نحت الأوضاع في غرب دارفور لتصعيد وتوتر غير مسبوق باغتيال والي الولاية خميس أبكر بعد ساعات من اعتقاله على يد عناصر تابعة لقوات الدعم السريع.
ومنذ أسابيع طويلة تشهد الجنينة، عاصمة غرب دارفور، أحداث عنف عاصفة بتجدد القتال بين القبائل العربية والمساليت الأفريقية على نحو فاقم الأوضاع الإنسانية وتردت معه الخدمات وتزايدت معدلات اللجوء إلى تشاد المجاورة، كما دخلت المدينة في عزلة كاملة بانقطاع شبكة الاتصالات وانهيار خدمات الكهرباء وتوقف المستشفيات عن العمل.
ومع بدء قتال الجيش والدعم السريع في الخرطوم منذ منتصف أبريل/نيسان الماضي، اندلعت اشتباكات بين الطرفين في غرب دارفور، لكن هذا القتال تحول تدريجيا إلى صراع ذي طابع قبلي، حيث اصطفت القبائل العربية إلى جانب قوات الدعم السريع، وعمدت لمحاربة وقتال وتهجير العناصر المنحدرة من أصول أفريقية على رأسها قبيلة المساليت.
ومع غياب التواصل وابتعاد غرب دارفور عن دائرة الاهتمام الإعلامي في ظل اشتعال الصراع في الخرطوم، تعرضت الجنينة لأبشع عمليات التنكيل والقتل على أساس قبلي وفقا لناشط تحدث للجزيرة نت من ولاية شمال دارفور، بعد تمكنه من مغادرة الجنينة، وقال إن المدينة تتعرض لعمليات إبادة وتطهير عرقي خطير على يد المليشيات العربية التي عزمت أمرها على إنهاء وجود المساليت، حسب قوله، فيما لا يحرك الجيش ساكنا للدفاع عن المدنيين أو حمايتهم.
التصريحات الأخيرة
قتل الوالي خميس أبكر بعد وقت قصير من إدلائه بتصريح تحدث فيه عن أوضاع صعبة لمواطني ولايته، وقال إن الجنينة عاصمة الولاية، دمرت تماما، وإن القتلى يدفنون بطريقة عشوائية، وإن أعدادا كبيرة من الجرحى لا تجد علاجا بسبب توقف المستشفيات.
كما تحدث أبكر عن أن الجيش لم يخرج لحماية المواطنين والدفاع عنهم فيما تجاهل حاكم دارفور مني أركو مناوي التدخل لحسم الأوضاع، رغم إخطاره قبل أكثر من شهر.
وتبادل الجيش والدعم السريع الاتهامات بالتسبب في مقتل الوالي خميس أبكر، حيث قال رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان في بيان إن الدعم السريع هو من قتل الوالي، واستنكر الحادث، وما أسماه الهجوم الغادر الذي استهدف أبكر.
لكن خميس أبكر المنحدر من قبيلة المساليت تعرض مؤخرا لحملات منظمة من ناشطين اتهمته بتسليح أبناء عشيرته لقتال المليشيات العربية، فهو يرأس قوات التحالف السوداني التي تضم عشرات المقاتلين من حركات مختلفة تحالفت للتوقيع على اتفاق السلام في جوبا.
وتتهم قوات الدعم السريع الجيش السوداني في المقابل بالمسؤولية عن مقتل الوالي لتسليحه أحد طرفي الصراع القبلي في الجنينة، في إشارة إلى المساليت، وقالت مصادر للجزيرة إن اغتيال خميس أبكر جاء في إطار الصراع بين القبائل العربية والمساليت.
حلقات المسؤولية
غير أن الحلقات تضيق حول مسؤولية الدعم السريع عن مقتل الوالي، وهو أرفع مسؤول حكومي يتم اغتياله منذ بدء الحرب بين الجيش والدعم السريع، حيث أظهرت مقاطع فيديو لحظات اعتقال خميس على يد عناصر الدعم السريع ومحاولة بعضهم الاعتداء عليه، فيما كان قائد قوات الدعم السريع بالولاية اللواء عبد الله جمعة يحاول إدخاله لحجرة بمقر القوات في الجنينة، ليتم بعد وقت وجيز بث مقطع فيديو يظهر الوالي غارقا بدمائه، بعد تصفيته بطريقة بشعة.
