أميركا وإسرائيل.. نهاية حل الدولتين عمليا | آراء


قبل أسبوع، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام لجنة الخارجية والأمن بالكنيست الإسرائيلي أنه “يجب العمل على اجتثاث فكرة إقامة الدولة الفلسطينية، وقطع الطريق على تطلعات الفلسطينيين لإقامة دولة مستقلة لهم”. وهو التصريح الذي على ما يبدو لم يلق أية إدانة، سواء عربيا أو دوليا، خاصة من جانب الولايات المتحدة، وذلك رغم شدته وتعارضه مع المواقف المعلنة للدول العربية والغربية في ما يخص الحفاظ على مسألة “حل الدولتين”.

إسرائيل تسعى بكل جهد لإنهاء مسألة حل الدولتين، وذلك عبر توسيع رقعة الاستيطان في الضفة الغربية، خاصة مدينة القدس الشرقية، واستمرار مسلسل التهويد الذي تقوم به إسرائيل على قدم وساق

وبعد تصريح نتنياهو بـ3 أيام فقط، عيّن وزير الخارجية الأميركي السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل دانيل شابيرو مسؤولا خاصا عن ملف “اتفاقات إبراهام”، وذلك بهدف توسيع التطبيع وتعميقه بين إسرائيل والدول العربية.

قد يبدو لوهلة أنه ليست هناك علاقة بين الأمرين، وفي الواقع علاقة وثيقة بينهما؛ فالولايات المتحدة على الرغم من تمسكها الشكلي بمسألة حل الدولتين، فإن هذه المسألة لم تعد أولوية أميركية، وإنما فقط مجرد خطاب إنشائي يتم ترديده في الأوساط الرسمية الأميركية.

بل إن الرئيس الأميركي جو بايدن نفسه كان أعلن قبل عام أثناء زيارته لإسرائيل أن “حل الدولتين يبدو بعيدًا الآن”. وهو الذي يعرّف نفسه بفخر بأنه “صهيوني”، وهو الذي قال أيضا أثناء الزيارة نفسها لتل أبيب إنه “ليس بالضرورة أن تكون يهوديا كي تصبح صهيونيا”.

الهدف الإستراتيجي الذي تتبناه وتعمل عليه إدارة بايدن منذ وصولها للسلطة قبل عامين ونصف العام هو دمج إسرائيل -بأي ثمن- في المنظومة العربية، وذلك من خلال جذب مزيد من البلدان للدخول في نادي “اتفاقات إبراهام” الذي دشنته إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب قبل 3 أعوام، ونجح في التطبيع بين إسرائيل و4 دول عربية، هي: الإمارات، والبحرين، والمغرب، والسودان. وهو هدف تحول إلى سياسة أميركية باتت تحكم كافة دوائر القرار الأميركي، بحيث يتم التركيز عليه بشكل مكثّف وملفت عند رسم السياسات الأميركية في مختلف القضايا السياسية والاقتصادية والأمنية في المنطقة العربية.

عمليا، تسعى إسرائيل بكل جهد لإنهاء مسألة حل الدولتين، وذلك من خلال توسيع رقعة الاستيطان في الضفة الغربية، خاصة مدينة القدس الشرقية، واستمرار مسلسل التهويد الذي تقوم به إسرائيل على قدم وساق. فحسب أرقام وبيانات “هيئة مقاومة الجدار والاستيطان” الفلسطينية، فقد وصل عدد المستوطنين في مستوطنات الضفة -بما فيها القدس- 726 ألفا و427 مستوطنا، موزعين على 176 مستوطنة، و186 بؤرة استيطانية (نواة للمستوطنات)، منها 86 بؤرة رعوية زراعية، وذلك حتى بداية 2023.

