويسعى الطرفان لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية من الزيارة، إذ تواجه سوريا تبعات حادة للحرب الطويلة تسببت بتدهور قيمة الليرة إلى مستويات تاريخية، وأفقدت الأجور قيمتها الشرائية وحولت الملايين من السوريين إلى محتاجين للمساعدات والدعم.
ويأمل السوريون في مناطق سيطرة النظام أن تنجم عن الزيارة تحولات نوعية لحلحلة العقدة السورية، من شأنها أن تنعكس على الوضع السياسي والمعيشي في البلاد بعد طول أمد الصراع.
بالمقابل، ينظر معارضو النظام السوري إلى الزيارة باعتبارها تعزيزا للهيمنة الاقتصادية والسياسية الإيرانية على سوريا، وتأكيدا لموقف طهران الداعم لنظام الأسد في المنطقة.
“دبلوماسية الطرق”
وقبيل زيارة رئيسي بأيام قليلة، أجرى وزير الاقتصاد السوري في حكومة النظام محمد سامر الخليل مباحثات فنية في العاصمة دمشق مع وزير الطرق الإيراني مهرداد بازارباش، في إطار اللجنة الاقتصادية السورية-الإيرانية، أفضت إلى توقيع عدد من الاتفاقيات بين الطرفين.
وأوضح الوزير السوري الخليل، لصحيفة “الوطن” الموالية، أن الاتفاقيات تقسّم إلى مجموعات من الوثائق، أولها متفق عليها وجاهزة للتوقيع، وخاصة في مجال المناطق الحرة والمشروعات الصغيرة والمتوسطة والمعارض.
أما المجموعة الثانية فتشمل مجالات السياحة والكهرباء والسكك الحديد، وهي اتفاقيات بحاجة إلى التفاوض وإلى تأكيد من الجانب الإيراني.
بينما تتعلق المجموعة الثالثة باتفاقيات ما زالت قيد الدراسة، بخاصة في مجالات الإعلام والمتاحف والآثار والبحث العلمي، حسب الوزير الخليل.
بدوره، تحدث حينئذ الوزير الإيراني بازارباش عن تشكيل 8 لجان تخصصية معنية بالمصارف والتأمين والنقل والنفط والزراعة والسياحة الدينية، إضافة إلى متابعة الديون والمستحقات بعد اتفاقات سابقة تخص إعطاء أراضٍ لإيران كبديل لهذه الديون.
ويبدو أن الوزير الإيراني مهّد الطريق لقيام الرئيس إبراهيم رئيسي بالتوقيع على الاتفاقيات الاقتصادية المهمة بين سوريا وإيران، وفق الباحث في الشأن الإيراني محمود البازي، ومن أبرزها إكمال سكك الحديد التي تربط كلا من إيران والعراق وسوريا.
وتحدث البازي -للجزيرة نت- عن أهمية ربط خطوط السكك الحديد لا سيما مع محاولة إيران إعادة إحياء “دبلوماسية الطرق في الأيام الأخيرة، وهو دور تاريخي تضطلع به طهران تاريخيا”، مشيرا إلى أن طهران تحاول جاهدة ربط الممر التجاري من شمالها إلى جنوبها لتعزيز التجارة مع روسيا.
وستحاول طهران خلال زيارة رئيسي الحصول على امتياز ميناء اللاذقية للأهمية الحيوية الخاصة التي يحظى بها، ولضرورة ربط إيران بأوروبا عبر المتوسط، كما يقول البازي مرجحا أنها ستقنع الحكومة السورية بتمديد الطريق على المدى الطويل ليصل إلى الأردن ولبنان.
توقيت ورهان سياسي
ولا يمكن تجاهل أن زيارة رئيسي تتزامن مع مساعي عدد من الدول العربية للتقارب مع النظام السوري ومحاولة دفع الحل السياسي في سوريا من خلال مبادرات عربية جديدة، كان آخرها اجتماع عمّان في الأردن الذي شارك به وزراء خارجية مصر والأردن والعراق والسعودية والنظام السوري.
ويربط الباحث في مركز “جسور للدراسات” رشيد حوراني الزيارة بتطبيع إيران مع الدول العربية، لأن طهران تعمل على توسيع نفوذها في المنطقة لتحويل الملفات الداخلة فيها إلى أوراق تفاوض، “وهذا ما يجعل سوريا ورقة تفاوض مقابل التهدئة في اليمن”.
وقال حوراني -في حديث للجزيرة نت- إن الزيارة رسالة موجهة للدول العربية التي اجتمعت في عمان بشكل خاص، على أن تحجيم علاقة النظام بإيران غير وارد “وهذه العلاقة قوية، وتتطلع الدولتان المرتبطتان بها إلى انضمام تلك الدول لمحور إيران والنظام وسياستهما في الإقليم”.
بالمقابل، يعتقد الباحث في الشأن الإيراني محمود البازي أنه لا رابط بين زيارة رئيسي إلى سوريا وحالة التطبيع العربي مع دمشق، “لأن الحديث عن الزيارة تكرر 3 مرات في أواخر عام 2021 وأواخر 2022 وفي يناير/كانون الثاني 2023”.
ويؤكد البازي أن الزيارة تأتي لمحاولة تغطية تكاليف الحرب التي أنفقتها إيران في سوريا والتي لا توجد إحصائية رسمية لحجمها، “إلا أن النائب السابق في مجلس الشورى الإسلامي الإيراني فلاحت بيشه أشار إلى تجاوزها مبلغ 30 مليار دولار”.
مكاسب سياسية
وسياسيا، يرى مصدر إقليمي مقرب من النظام السوري في حديث سابق لوكالة “رويترز” أن استئناف العلاقات بين السعودية وإيران، وحدوث انفراجة في ما يتعلق بفك العزلة العربية المفروضة على سوريا مهدا الطريق لزيارة رئيسي.
ويتطلع موالو النظام السوري أن تفتح الزيارة بابا جديدا في مسألة التطبيع والانفتاح العربي كمكسب سياسي ينهي عزلة دمشق المستمرة منذ أكثر من 12 عاما، والعودة أخيرا إلى مقعد جامعة الدول العربية.
لكن الباحث رشيد حوراني أكد أن المكاسب السياسية لسوريا مرهونة بتحقيق تقدم في التطبيع العربي مع النظام، مستبعدًا أن تحصل دمشق أو طهران على أي مكسب سياسي من الزيارة، إن لم تتحقق المطالب العربية.
ولفت حوراني إلى الدول العربية وعلى رأسها السعودية التي صرح أحد مسؤوليها لصحيفة “فايننشال تايمز” (Financial Times) بأن فتح النقاش مع سوريا لا يعني أن الأمور تمت تسويتها، وأن إعادة سوريا إلى جامعة العربية لم تكن شرطًا في المباحثات السعودية الأخيرة مع إيران.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.