نشرت صحيفة “واشنطن بوست” (The Washington Post) تقريرا مطولا عن الصراع في تشاد والتدخل الروسي فيه عبر مجموعة فاغنر و”التلكؤ” الذي تمارسه الولايات المتحدة المتنازعة بين تقديم المساعدة العسكرية والأمنية لحليفتها المهمة تشاد وبين ما تدعو إليه من “دفاع عن الديمقراطية”.
وأورد التقرير الذي كتبته راشيل تشاسون مديرة مكتب الصحيفة لغرب أفريقيا إن المسؤولين الغربيين يشعرون بقلق متزايد بشأن استقرار تشاد التي كانت أحد أهم شركاء الولايات المتحدة الأمنيين في غرب أفريقيا وتواجه حاليا نفوذا روسيا متزايدا والعديد من حركات التمرد.
تهديدات أكيدة
وقالت الكاتبة إن تأكيد التهديدات التي تواجهها تشاد أثبتتها العديد من وثائق المخابرات الأميركية المسربة، والتي تصف محاولة مجموعة فاغنر الروسية شبه العسكرية في فبراير/شباط الماضي لتجنيد المعارضين التشاديين وإنشاء موقع تدريب لـ 300 مقاتل في جمهورية أفريقيا الوسطى المجاورة كجزء من “مؤامرة آخذة في التطور. لإسقاط الحكومة التشادية”.
وأضافت أن الوثائق تشير إلى مناقشة في وقت مبكر من ذلك الشهر بين زعيم فاغنر، يفغيني بريغوجين ورفاقه حول الجدول الزمني والتسهيلات لتدريب مجموعة أولية من المتمردين في بلدة أفاكابا، جمهورية أفريقيا الوسطى، بالقرب من الحدود التشادية، والطريق الذي ستستخدمه فاغنر في نقلهم.
وذكرت أن منتقدين لواشنطن يقولون إن مخاوف أميركا الأمنية ساهمت في صمتها وصمت بعض الحكومات الغربية الأخرى عما يصفوه بالقمع التشادي المتزايد في الداخل، وعلى الأخص قتل المتظاهرين السلميين إلى حد كبير على أيدي قوات الأمن في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
تحدي الأمن والديمقراطية
وعلقت تشاسون بأن الجدل حول المدى الذي يمكن أن تصل إليه الولايات المتحدة في دفعها تشاد للالتزام بالقيم الديمقراطية وما إذا كان هذا يمكن أن يعرض المصالح الأمنية في أفريقيا للخطر؛ يجسد التحديات التي تواجه صانعي السياسة الغربيين الذين يسعون إلى دعم الحكومات الحليفة وتعزيز القيم الديمقراطية أيضا، وإن حملة روسيا لإظهار نفوذ أكبر في أفريقيا زادت المخاطر.
وفي رسالة شديدة اللهجة إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن الشهر الماضي، كتب السيناتور روبرت مينينديز، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، أنه “قلق للغاية بسبب عدم وجود استجابة أميركية واضحة وعلنية” لعمليات القتل في أكتوبر/تشرين الأول بالإضافة إلى استمرار الدعم الأميركي للجيش التشادي، مضيفا أن الخطر الذي لم يتم الإبلاغ عنه من قبل، هو “خلق تصور… بأن الولايات المتحدة مستعدة للشراكة مع الأنظمة التي لا تحترم الديمقراطية وحقوق الإنسان طالما أن هذه الأنظمة توافق على التعاون في التصدي للإرهاب ومعارضة النفوذ الروسي”.
مؤامرة للإطاحة بحكومة تشاد
يقول التقرير إن التمرد يلوّن تاريخ تشاد، الدولة المترامية الأطراف التي يبلغ عدد سكانها 16 مليون نسمة والتي تضم عشرات الجماعات العرقية التي تتنافس على السلطة. وقد نجح الرئيس التشادي الراحل إدريس ديبي، الذي أصيب بجروح قاتلة في معركة عام 2021، في إخماد حركات تمرد متعددة خلال فترة حكمه التي استمرت 30 عاما، وأحيانا بدعم من فرنسا، المستعمر التشادي السابق. ويقود تشاد حاليا نجل ديبي الجنرال محمد إدريس ديبي منذ عام 2021.
