يعد الأطفال الفئة الأضعف والأكثر تأثرا بالتغيرات المناخية، وتطاردهم المخاطر في بطون أمهاتهم، مرورا بطفولتهم المبكرة، وتصاحبهم في مراحل لاحقة من حياتهم.
وتشير الدراسات إلى سلسلة من التأثيرات الصحية والنفسية المؤذية، تواجه أطفال اليوم، وتقارب 3 أضعاف الكوارث المناخية التي واجهها أجدادهم، وعبر حرائق الغابات والعواصف والفيضانات والجفاف وارتفاع درجات الحرارة وانخفاض جودة الهواء؛ تتفاقم مشكلات عديدة على رأسها أمراض الصدر ومشاكل النمو وتغير التركيب الجيني لديهم، وفق تقرير نشرته مجلة “ساينس”.
مستقبل كامل يتغير
يتأثر الأطفال بصورة أكبر لأنهم يتطورون بدنيا ونفسيا، بصورة أكبر من البالغين، ما يجعلهم أكثر عرضة لاستقبال الملوثات القادمة عبر الهواء والماء والطعام، ومن ثم المرض بصورة أعنف.
وعبر عمله بين مصر وعدد من الدول الخليجية، يرصد الدكتور محمود بشير استشاري طب الأطفال وعضو الكلية الملكية لطب الأطفال بلندن، كيف تغيرت وتيرة الأمراض، ونوعيتها، مع التغيرات المناخية الطارئة، ويقول “لاحظت عبر عملي زيادة الحالات الواردة إليّ والتي تعاني من حساسية الصدر والجيوب الأنفية، لكنني لم أكتف بذلك، فالملاحظة هي الحلقة الأضعف، مما دفعني لمتابعة الأمر بشكل أعمق، لقد ذهبت المسألة لأبعد من ذلك، فقد تغيرت جودة الهواء، وارتفعت درجات الحرارة، فلم تعد المشكلة تتعلق بأمراض الصدر والحساسية فقط”.
وتهدد التداعيات المناخية نحو مليار طفل حول العالم وفق بيان سابق لمنظمة “كيدز رايت”، وأوضح الدكتور بشير أن “التعرض للحرارة خلال الموجات الشديدة، يقف وراء ارتفاع معدلات وفيات الأطفال، تارة بسبب خلل أملاح أجسادهم، وتارة بسبب الجفاف الشديد، أما في حالات حرائق الغابات، فتتحول حياة الأطفال المستقرة، الهادئة، والنظيفة، إلى حياة عامرة بالدخان والاختناق، وسط معاناة من كرب ما بعد الصدمة، والأمر ينطبق أيضا على حالات السيول الشديدة والأعاصير العنيفة”.
وبناء على دراسات سابقة أشارت إلى العلاقة بين التغيرات المناخية، والمعدلات المرتفعة لوفيات الأمهات الحوامل، والأطفال حديثي الولادة، فضلا عن الصعوبات التي صارت تواجه الأمهات الحوامل والمرضعات في بلدان عديدة، قال الدكتور بشير “من بين ما فاجئني العلاقة بين ارتفاع درجات الحرارة والولادة المبكرة، وما يتبعها من مشاكل جمة للطفل وعائلته، معاناة تكتمل مع ما تسببه التغيرات المناخية من إخلال بسلاسل إمداد الطعام، ومن ثم ارتفاع معدلات سوء التغذية للأطفال في الأعمار الصغيرة، فضلا عن انتشار أمراض بعينها كالملاريا، ومرض اليد والفم والقدم، والذي زادت معدلاته مع ارتفاع درجات الحرارة”.
هكذا تتـأثر حياتهم للأبد
وفق ورقة بحثية صادرة عن جامعة هارفارد فإن الجينات عرضة للتغيير، كاستجابة للإجهاد السام، والتغيرات المتلاحقة في البيئة المحيطة، وغيرها من الخبرات المأساوية التي يتعرض لها الجميع، خاصة الأطفال، فتؤثر عليهم مدى الحياة، ولكن هل يكون التغيير للأفضل أم للأسوأ؟
في الواقع تتسبب الملوثات البيئية التي تدخل الجسم في تغير تسلسل الحمض النووي بشكل مباشر، وقد تسبب تفاعلا متسلسلا يؤثر على عمل جين معين، ما يؤثر لاحقا على عمل جين آخر، وهكذا تؤثر البيئة على صحة المرء عبر التأثير على البروتينات التي تعمل على تشغيل الجينات أو توقفها، ما يمكن أن يتفاقم لاحقا ليتسبب في أمراض مثل:
- السرطان.
