أربيل- فتح إقرار الموازنة السنوية الأضخم في العراق منذ عام 2003، أزمة جديدة بين إقليم كردستان والقوى السياسية في بغداد، بعد أن أثارت في جانب منها غضب رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني، لما اعتبرها “محاولات لتقويض كيان الإقليم الدستوري والمالي”، بحسب وصفه.
وبعد 5 أيام من الجلسات البرلمانية المتتالية وأشهر من الخلافات والمباحثات السياسية، صوّت البرلمان العراقي وبالأغلبية –أمس الاثنين- على قانون الموازنة الاتحادية للسنوات الثلاث 2023 و2024 و2025.
وشهدت تلك الجلسات أزمات حادة بين القوى الشيعية والكردية، بسبب التعديلات الواسعة على مسودة القانون الذي أعدّته وزارة المالية، ومنها المادة 14 المتعلقة بإدارة أموال نفط الإقليم.
وتتكوّن الموازنة من 68 مادة وتبلغ 153 مليار دولار، وبعجز حوالي 48 مليار دولار، وهو مستوى مرتفع على نحو قياسي ويبلغ أكثر من مثلي آخر عجز ميزانية مسجل في 2021، وثبّت فيها سعر البرميل الواحد من النفط بـ70 دولارا، وتوقعات بتصدير 3.5 ملايين برميل نفط يوميا، منها 400 ألف برميل من إقليم كردستان.
المادة 14 تهديد البارزاني
من المواد التي أثارت حفيظة الحزب الديمقراطي الكردستاني في قانون الموازنة، المادة الـ14، وتحديدا النقطة الثامنة التي بموجبها تسمح للحكومة الاتحادية باقتطاع المستحقات المالية لأي محافظة من محافظات الإقليم وتمويلها بشكل مباشر، في حال لم تقم حكومة كردستان بصرف المستحقات المالية للمحافظات، وفقا للمعايير المتبعة في هذا القانون.
وهذا ما دفع الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى وصفها بمحاولة لاستهداف كيان الإقليم والتجاوز على صلاحياته الدستورية.
اعتراض الحزب على هذه الفقرة، جاء بعد محاولات خلال الأعوام الماضية لجعل محافظة السليمانية إقليما مستقلا عن حكومة كردستان، بسبب ما وصف بـ”الغبن” الذي تتعرض له بسبب قلة المخصصات المالية والمشاريع الخدمية وغيرها.
وتنص المادة 14 على إيداع كل أموال نفط الإقليم المصدر والمباع محليا في حساب خاص تفتحه وزارة المالية لدى البنك المركزي العراقي دون أي استقطاع، مع إغلاق الحسابات الأخرى المماثلة.
ووفقا للمادة، فإن وزارة المالية تتولى تمويل مستحقات الإقليم بموجب أحكام قانون الموازنة، وتودع في حساب لحكومة كردستان معتمد من قبل البنك المركزي، ليتسنى لرئيس حكومة الإقليم التصرف بالأموال، تحت إشراف ديوان الرقابة المالية والحكومة الاتحادية.
بعد التصويت، وصف البارزاني ما حدث داخل مجلس النواب بأنه “محاولات غير مسؤولة وغير دستورية تهدف إلى تعميق المشاكل وانتهاك الحقوق المشروعة للشعب الكردستاني”، مؤكدا أنه يعارض وبشدة “أي محاولة تسعى للتجاوز وتقويض كيان إقليم كردستان”.
غياب الثقة
في هذا السياق، يصف العضو البارز في الحزب الديمقراطي الكردستاني وفاء محمد كريم، بيان البارزاني وما تضمنه من لهجة شديدة، بأنه “تحذير لمن يُحاول شقّ صف الإقليم” عندما وصفه بـ”خط الموت”.
وفي حديثه للجزيرة نت، يقرّ كريم بالانعدام الكامل للثقة بين القوى السياسية الشيعية والحزب الديمقراطي الكردستاني، إثر التصويت على قانون الموازنة وما تضمنه من “أنفاس طائفية ضدّ الكرد عمومًا ومنها ما يتعلق بحقوق قوات البيشمركة”، وفق وصفه.
وأكد أن حزبه لن يثق مُجددًا بأي قوى سياسية في العراق مستقبلا، لا سيما فيما يتعلق بتشكيل الحكومات أو تمرير أي مشروع داخل البرلمان.
ويبرّر عضو الديمقراطي موقف حزبه بسبب “عدم التزام تلك القوى بالتعهدات والاتفاقات السياسية”، متوقعًا أن تدخل المرحلة المقبلة “زمنا جديدا على مستوى العلاقات السياسية بين الكرد والقوى السياسية العراقية”، وفق تعبيره.
وأوضح أن حكومة الإقليم -التي يرأسها الحزب الديمقراطي الكردستاني- ستطعن أمام المحكمة الاتحادية، عازيا السبب إلى ما يصفها بـ”محاولة لتفكيك كردستان سياسيا”.
رأي مُخالف
في المقابل، ينفي عضو اللجنة المالية النيابية يوسف الكلابي وجود محاولات استهداف أو إضعاف كيان الإقليم سواء كان السياسي أو المالي في قانون الموازنة.
ويصف الكلابي -هو نائب عن الإطار التنسيقي- فقرة تمويل محافظات كردستان من قبل الحكومة الاتحادية بشكل مباشر في حال لم تقم حكومة الإقليم بواجباتها تجاهها، بـ”الموضوع الإنساني”.
ويُعزز رأيه بأن الحكومة الاتحادية هي الجهة العليا في البلاد، وفيها وزراء وممثلون من الكرد ومن الديمقراطي الكردستاني تحديدا، ولها الحق التدخل عندما يقع الظلم على أي محافظة من محافظات البلاد دون استثناء.
وفي حديثه للجزيرة نت، يتوقع الكلابي أن هناك شخصيات في تحالف “إدارة الدولة” الحاكم، قادرة على تجاوز الأزمة إن حدثت بين أربيل وبغداد، وهذا ما يعني أن المرحلة المقبلة ستشهد حلا للخلافات وليس التصعيد.
سياسة الاحتواء
بدوره، أكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد طارق الزبيدي أن أزمة الثقة بدأت تزداد بين الحزب الديمقراطي والإطار التنسيقي، بحسب حديثه للجزيرة نت.
ويستند الأكاديمي العراقي برأيه على أن تحالف حزب البارزاني مع الإطار التنسيقي، كان اضطراريا وليس خيارا، عازيًا السبب إلى أن خيار الديمقراطي كان مع التيار الصدري، لكن بعد انسحاب الأخير لم يجد أمامه سوى الذهاب مع الإطار ضمن تحالف “إدارة الدولة” لتشكيل الحكومة الحالية.
ويرى الزبيدي أن الإطار التنسيقي وبعد التصويت على الموازنة سيمارس ما يُسميها بـ “سياسة الاحتواء” مع الأكراد، لأنه متخوّف من احتمالية ذهاب الديمقراطي الكردستاني أو كتل أخرى من السنة إلى غريمه السياسي وهو التيار الصدري.
وفي حال حدث هذا الأمر -وفقًا للزبيدي- فإن ذلك يعني نهاية الحكومة الحالية برئاسة السوداني والدعوة لانتخابات مبكرة، وهذا ما يخشاه الإطار التنسيقي الذي يرغب ببقاء الحكومة لـ3 سنوات مقبلة.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.