يستهدف المصادم الدائري المستقبلي بوجه أساسي الكشف عن أسرار الكون الخفية، بخاصة أنه سيعمل في نطاقات طاقة أعلى بكثير من المصادم الهادروني الكبير الموجود حاليا.
أعلن باحثون من المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية “سيرن” (CERN) اتخاذ الخطوات الإدارية الأولى للعمل على إنشاء مصادم هادروني جديد سيكون الأكبر على الإطلاق، الأمر الذي يفتح الباب للكشف عن أسرار الكون.
المصادم الهادروني الكبير التابع للهيئة حاليا هو بالفعل أضخم المصادمات للجسيمات وأعلاها طاقة وسرعة في العالم الآن، يبلغ طوله نحو 27 كيلومترا وهو مبني تحت الأرض على عمق نحو 100 متر على الحدود الفرنسية السويسرية بالقرب من جنيف.
أما المصادم الدائري المستقبلي (FCC) فسيبلغ طوله نحو 91 كيلومترا، سيدور خلالها أسفل كل من فرنسا وسويسرا، ويشارك في خطة تصميمه التي أعلن عن بدئها أخيرًا أكثر من 150 جامعة ومعهد أبحاث وشركاء صناعيين من جميع أنحاء العالم.
ما مصادمات الجسيمات؟
فكرة مُصادمات الجسيمات وتسمى كذلك مُعجلات الجسيمات تتضح من اسمها، حيث يقوم العلماء بوضع جسيمين دون ذريين كالبروتونات مثلا أو النترونات في مسار تصادمي، ثم تسريعهما إلى أن يقتربا من سرعة الضوء عبر مغانط غاية في الدقة والقوة، للالتقاء بحيث يفتت كل منهما الآخر.
وبعد التصادم تنتج جسيمات “دون ذرية” أصغر مثل الكواركات أو النترونات أو الإلكترونات المضادة، ثم يُلتقط أثر هذه الجسيمات عبر كواشف متخصصة، وبالتبعية يعرف العلماء بوجود تلك الجسيمات ويقارنون سلوكها بنظرياتهم.
ولغرض التقريب، فإنه مثلما أن الميكروسكوب هو أداة علماء البيولوجيا لدراسة الخلايا وعضياتها، والتلسكوب هو أداة العلماء لرصد الكون الواسع وتراكيبه من مجرات وسدم وكواكب، فإن مصادمات الجسيمات هي أدوات فيزيائيي الجسيمات للكشف عن تركيب المادة في أدق صورها.
وأحد أشهر مُكتشفات المصادم الهادروني الكبير التابع لـ”سيرن” هو بوزون هيغز وأعلن عن ذلك في 4 يوليو/تموز من عام 2012، ويعطي هذا الجسيم كل شيء في الكون كتلته، ومن ثم يضع الأساس للمادة التي تشكل أجسامنا وكل ما نراه حولنا في الكون الواسع.
ما المتوقع من المصادم الجديد؟
بوجه أساسي، سيهدف المصادم الجديد للكشف عن أسرار الكون الخفية بخاصة أنه سيعمل في نطاقات طاقة أعلى بكثير من سابقه (100 تيرا إلكترون فولت مقابل 14 تيرا إلكترون فولت للمصادم الهادروني الكبير).
ويمكن حصر كل ما يعرفه العلماء عن هذا الكون في 5% فقط من تركيبه، وتشمل كل ما نعرفه من مادة حولنا، من تركيب أجسامنا وصولا إلى أضخم المجرات. لكن البقية من تركيب الكون، وتمثل نحو 95%، تنقسم إلى جزأين: الأول هو المادة المظلمة وتمثل قرابة 27% من تركيب الكون، والثاني هو الطاقة المظلمة وتمثل حوالي 68% من تركيب الكون.
وكلمة “مظلمة” في هذه الاصطلاحات لا تعبر عن “الظلام” المادي بل عن الظلام المعنوي المتمثل في عدم معرفتنا بهذه الظواهر، فالعلماء مثلا لا يتمكنون من رصد المادة المظلمة، ولكنهم يرصدون أثرها “الجاذب” على محيطها في المجرات القريبة والبعيدة. وكذلك الأمر بخصوص الطاقة المظلمة، إذ يعتقد العلماء أنها المسؤولة عن تسريع تمدد الكون، لكنهم لا يتمكنون من رصدها بشكل مباشر.
وبعد النجاح في بناء تصميم نظري للمصادم الجديد، ستتخذ الهيئات المختصة نحو 6 سنوات للبت في قرار بدء البناء، بعد ذلك سيتطلب الأمر من 20 إلى 30 سنة لبناء المراحل الأولى من المصادم ثم تفعيلها والعمل بها، مع 25-30 سنة أخرى لأجل بدء العمل في أعلى نطاقات الطاقة الخاصة بالمصادم، إنه عمر كامل تقريبا!
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.