وما تغير حاليا هو التدخل الروسي، الذي اتسع في أفريقيا مع تراجع شعبية فرنسا. ونسب التقرير إلى دبلوماسي غربي في تشاد، تحدث مثل غيره من الدبلوماسيين بشرط عدم الكشف عن هويته، أن تشاد تواجه احتمال وقوع انقلاب داخلي بالإضافة إلى تهديدات من متمردين متمركزين على حدودها في ليبيا والسودان وجمهورية أفريقيا الوسطى. وترتبط مجموعة فاغنر بعلاقات مع القوات المسلحة أو المليشيات في كل من هذه الدول.
اتحاد كونفدرالي أفريقي
وتقول وثائق المخابرات الأميركية المسربة إن الجهود المبذولة لإثارة تمرد في تشاد هي جزء من حملة أوسع من قبل بريغوجين لإنشاء “اتحاد كونفدرالي موحِّد للدول الأفريقية” عبر القارة، ويضم بوركينا فاسو وتشاد وإريتريا وغينيا ومالي والنيجر والسودان. وتقول إحدى الوثائق “خلال العام الماضي، عمل بريغوجين على تسريع عمليات فاغنر في أفريقيا، وتحويل نهجه من الاستفادة من الفراغات الأمنية إلى تسهيل عدم الاستقرار عن قصد”.
وفي فبراير/شباط الماضي، ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” (The Wall Street Journal) الأميركية أن الولايات المتحدة شاركت المعلومات الاستخباراتية مع السلطات في تشاد مما يشير إلى أن فاغنر كانت تخطط لاغتيال ديبي.
وقال مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأميركية إن الولايات المتحدة “ملتزمة بعملية انتقال ديمقراطي في تشاد” وتواصل الضغط من أجل إطلاق سراح 150 سجينا من السياسيين المحتجزين.
ورغم أن تشاد كانت “شريكا مهما” في عمليات مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل وحوض بحيرة تشاد، قال المسؤول إن ذلك “ليس له أي تأثير على وجهات نظر الولايات المتحدة بشأن الحاجة طويلة الأمد للإصلاح الديمقراطي في تشاد”.
صمت أميركي
في الأشهر التي تلت الأحداث المأساوية في أكتوبر/تشرين الأول، التزمت الحكومة الأميركية الصمت إلى حد كبير. وأشار مينينديز في رسالته إلى بلينكن إلى أن الولايات المتحدة لم تفرض قيودا على السفر أو عقوبات على المسؤولين عن العنف، كما حدث في أعقاب مذبحة عام 2009 على أيدي قوات الأمن في غينيا.
وأشارت الرسالة إلى أن إدارة بايدن لم تدن أبدا استيلاء ديبي على السلطة “بانقلاب”، ودعته إلى واشنطن لحضور “قمة أفريقيا” العام الماضي.
ونقل التقرير عن ريمادجي هويناثي الباحث في معهد الدراسات الأمنية في نجامينا، إن تشاد والغرب يلعبان “لعبة مساومة” عالية المخاطر. فالشرط التشادي بسيط “لا تتحدث عن انتهاكاتي لحقوق الإنسان، وسأدعمك”.
ونسب إلى كاميرون هدسون، أحد كبار المساعدين في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، قوله إن إدارة بايدن كافحت من أجل تحقيق سياسة واضحة بشأن منطقة الساحل في أفريقيا، ويرجع ذلك جزئيا إلى عدم وجود مناقشة نشطة حول كيفية تحقيق التوازن بين الترويج لكل من الشراكات الأمنية والديمقراطية، مضيفا “علينا أن نفعل الأمرين في نفس الوقت، نحن بحاجة إلى ذلك”.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.