القدس المحتلة– صادق الكنيست الإسرائيلي على تعديل البند (15- ب) من قانون القضاء المُقر عام 1984، الذي بات يُعرف بقانون “المعقولية”. وينص التعديل على منح الائتلاف الحكومي ووزير القضاء صلاحيات واسعة في اختيار وتعيين القضاة، ومنح رئيس الوزراء صلاحية مطلقة في تعيين الوزراء.
كما ينص القانون كذلك على الحد من صلاحيات المحكمة العليا ومنعها من التدخل أو إلغاء القرارات الصادرة عن الحكومة، حيث يعتبر هذا التعديل بندا رئيسيا ضمن خطة التعديلات بالجهاز القضائي، والتي يحركها وزير القضاء ياريف ليفين، بتوجيه من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
ويعتبر قانون “المعقولية” واحدا من 8 تعديلات قضائية تسعى الحكومة لإقرارها بالكنيست، للحد من الرقابة القضائية على الحكومة، ومنها صلاحيات المحكمة العليا، حيث صادق الكنيست على قانون “المعقولية” بالقراءات الثلاث وبات نافذا.
كما تضم التعديلات البند رقم 3 المختص بـ”فقرة التغلّب”، والتي يسمح استخدامها للكنيست باستثناء قوانين من الرقابة القضائية، والبند رقم 4 المتعلق بـ”لجنة تعيين القضاة والحد من صلاحيات المحكمة العليا”.
قانون القضاء
يُعرّف القانون الخاص بالقضاء بأنه قانون أساسي يتعامل مع نظام المحاكم في إسرائيل، حيث أقره الكنيست يوم 28 فبراير/شباط 1984، وهدف إلى تحديد المبادئ الدستورية التي سيعمل على أساسها الجهاز القضائي في إسرائيل، وهي خطوة أخرى على طريق دمج القوانين الأساسية في دستور واحد.
وتوضح الملاحظات التفسيرية التالية العلاقة بين القوانين التي تتناول موضوع جهاز المحاكم وقانون القضاء، حيث يضم الأخير المبادئ والنصوص الأساسية لقانون المحاكم من العام 1957 وقانون القضاة من العام 1953، كما يتناول القانون المؤسسات القضائية وصلاحياتها وأساليب عملها والإجراءات الإدارية فيها، والقضاة ومدة ولايتهم واستقلالهم وطرق تعيينهم وشروط عملهم.
وبإقرار قانون أساس “القضاء” عام 1984، ألغيت بعض البنود من قانوني المحاكم والقضاة، وأدرجت ضمن القانون الجديد تحت البند الذي بات يعرف بقانون “المعقولية”، الأمر الذي منح المحكمة العليا صلاحيات واسعة للتدخل في قرارات الحكومة ورئيسها والوزراء.
وبموجب البند (15- ب) في قانون “المعقولية”، كانت المحكمة العليا تمارس رقابة قضائية على عمل وقرارات وسياسات السلطة التنفيذية المتمثلة في الحكومة والهيئات الرسمية الخاضعة لها، بيد أنه وفقا للتعديل الجديد لن يتم تفويض جهاز المحاكم الإسرائيلية -بما في ذلك المحكمة العليا- بمراجعة قرارات الحكومة أو رئيس الوزراء أو الوزير.
نص التعديلات
في 24 يوليو/تموز الجاري، صادق الكنيست بأغلبية 64 عضوا من الائتلاف -في حين قاطع أعضاء المعارضة التصويت- على تعديل قانون أساس “القضاء” وخاصة البند المتعلق بـ”أساس المعقولية”، إذ يتضمن التعديل “بغض النظر عما هو منصوص عليه بقانون (أساس: القضاء)، لن تكون هناك أي صلاحية لأي شخص لديه سلطة قضائية وفقا للقانون، بما في ذلك المحكمة العليا، ومناقشة حجة المعقولية لإلغاء القرارات الصادرة عن رئيس الوزراء، وعن الحكومة، وعن الوزراء”.
ووفق التعديل على قانون “المعقولية” الذي يحد من صلاحيات المحكمة العليا، لن يتمكن القضاة من إصدار أي أمر أو قرار في المسائل المتعلقة بقرارات الحكومة والائتلاف، ويشمل ذلك التعيينات الحكومية أو الطرد والفصل من المناصب.
