“يُمكنني تغييره إلى الأحسن”.. لماذا تُعد هذه الجملة أسوأ خدعة في العلاقات على الإطلاق؟


“سأتزوجه رغم أنني أرى به العديد من العيوب، لا أستطيع التصالح مع هذه العيوب ولا التأقلم معها، لكنني سأتزوجه، لكوني أثق أنني يُمكنني إصلاحه”.

من المرجح أنك سمعت هذه الجملة من أحد من معارفك من قبل أو لعلك حتى قلتها بنفسك، فهذه العبارة هي الرهان الرئيسي الذي يخوضه بعض الشباب والفتيات، وقد يتخذون بناء عليه قرارات بالزواج وتكوين أسر مع طرف لا يرتضونه بالكامل، ولا يستطيعون التأقلم مع عيوبه، وهو ما يجعلنا نتساءل: هل بإمكاننا أن نغير طباع شركائنا وأصدقائنا حقا؟ وقبل ذلك: هل يمكن أن يتغير الناس من الأساس؟ (1)

 

إمكانية التغيير

Couple at home after having a fight. Sad depressed woman sitting on sofa.
من المهم أن يتسم الشخص بقوة الإرادة والعزيمة اللازمة للمداومة على إجراءات التغيير. (شترستوك)

حسنا، هذا الأخير هو السؤال الرئيسي والأوَّلي: هل يمكن أن يترك شخص ما يألفه من سلوكيات وعادات، ويستبدل بها سلوكيات وعادات أخرى؟ الإجابة هنا هي: غالبا نعم، ولكن ليس بالسهولة التي تظن. يمكننا بذل جهد لتغيير عادات أو سلوكيات معينة، حتى إن بعض جوانب الشخصية يمكن أن تتغير بمرور الوقت، فقط يحتاج الأمر إلى “الرغبة” و”الجهد المتفاني” لتحقيق هذا التغيير.

 

تتشكَّل شخصية كلٍّ منّا من خلال علاقة ديناميكية بين طبائعنا وحالتنا المزاجية وبيئاتنا، وغالبا ما يكون التغيير معقدا، ولا يحدث بالطريقة التي نتخيلها. لن تجد نفسك مثلا تكتسب الرشاقة وتحافظ على عادات صحية في تناول الطعام وتواظب على ممارسة التمارين الرياضية، وتفقد الوزن الزائد بالكامل خلال شهر واحد كما كُنت تُخطط. التغيير هو تعزيز مستدام لسلوكيات جديدة أو أنماط تفكير مختلفة عن تلك التي كان يتبناها الشخص سابقا.

 

قد يكون تغيير طباع شخص ما أو كيفية تصرفه ممكنا من خلال تنمية الوعي الذاتي للفرد، والفهم الأعمق للعادات والسلوكيات والسمات الشخصية الخاصة به والمواقف التي يتعرض لها وتأثيرها عليه. بخلاف ذلك، يتطلب الأمر أيضا أن يتسم الشخص بقوة الإرادة والعزيمة اللازمة للمداومة على إجراءات التغيير.(2) أيضا هناك بعض العوامل التي تؤثر على قدرة الشخص ورغبته في إحداث تغييرات في الحياة، تشمل هذه العوامل بشكل رئيسي كل من الوراثة وطبيعة البيئة المحيطة.

 

تُشير الدراسات إلى أن نسبة كبيرة من سماتنا وصفاتنا الشخصية يمكن أن يكون سببها وراثي في المقام الأول، وفقا لنتائج هذه الدراسات، فإن خصائصنا النفسية تعكس الهياكل المادية لأدمغتنا وما يُساهم في تكوين تلك الهياكل المادية هي جيناتنا.(3) ورغم أن البيئة قد تُشكِّل الطريقة التي نفكر بها، فإن العديد من الباحثين يرون الآن أن علم الوراثة أكثر أهمية من البيئة. هذه النظرية تؤدي إلى استنتاج مفاده أن الأشخاص الذين يولدون بعوامل بيولوجية مُحددة يميلون إلى اتباع أنماط اجتماعية مُعينة.