- التأخر العقلي.
- اضطرابات النمو العصبي.
- أمراض القلب والأوعية الدموية.
- داء السكري من النوع 2.
- البدانة.
- العقم.
لكن الأمر لا يقف عند حدود تغير الجينات، ولكنه يمتد إلى حالة الطفل النفسية والعقلية، حيث يؤثر تغير المناخ بالسلب على النمو العقلي للأطفال، ما يؤثر على الأداء الدراسي لاحقا فضلا عن مجموعة من التأثيرات النفسية، ذكرها تقرير نشره موقع “ريسيرتش غيت”، مثل:
- اضطراب ما بعد الصدمة.
- الاكتئاب.
- القلق.
- الرهاب.
- اضطرابات النوم.
- اضطرابات التعلق.
- تعاطي المخدرات.
- مشاكل التحكم في العاطفة، السلوك، الإدراك.
- مشاكل اكتساب اللغة والأداء الأكاديمي.
مَن الأكثر عرضة للخطر؟
تعد منطقة الشرق الأوسط، وشمال أفريقيا من أكثر مناطق العالم ضعفا عندما يتعلق الأمر بتغير المناخ، ووفق تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، فإن الأطفال أقل قدرة على النجاة من الأحداث المناخية القاسية، وهم أكثر عرضة للمواد الكيميائية السامة والأمراض الناتجة عن تغير درجات الحرارة.
وفي اليمن، وتحديدا في تعز، كانت علا السقاف، رئيسة منظمة بيئة السلام للتنمية، شاهدة على حوادث دفع خلالها الأطفال ثمن التغيرات المناخية، وتقول للجزيرة نت “صار من الصعب، بسبب درجات الحرارة المرتفعة، استمرار كثير من الأطفال في المدارس، حيث أوضاع الحرب قائمة، ولم تعد كثير من المدارس تعمل، ما سبب اكتظاظا في تلك التي بقيت تعمل، لتخدم الواحدة منها عدة قرى جبلية كانت أو ريفية، حيث يضطر الطفل في بعض الأحيان إلى السير مسافات طويلة تصل في بعض الأحيان إلى ساعة كاملة، أو أكثر للذهاب والإياب من المدرسة، فإذا صمد تحت أشعة الشمس الحارقة، لن يصمد في فصل تبلغ كثافته 60 طفل على الأقل، ويعاني كثير منهم بالفعل من أمراض تنفسية”.
مأساة تكتمل في أوقات يفترض أن تكون طبيعية وهادئة، كوقت اللعب مثلا أو حتى وقت النوم، وتضيف السقاف “لا متنزهات خاصة كافية للأطفال في الريف أو حتى المدن، لذا فهم عادة ما يلعبون في مناطق خطرة، أكثرها على خطوط السيول، حدث هذا في تعز، بوقت قريب، حين أودى سيل في المدينة، بحياة طفلين، ويتكرر هذا كثيرا مع الأطفال، حيث يعجزون عن التصرف لضعف قوتهم، وخفة أوزانهم، والخطر ذاته يطارد سكان الشريط الساحلي على طول 2200 كيلومتر، حيث يتواصل ارتفاع منسوب المياه، والذي تسبب خلال الصيف الماضي في غرق العديد من الأسر وعوائلهم”.
تدابير لحماية الأطفال
وتقترح الباحثة والناشطة اليمنية علا السقاف بعض التدابير السريعة التي من شأنها تقليل ضحايا التغيرات المناخية من الأطفال، وهي:
- تحديد مجاري خاصة ومحددة للسيول؛ مع وضع الإرشادات والتحذيرات الكافية لمنع الاقتراب منها.
- البدء في عمليات التشجير لتقليل درجة الحرارة، وتشجيع الأطفال على غرس المزيد من الشجر.
- توعية الأطفال في المدرس بطرق الحفاظ على البيئة، بداية من طرق التعامل الصحيحة مع المخلفات، مرورا بأهمية النباتات والحفاظ عليها.
- توعية الأطفال بمواسم ومناطق السيول وطرق التعامل الصحيحة معها، ومع الارتفاع الكبير في درجات الحرارة.
- البدء بإنشاء حواجز مائية على الشواطئ؛ كي لا يتأثر سكان السواحل بالارتفاع المتزايد لمياه البحر.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.