وقبيل تعديل بند “المعقولية” الذي يعتبر منظومة للضوابط والرقابة والتوازنات، كان البند يمنح المحاكم بإسرائيل، بما في ذلك للمحكمة العليا، صلاحيات إلغاء قرارات الحكومة وأذرعها التنفيذية، في حال تبين لها أن القرارات “غير معقولة”.
ويهدف التعديل رقم 3 على قانون القضاة -المعروف بـ “فقرة التغلب”، والذي صودق عليه بالقراءة الأولى- إلى تقويض نفوذ المحكمة العليا وسحب صلاحياتها، عبر السماح للكنيست بالالتفاف على قراراتها وعدم تنفيذها في حال توفرت أغلبية 61 من أعضاء الكنيست من أصل 120.
كما تنص “فقرة التغلب” على تعديل البند 8 من القانون الأساسي الذي يحمل اسم “كرامة الإنسان وحريته”، والبند 4 من قانون “حرية العمل”، ومنع المحكمة العليا من إلغاء أي تعديلات على قانون “الحكومة” الذي يحظر عزل رئيس الوزراء من منصبه، أو الإعلان عن تعذّر القيام بمهامه.
ليس هذا فحسب، بل يهدف تعديل “فقرة التغلب” إلى التأثير على مجريات محاكمة نتنياهو بتهم فساد، وعدم إقالته من منصبه خلال محاكمته، وكذلك إعادة تعيين رئيس حزب شاس، أرييه درعي، وزيرا للداخلية وإلغاء قرار سابق للمحكمة بإقالته.
كما سيقوي تعديل بند “فقرة التغلب” سلطة الكنيست، حيث سيتمكن بموجبه من رفض تفسيرات المحكمة العليا للقانون الأساسي، والتغلب على حكم المحكمة العليا الذي سيبطل القانون.
أما تعديل البند 4 من قانون القضاء، فيهدف إلى منح الحكومة صلاحيات واسعة في تشكيل تركيبة لجنة تعيين القضاء، مما يعني أن الحكومة ستكون صاحبة القول الفصل في تعيين القضاة بجهاز المحاكم الإسرائيلية بما في ذلك المحكمة العليا.
محاصرة القضاء
ويقضي التعديل بإجراء تغييرات في تركيبة لجنة القضاة، التي ستكون برئاسة وزير القضاء لتضم 9 أعضاء، منهم مندوب عن السلطة القضائية وهو رئيس المحكمة العليا، واثنان من القضاة المتقاعدين سيعينهما وزير القضاء بموافقة من رئيس المحكمة العليا.
كما ستضم اللجنة ممثلين عن الحكومة، وهم وزير القضاء إضافة لوزيرين آخرين تختارهما الحكومة، وكذلك 3 مندوبين عن الكنيست، بينهم رئيس لجنة القانون والدستور ونائبان أحدهما من الائتلاف الحاكم والآخر من كتلة المعارضة.
وستحظر التعديلات الجديدة على المحكمة العليا المراقبة والمراجعة القضائية للقوانين الأساسية أو إلغاء التعديلات على هذه القوانين في حال كانت تحظى بتأييد 61 من أعضاء الكنيست.
ولن يكون باستطاعة المحكمة إلغاء أي قانون أساسي أو أي تعديل عليه، إلا بإجماع قضاة المحكمة الـ15، فضلا عن أن التعديل الجديد سيهدف لإجراء مراجعة قضائية -لأول مرة- لدستورية القوانين الأساسية وحصرها في المعايير التي وضعها المشرع الأساسي (الكنيست)، من دون أن تكون هناك صلاحيات لأي محكمة لإلغاء هذه القوانين.
وبذلك، سيكرس هذا التعديل السيادة المطلقة للقوانين الأساسية ويستبعد المراجعة القضائية لها، بغية ضمان خضوع المحكمة لسيادة القانون وللمصدر الديمقراطي للسلطة، وهو ما سيكون على غرار الدول التي لا توجد فيها صلاحيات لمراجعة قضائية للقواعد الدستورية.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.