 

لا يعني ذلك أن جيناتنا سوف تظل تتحكم في طبائعنا وتصرفاتنا حتما وإلى الأبد، فلا يزال هناك أمل في أن يعيد المجتمع والبيئة برمجة السلوك وكسر العادات، وهو ما يخلق بدوره الأمل في حدوث “التغيير”. وجدت المراجعات التي أُجريت على نحو 200 دراسة أنه مع اتباع الخطوات المناسبة، يمكن للناس تغيير مكونات رئيسية غير مرغوبة من طباعهم وشخصياتهم. (4)

ليس أمرا سهلا

Couple at home after having a fight. Sad depressed woman sitting on sofa.
التغيير يحدث تدريجيا، وحدوث الانتكاسات أمر لا مفر منه، فالتغيير ليس بالأمر السهل أبدا. (شترستوك)

المشكلة الأكبر أن طريق تغيير الطبائع والعادات ليس مفروشا بالورود. توضح ميغان كول، مديرة مركز المرونة في مستشفى جامعة يوتا الأميركية أن عملية التغيير تُعَدُّ أمرا معقدا لأنها تتطلب من الشخص تعطيل عادة حالية مع تبني وتعزيز مجموعة جديدة من الإجراءات، ربما تكون غير مألوفة بالنسبة إليه. ويستغرق التعود على هذه الإجراءات وقتا أطول مما يرغب الناس عادة، فمثلا توضح ميغان أن شيئا بسيطا مثل شرب كوب إضافي من الماء يوميا يمكن أن يستغرق شهرين في المتوسط ​​ليصبح سلوكا معتادا ثابتا.(5)

 

لك أن تتخيل الآن مقدار صعوبة حدوث التغيير، حتى في ظل حرص الشخص ورغبته على ذلك. في أواخر السبعينيات لاحظ مجموعة من الباحثين الذين كانوا يقومون بدراسة بعض الطرق التي بإمكانها أن تساعد الأشخاص على الإقلاع عن التدخين أن هناك مراحل شبه ثابتة يمر بها الناس من أجل تغيير سلوك ما. تخبرنا هذه المراحل أن عملية التغيير تحدث تدريجيا، وأن حدوث الانتكاسات أمر لا مفر منه. (6)

 

أول مراحل التغيير هي مرحلة ما قبل التأمل، وهي المرحلة التي لا يفكر خلالها الناس في التغيير من الأساس. يصف الباحثون الناس خلال هذه المرحلة بأنهم يكونون في حالة إنكار، ويدعون أن سلوكهم لا يُمثل أي مشكلة ولا يتسبب في أي نتائج سلبية، رُبما يرجع هذا الإنكار إلى قلة المعلومات المتوفرة لدى الناس بشأن عواقب أفعالهم. خلال هذه المرحلة قد يستسلم الناس إلى حالتهم الحالية ويعتقدون أنهم ليس لديهم سيطرة على سلوكهم.(7)

 

المرحلة الثانية من التغيير هي مرحلة التأمل. هنا، يدرك الناس أن سلوكهم قد يكون إشكاليا، ويصبحون أكثر وعيا بأن التغيير رُبما يكون أمرا جيدا وأنه قد يُحقق لهم بعض الفوائد أو المزايا. لكن من ناحية أخرى، تطل الكلفة والجهد وما يتطلبه التغيير من مشقة برأسها، وهو ما قد يخلق حالة من الصراع الناتج عن الشعور القوي بالتناقض بشأن التغيير، الشخص هنا يريد التغيير ولا يريده في الوقت نفسه. يمكن أن تستمر هذه المرحلة لأشهر أو حتى لسنوات، لكن الأسوأ من ذلك هو أن الكثيرين من الناس قد لا يتجاوزون أبدا مرحلة التأمل، فيظلون عالقين بها إلى ما لا نهاية ولا يُحققون التغيير أبدا.

قد يكون من المفيد معرفة أن الانتكاسات أمر شائع وهي جزء من عملية إجراء أي تغيير في الحياة.
قد يكون من المفيد معرفة أن الانتكاسات أمر شائع وهي جزء من عملية إجراء أي تغيير في الحياة. (شترستوك)

إذا استطعت تجاوز مرحلة التأمل، فستنتقل إلى المرحلة الثالثة وهي مرحلة “الإعداد أو التحضير”. في هذه المرحلة يكون الأشخاص مستعدين لاتخاذ إجراء ما يخص التغيير في غضون الثلاثين يوما التالية. قد تتضمن هذه المرحلة بعض التغييرات الصغيرة التي تُمكِّنك من الاستعداد بشكل أفضل لإجراء تغيير أكبر في حياتك. أما المرحلة الرابعة من مراحل التغيير فهي مرحلة العمل المباشر نحو تحقيق الهدف. هنا، قد يبدأ الناس في اتخاذ إجراءات مباشرة لتحقيق أهدافهم.

 

إذا حاولت سابقا إنقاص وزنك، فستفهم أكثر المرحلة التالية من مراحل التغيير، خلال عملية إنقاص الوزن، وبعد أن تصل إلى الوزن المثالي المرغوب، سيطلب منك مدربك أو طبيبك أن تبدأ مرحلة “تثبيت الوزن”، وهي المرحلة التي تقوم خلالها بالحفاظ على الوزن الذي وصلت إليه، وتجنب الانتكاس مجددا. مرحلة “التثبيت” هذه هي المرحلة الخامسة من التغيير، خلال هذه المرحلة يجب الاستمرار في تجنب السلوكيات السابقة والحفاظ على السلوكيات الجديدة المُكتسبة حديثا، وتجنب أي إغراء قد يُعيد الشخص إلى السلوكيات القديمة، يجب أيضا أن يُكافئ الشخص نفسه عندما يكون قادرا على تجنب حدوث الانتكاس بنجاح.

 

لكن ماذا إذا حدث الانتكاس؟ هنا يكون القرار بيد الشخص الراغب في التغيير وحده، إما أن يستسلم ويغرق مرة أخرى في العادات القديمة ويضحي بكل الوقت والجهد الذي بذله خلال عملية التغيير من بدايتها، وإما أن يختار عدم الاستسلام، ويخبر نفسه أن ما حدث هو مجرد انتكاسة بسيطة. هنا قد يكون من المفيد معرفة أن الانتكاسات أمر شائع وهي جزء من عملية إجراء أي تغيير في الحياة.

 

الانتكاسات شائعة للحد الذي جعل البعض يضعها مرحلة سادسة وأخيرة لأي تغيير، بدلا من مرحلة “الإنهاء” التي كان يتضمنها النموذج المُقدّم من الباحثين في السبعينيات، من المفترض أنه خلال مرحلة الإنهاء يكون الناس قد وصلوا إلى النقطة التي لا يرغبون خلالها، بشكل نهائي تام وقاطع، في العودة إلى سلوكياتهم القديمة غير الصحية، ويُصبحون على يقين من أنهم لن ينتكسوا. ولكن نظرا لأن حدوث هذا أمر نادر وقد لا يتم الوصول إليه أبدا، يميل الأشخاص إلى البقاء في مرحلة التثبيت، وغالبا لا يتم أخذ هذه المرحلة في الاعتبار (8).

 

خرافة “يُمكنني إصلاحه”

Bajba jutott nő kifejező kétségbeesés
قبل أن يتمكن شخص ما من إجراء تغيير دائم على سلوك أو سمة معينة أساسية في شخصيته، يجب أن يرغب هو نفسه أولا في إجراء تلك التغييرات. (شترستوك)

الآن، رُبما تستطيع أنت أن تُجيب عن سؤال: لماذا تُعَدُّ جملة “يُمكنني إصلاحه/إصلاحها” مجرد خرافة؟ ببساطة، لأنه قبل أن يتمكن شخص ما من إجراء تغيير دائم على سلوك أو سمة معينة أساسية في شخصيته، يجب أن يرغب هو نفسه أولا في إجراء تلك التغييرات. قد يمكنك بالتأكيد تقديم التشجيع والدعم أو تقديم مثال للتغيير الإيجابي، لكن لن يمكنك على أي حال التحكم في “رغبة” أو “تصرفات” أي شخص آخر.

 

لا يقتصر ذلك على الطباع فقط ولكنه يتعداه إلى وجهات النظر والموقف من قضايا الحياة مثل العمل والأسرة وغيرها. لكي يتمكن الشخص من تغيير موقفه تجاه أي مسألة، سيتعين عليه أولا أن يستكشف السبب الجذري لموقفه الحالي. تُعرِّف الجمعية الأميركية لعلم النفس (APA) الموقف السلوكي بأنه “تقييم دائم نسبيا لشيء أو شخص أو مجموعة أو قضية أو مفهوم على بُعد يتراوح من السلبي إلى الإيجابي”. (9) صحيح أن الموقف ليس أمرا ثابتا، لكن بالإمكان تغييره فقط عندما يفهم الشخص كيف تشكل موقفه هذا وكيف يؤثر على حياته، ثم يرغب بنفسه في تغيير هذا الموقف.

 

قد يرتبط موقف ما بالألم العاطفي أو التجارب السابقة المؤلمة، وقد لا يكون الشخص نفسه على دراية بهذا. مثلا قد يؤدي التعايش مع صدمة ما إلى اتخاذ موقف دفاعي يؤثر على كيفية استجابة الشخص لتحديات معينة، هنا قد يُصبح تغيير الموقف أكثر صعوبة. مثلا، إذا كان شريككِ عانى في طفولته المُبكرة من أن والدته كانت تعمل، سواء تمثلت هذه المُعاناة في شعوره بافتقادها أو لأنه كان يقضي ساعات طويلة في البيت بمفرده يُواجه وحده مشاعر الخوف والقلق والوحدة التي لا يعرف سبيلا لإدارتها نظرا لحداثة عمره، فإن موقفه من عمل المرأة هنا سيكون بشكل ما انعكاسا لما واجهه سابقا من خوف ووحدة، ولكي يغير هذا الأمر، ينبغي أن يخوض مواجهة طويلة مع دوافعه ومخاوفه واستكشاف الخيارات البديلة، وهي مواجهة لا يمكن لأحد خوضها نيابة عنه لسوء الحظ. (10)

 

تنطبق القاعدة ذاتها على ممارسات مثل التدخين على سبيل المثال. يعرف معظم الناس أن التدخين عادة سيئة، لكن في بعض الحالات، يكون التدخين بالنسبة لبعض الأشخاص آلية أو أداة للتكيف تساعد على مواجهة الاضطرابات النفسية.(10) هنا قد يحتاج الأمر إلى مختص ليساعد الشخص المُدخن “الراغب” في التغيير على التوقف عن هذه العادة. لاحظ هنا أن رغبة الشخص نفسه تبقى العامل الأساسي في حدوث التغيير.

 

أحيانا، نريد إجراء تغييرات عميقة أو جوهرية على الأشخاص الذين نحبهم. نريد تغيير ما وصفه ويليام جيمس، الفيلسوف وعالم النفس الأميركي، بأنه “المركز المعتاد لطاقتهم الشخصية”. يوضح جيمس أن المركز المُعتاد للطاقة الشخصية يعني أن كل شخص منّا لديه بعض الاهتمامات أو الالتزامات أو المبادئ أو طرق التنظيم المركزية التي توجِّه سلوكياته وأفكاره. هذا المركز لا يمكن تغييره من قِبَل شخص آخر مهما بذل من الجهد، ولا مفر أن يكون هذا التغيير نابعا من الشخص المعني نفسه في نهاية المطاف. (11)

—————————————————————————–

المصادر:

1- You can fix him?

2- People Can Change, But That Doesn’t Mean They Will

3- What Makes Us Who We Are?

4- Can People Change؟

5- Why is Behavior Change So Hard?

6- The transtheoretical model of health behavior change

7- The 6 Stages of Change

8- The Transtheoretical Model (Stages of Change)

9- Attitude

10- Can Someone Really Change Their Behaviors, Traits, and Habits?

11- Why You Can’t Make Someone Else Change

Previous post المؤشر الرئيسى للبورصة يواصل الصعود بمنتصف التعاملات مدفوعا بمشتريات محلية
Next post روسيا فجّرت سد كاخوفكا لمنع هجوم في الجنوب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *