يرى بعض المحللين الاقتصاديين أن نظام العملة قد يشهد لاعبين متعددين في المستقبل، حيث سيكون اليورو واليوان هما أكبر المتنافسين مع الدولار، على رغم أن استبداله سيستغرق سنوات، لكن قد تتسارع العملية لصالح العملات الرقمية.
والآونة الأخيرة، باتت العديد من الدول الناشئة تسعى لكسر هيمنة الدولار وتجنب التعامل المفرط بهذه العملة الأميركية، كما حدث عندما فرضت واشنطن والدول الغربية الأخرى عقوبات اقتصادية على روسيا ردا على حربها على أوكرانيا، حيث تعاونت موسكو والحكومة الصينية لتقليل الاعتماد على الدولار وإقامة تعاون بين نظاميهما الماليين.
وقال أندري كوستين الرئيس التنفيذي لبنك “في تي بي” (VTB) -ثاني أكبر البنوك الروسية- لوكالة رويترز إن نهاية هيمنة الدولار قريبة مع صعود اليوان، مضيفا أن بقية العالم يرى خطر محاولة الغرب الفاشلة لإخضاع موسكو بعد حربها على أوكرانيا.
وأضاف أن الأزمة كانت إيذانا بتغيرات كاسحة في الاقتصاد العالمي، وتقوض العولمة في الوقت الذي كانت فيه الصين تتولى زمام القوة الاقتصادية العالمية الكبرى.
ولدى سؤاله عما إذا كان يعتقد أن العالم يخوض حربا باردة جديدة، قال كوستين إنها أصبحت الآن “حربا ساخنة” أكثر خطورة من الحرب الباردة، وإن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي سيخسران من التحركات لتجميد مئات المليارات من الدولارات من الأصول السيادية الروسية، إذ تتجه العديد من الدول إلى تسوية المدفوعات بعملات أخرى غير الدولار واليورو بينما تتجه الصين نحو إزالة قيود العملة.
وأضاف أن الحقبة التاريخية الطويلة لهيمنة الدولار تقترب من نهايتها، وحان الوقت كي ترفع الصين تدريجيا قيود العملة، حيث تدرك الأخيرة أنها لن تصبح القوة الاقتصادية العالمية رقم واحد إذا احتفظت باليوان كعملة غير قابلة للتحويل، ومن الخطر على بكين مواصلة الاستثمار باحتياطيات في السندات السيادية الأميركية.
هيمنة مهددة بالخطر
وفي تقرير لموقع “ماركتس إنسايدر” يقول فيكرام راي (كبير الاقتصاديين في بنك “تي دي” (TD Bank) الأميركي) إنه رغم عدم وجود تهديد فوري قد ينهي هيمنة الدولار بالمستقبل القريب، فإن هذه الهيمنة معرضة بشكل متزايد للخطر.
ومع أن البدائل لا تزال في مهدها نحو الهيمنة، فإنها قد تأخذ يوما ما مكانة الدولار، مما يؤدي إلى إنشاء نظام عملة أقل تركيزا.
ويرى التقرير أنه في غضون العقد أو العقدين المقبلين، هناك إمكانيات كبيرة لظهور عملات مهيمنة إقليميا ونظام دولي متعدد الأقطاب، حيث يشغل الدولار الأدوار الأساسية بالاشتراك مع اليورو واليوان والعملات الرقمية المستقبلية للبنك المركزي، وربما خيارات أخرى لم نعرفها بعد.
وقال راي إنه -كما هو الحال الآن- سيستمر الدولار في السيادة باعتباره العملة الاحتياطية الأكثر انتشارا، وهو اتجاه ظل دون تغيير منذ الحرب العالمية الثانية، كما أنه يمثل 50% من فواتير التجارة العالمية، وهو أحد الأصول الرئيسية في إصدار السندات والخدمات المصرفية عبر الحدود، مشيرا إلى أن استفادة الولايات المتحدة من هذه الميزات، يقابلها إحباط متزايد من تفوق الدولار.
وتابع قائلا إن جهود الصين لاستخدام اليوان في تجارة النفط الخام أدت إلى تقويض الاعتماد طويل الأمد على الدولار في أسواق السلع.
منافسة الدولار
لكن التنازل الكامل عن عرش الهيمنة سيستغرق بعض الوقت، فرغم أن اليورو منافس جاد أمام الدولار، فإن كلا من اليورو واليوان يتنافسان بشكل ضعيف ضد موثوقية الدولار. وعند المقارنة مع سمة الملاذ الآمن للسندات الأميركية، غالبا ما لا تأتي السندات المقومة باليورو من نفس الحكومة، مما يقلل من موثوقيتها.
وأضاف راي أن اليوان لا يزال غير قابل للتحويل بحرية ولا يتوفر على نطاق واسع، وأشار محللون آخرون أيضا إلى أنه أُضعف بسبب الضوابط الصارمة التي تفرضها الصين، مما يجعلها غير مهيأة بشكل جيد لتدفقات السوق الحرة.
ومع ذلك، يمكن لبعض العوامل تسريع عملية إزالة الدولرة، حيث تمثل العملات الرقمية للبنك المركزي أحد هذه التهديدات، إذ تعمل عدد من البلدان بالفعل على هذه التكنولوجيا، وإذا تم تبني هذا الاتجاه، فيمكن أن ينهي الحاجة إلى الدولار في تسوية المدفوعات.
كما أن الأحداث المضطربة تشكل أيضا خطرا على الدولار، ففي وقت تم تجنب التخلف عن السداد بالولايات المتحدة مؤخرا، فإن أحداثا مماثلة في المستقبل يمكن أن تهز الثقة الدولية بهذه العملة وتسرع إضعافها.
وقد تظهر تحديات أخرى أيضا السنوات القادمة، مثل فكرة العملة المشتركة بين أعضاء البريكس، إلا أنه من غير المرجح أن يتحقق اتحاد نقدي كامل بين مثل هذه الاقتصادات المتباينة، رغم أن تلك الدول أبدت التزاما بإجراء المزيد من التبادلات التجارية دون استخدام الدولار.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.