ويؤكد ناشط في قبيلة المساليت للجزيرة نت أن خميس أبكر تعرض للتصفية بعد رفضه تسجيل مقطع فيديو يحوي معلومات مضللة عن عمليات إبادة جماعية في الجنينة، وأنه رفض الانصياع لأوامر الدعم السريع، واختار الموت بدلا من الإدلاء بمعلومات كاذبة.
ويحمّل رئيس حركة العدل والمساواة الجديدة منصور أرباب قائد الدعم السريع في غرب دارفور عبد الله جمعة الذي ظهر مع الوالي في مقطع الفيديو المسؤولية الجنائية لاعتقال وتصفية أبكر.
وقال للجزيرة نت إن قوات الدعم السريع تؤكد بفعلتها ما ظلت ترتكبه من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية في دارفور.
ويشير أرباب إلى أن ما يجري في غرب دارفور منذ 23 مايو/أيار الماضي لا يمكن وصفه من حيث سوء الأوضاع الأمنية والصحية، واصفا الجنينة بأنها أسوأ مكان على وجه الأرض.
وأضاف “الوالي يتقدم 2400 قتيل في غرب دارفور فقط، وكل هذه الجرائم ترتكبها قوات الدعم السريع”.
الفيديو البشع الذي يظهر اغتيال والتمثيل بجثة الرفيق خميس ابكر والي غرب دارفور جريمة بشعة بكل المقاييس وتتحملها قيادة الدعم السريع والقوى السياسية حليفتها والقوى الخارجية التي تدعمها، إستشهد دفاعا عن اهله وارضه وعرضه ، سيدفن بطلًا والعار للقتلة الجنجويد ، وستدفعون الثمن غاليا.
— Mubarak Ardol (@MubarakArdol) June 14, 2023
تداعيات خطيرة
بدوره، يؤكد المتحدث باسم حركة العدل والمساواة حسن إبراهيم للجزيرة نت أن أبكر اختطف على يد عناصر الدعم السريع وبقيادة قائد قطاع غرب دارفور في هذه القوات حسبما بثت صفحاتهم وشهود عيان ليتم تصفيته لاحقا.
ويضيف “في كل الأحوال يتحمل الدعم السريع جريرة مقتل الوالي وكل التداعيات التي ستحدثها هذه الجريمة البشعة”.
ويتوقع إبراهيم أن تدفع الحادثة بالوضع المتأزم أصلا إلى تداعيات خطيرة قد تنزلق لحرب أهلية شاملة.
وتحاشت حركة تحرير السودان التي يرأسها حاكم دارفور مني أركو مناوي إلى اتهام الدعم السريع بالتورط في الحادث، وقالت في بيان إن الوالي خميس أبكر اقتيد من مكان إقامته بواسطة مليشيات وقامت بتصفيته دون مراعاة لحقوق الأسرى.
وأشارت الحركة، في بيان، إلى أن مدينة الجنينة واقعة منذ نحو شهرين تحت حصار مليشيات أغلقت مداخل ومخارج المدينة، وحرمت المواطنين من خدمات المياه والكهرباء كما احتلت المرافق الحكومية والصحية والمستشفيات.
أما التحالف السوداني الذي يرأسه الوالي القتيل فتوعد، في بيان، بالرد على اغتيال خميس أبكر، وأكد أنه قتل في يد قوات الدعم السريع.
وترشح هذه التطورات في ولاية غرب دارفور لمزيد من الاحتقان خلال الساعات المقبلة مع تزايد التحشيد القبلي للمساليت للانتقام من القبائل العربية.
وكان خميس أبكر أحد قادة حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد نور لكنه انشق عنه وأسس حركة بذات الاسم حاربت الحكومة المركزية في الخرطوم في عدة مناطق خلال الفترة 2000 – 2010، وبعد سقوط نظام البشير ظهر أبكر كرئيس لقوات التحالف السوداني وشارك في مفاوضات جوبا ووقع اتفاق السلام في أكتوبر/تشرين الأول 2020.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.