وفي عام 2022 فقط، أقام المستوطنون اليهود نحو 12 بؤرة استيطانية في محافظات الضفة الغربية، في حين تمت “شرعنة” بؤرتين استيطانيتين: الأولى مستوطنة “متسبيه داني”، وذلك على أراضي بلدة دير دبوان، والثانية مستوطنة “متسبيه كراميم” على أراضي دير جرير (شرقي رام الله). في حين تعتزم الحكومة الإسرائيلية شرعنة 65 بؤرة استيطانية في الضفة الغربية وتوصيلها بالمياه والكهرباء والبنية التحتية الخليوية وتعزيزها بـ”تدابير أمنية”، وذلك كجزء من الاتفاق الذي وقعه حزبا “الليكود” و”القوة اليهودية” عند تشكيل الائتلاف الحكومي الإسرائيلي.

ولعل من أبرز المستوطنات بالضفة الغربية مستوطنة “معاليه أدوميم” التي تعد من أكبر التجمعات الاستيطانية، والتي يتجاوز عدد سكانها 40 ألف مستوطن يهودي. كما تشير تقارير إخبارية إلى أن السلطات الإسرائيلية صادقت على 83 مخططا هيكليا وتفصيليا في الضفة الغربية والقدس، تقضي ببناء أكثر من 8288 وحدة سكنية جديدة. وقبل أسبوع واحد فقط صادق المجلس الأعلى للتخطيط في إسرائيل على خطط بناء وحدات سكنية جديدة في مناطق مختلفة من الضفة الغربية.

وتم منح الموافقات النهائية لعدد 818 وحدة، بينما تمضي إجراءات الموافقة النهائية لباقي الوحدات عبر مراحلها المختلفة. وأشادت شخصيات قيادية من المستوطنين اليهود بالقرار. كذلك وافقت الحكومة الإسرائيلية على بناء نحو 5700 وحدة سكنية إضافية لمستوطنين يهود في الضفة الغربية.

إذا عمليا لم يعد حل الدولتين ممكنا، أو هكذا تسعى إسرائيل لتثبيته كأمر واقع، وذلك في ظل اتساع رقعة الاستيطان في الضفة الغربية، خاصة في ظل التهويد المستمر والممنهج لمدينة القدس الشرقية، التي يُفترض أن تكون عاصمة للدولة الفلسطينية المأمولة. ناهيك عن عمليات التهجير والتهويد التي تجري لسكان المدنية، والتي تبدو أقرب للتطهير العرقي، وذلك بما يمكّن إسرائيل من السيطرة على المدينة بشكل كامل، ووأد أية مقاومة لتهويد المسجد الأقصى بعد ذلك.

ما تطرحه إسرائيل كبديل للدولة الفلسطينية هو “كانتونات”، وجيوب كونفدرالية صغيرة، وذلك عبر عملية تداول لبعض الأراضي، وبحيث تدار من خلال الوصاية عليها، وليس دولة ذات سيادة لها شعب وإقليم واضح ومحدد جغرافيا. هي أيضا ترفض وجود أية سيادة للفلسطينيين على هذه الدولة أو “شبه الدولة”، سواء عسكريا أو سياسا أو أمنيا.

وعلى ما يبدو نجحت إسرائيل في الترويج لهذه الفكرة غربيا، خاصة داخل الأوساط الأميركية، وهي تستغل الصراع الداخلي في أميركا سواء بين الديمقراطيين والجمهوريين أو داخل الحزب الديمقراطي ذاته من أجل التحرك والدفع بهذه الأطروحة التي تهيل التراب على كافة المبادرات التي تم تقديمها لحل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.

لذلك فإن إدارة بايدن وإن كانت تتمسك شكليا بمسألة حل الدولتين، فإنها تدرك بشكل كبير أن هذا الحل لم يعد عمليًّا، ولعل هذا ما يتم الترويج له في الدوائر البحثية والسياسية بالولايات المتحدة، وذلك من أجل تحويله من مجرد كلام إنشائي إلى واقع عملي على الأرض.


اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Previous post وتقول روسيا إنها أحبطت هجومًا بطائرة مسيرة أوكرانية على موسكو مع استمرار هجوم كييف المضاد
Next post تغريم نيمار ملايين الدولارات.. بسبب هذه الحفرة داخل منزله!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading