هولاكو خان حفيد مؤسس الإمبراطورية المغولية، ولد عام 1217م، عينه شقيقه مونكو “الخان الأعظم” حاكما وجنرالا على المنطقة الغربية من الإمبراطورية، فقضى على الخلافة العباسية، ثم أسس “دولة الإلخانية” على أراضي فارس بعد تفتت الإمبراطورية المغولية، وحكم العراق 10 سنين، وتوفي عام 1265.
النشأة والولادة
ولد هولاكو تولوي جنكيز خان عام 1217، وهو الابن الخامس لتولوي خان، ومنذ صغره عرف بهوسه واهتمامه الشديد بالحضارة الفارسية.
ورغم تلقيه تعليما مسيحيا على يد كاهن، لم يصبح هولاكو مسيحيا، بل بقي على ديانة المغول مثل والده، ومع ذلك عرف عنه أنه كان مواليا وداعما وحاميا لهم، ويرجع ذلك أيضا لأن أمه سرغاغتاني بكي وزوجته دوقوز خاتون كانتا مسيحيتين.
التجربة السياسية
تكليف من الخان الأعظم
منذ نشأة الإمبراطورية المغولية، وتولي مونكو (الأخ الأكبر لهولاكو) منصب “الخان الأعظم” وتولى هولاكو غزو المنطقة الغربية لآسيا وقمع الطائفة الإسماعيلية المعروفة بالحشاشين التي تحصنت في قلعة “آلموت” ومهاجمة الخلافة العباسية، بأمر من مجلس أمراء المغول “الكورولتاي” عام 1251.
عام 1253 انطلق هولاكو بجيش كبير قوامه 800 ألف مقاتل من منغوليا، فعبر أولا نهر جيحون في آسيا الوسطى، ثم حدود “خانية الجاغاطاي” التي يرأسها الابن الثاني لجنكيز، حتى وصل إلى بلاد فارس عام 1256.
بحلول نهاية عام 1256 كان هولاكو قد استولى على قلعة آلموت، وفتح معظم قلاع الطائفة الإسماعيلية، واعتقل إمامها ركن الدين خورشاه بن علاء الدين، ثم أرسله إلى منغوليا، وهناك أعدم بأمر من “الخان الأعظم” ثم تلا ذلك مذبحة شاملة لأتباع الطائفة.
الاستيلاء على بغداد
وفي طريقه إلى بغداد حمل هولاكو خان معه وصية أخيه مونكو التي قال فيها “حافظ على قوانين جنكيز خان وقوانينه في الكليات والجزئيات، وخص من يطيع أوامرك ويجتنب نواهيك بلطفك وبأنواع عطفك وإنعامك، أما من يعصيك فأغرقه في الذلة والمهانة مع نسائه وأبنائه وأقاربه وكل ما يتعلق به”.
وتضيف الوصية “إذا بادر خليفة بغداد بتقديم فروض الطاعة فلا تتعرض له مطلقا، أما إذا تكبر وعصى فألحقه بالآخرين من الهالكين”.
فبدأ هولاكو مراسلات دبلوماسية مع الخليفة العباسي “المستعصم” في بغداد عام 1257 طالبا فيها استسلامه، لكن المستعصم ورغم ضعف إمكانياته حينها، رفض الخضوع، ورد على هولاكو برسالة أغضبت الآخر حيث قال فيها “أيها الشاب المتمني قصر العمر، ومن ظن نفسه محيطا ومتغلبا على جميع العالم، مغترا بيومين من الإِقبال”.
فرد عليه هولاكو برسالة قال فيها “حينما أقود الجيش إلى بغداد مندفعا بالغضب، فإنك لو كنت مختفيا في السماء أو الأرض، فسوف أنزلك من الفلك الدوار، وسأُلقيك من عليائك إلى أسفل كالأسد، ولن أدع حيا في مملكتك، وسأجعل مدينتك وإقليمك وأراضيك طُعمة للنار”.
فخرج هولاكو بجيشه من مقره في “همدان” باتجاه بغداد، وبدأ بقصفها بعد عبوره نهر دجلة، واستهدفت مجانيقه المدينة المحاطة بالسور من جهة البرج العجمي (أحد أبراج سور بغداد) إلى أن أحدث ثقبا فيه.
استباح هولاكو بغداد 40 يوما، وقتّل أهلها وعاث فيها فسادا ودمَّرها تدميرا كبيرا، فشعر المستعصم بالله وقتها بالخطر، وعمد إلى استعطاف هولاكو طالبا منه تنفيذ وصية أخيه بالحلم والرحمة بهم، لكن هولاكو أبى أن يستمع له، خاصة وأنه لم ينفذ طلبه حين أرسل إليه يطلب مساندته للقضاء على الحشاشين.
وهزم الخليفة المستعصم في المعركة التي جرت يوم 17 يناير/كانون الثاني 1258، وسقطت بغداد في 10 فبراير/شباط، وقتل المستعصم.
وكان من عادة المغول ألا يراق دم أمير أو ملك وقت غزواتهم، فلفوا المستعصم في بساط، ثم أمر هولاكو بضربه أو دعسه حتى الموت، وبموته كانت نهاية الخلافة العباسية.
وصوّر ابن كثير المشهد الدموي في بغداد قائلا “دخل كثير من الناسِ في الآبار وأماكن الحشوش وقُنِيِّ الوسخ، وكمنوا كذلِك أياما لا يظهرون، وكان من الناس من يجتمعون في الحانات، ويغلقون عليهم الأبواب، فتفتحها التتار إما بالكسر أو بالنار، ثم يدخلون عليهم فيهربون منهم إلى أعالي المكان، فيقتلونهم في الأسطحة، حتى تجري الميازيب من الدماء في الأزقة”.
ولشدة عنف هولاكو وقت غزوه بغداد (العاصمة الثقافية والدينية للإسلام وقتها) ظنّ أهلها يومها أنها القيامة، فقد هدم البنايات والمستشفيات، وألقى بالكتب في النهر حتى قيل إنه أسودّ من كثرة الحبر المسال، وأشعل المغول النار في المكتبات فأحرقوا مخطوطات وكتبا نادرة.
وقيل إن أعداد القتلى كانت بمئات الآلاف، لكن النكبة الأكبر على المسلمين كانت في علمائهم وكتبهم ومخطوطاتهم، وأحصى ابن بطوطة 24 ألف عالم قُتلوا على يد المغول عموما، في حين حصر الباحث عبد المنعم حامد عبد علي في دراسة نشرت في مجلة “مداد الآداب” أسماء 62 عالما قتلهم المغول عند غزو بغداد.
عين جالوت.. الهزيمة الأولى
خرج هولاكو من بغداد متجها إلى أذربيجان، ومنها إلى سوريا، بادئا من حلب فدمرها بالمنجنيق بعدما رفض أهلها الخنوع، حتى وصل دمشق التي سلمها أصحابها كي لا يحل بهم ما حل بأهل حلب، إلى أن وصل إلى غزة على حدود مصر منتصف عام 1260.
ثم بعث رسالة لسيف الدين قطز مع 4 رسل، وطالبه بالخضوع والاستسلام، وهدده بالقتال والقضاء على نسائه وأهله وكل من له صله به وببلاده ورعاياه.
لكن المماليك أعلنوا الجهاد وردوا على هولاكو بقطع رؤوس رسله وتعليقها على باب زويلة، وعندما وصل خبر قطع رؤوس السفراء الأربعة إلى هولاكو، أمر نائبه في بلاد الشام كتبغا نويان بتجهيز جيشه للرد على المماليك والانتقام للرسل الأربعة.
لكنه لم يتوقع أن جيشه المنهك من الغزو الطويل، قد باغته المماليك بخطة تكتيكية في معركة عين جالوت، فخارت قوى جنوده وانهارت عزائمهم، وبدؤوا الفرار إلى التلال المجاورة بعدما رأوا قائدهم كتبغا يسقط صريعا في ساحة المعركة على يد أحد القادة المسلمين.
آخر حملاته
بعد هزيمته النكراء التي لم يستسغها هولاكو حتى وفاته، اتجه إلى منطقة القوقاز بين عامي 1262-1263، محاولا الاستيلاء على المنطقة التي يحكمها ابن عمه المسلم زعيم “القبيلة الذهبية” بركة خان، فقد غضب هولاكو لإعلان الأخير حلفه مع أعدائه المماليك.
وجرت معارك بين هولاكو وبركة، ووصلت قوات هولاكو نهر تيريك وكان النصر حليفه حتى حينها، ثم غرقت معظم قواته في النهر بعد انهيار جليد تحت حوافر خيولها، فتكبد خسائر كبيرة جعلته يتراجع ويكتب نهاية تاريخ غزواته.
بلاد الإلخانية
أسس هولاكو دولة “إيلخانات المغول في فارس” ومقرها إيران وعاصمتها مراغة، وهي تتبع للإمبراطورية المغولية اسما فقط، وما لبث وأن تمددت دولته فشملت ولايات من جنوب القوقاز والعراق وشرق تركيا، وحمل لقب إيلخان هو ومن خلفه ويعني “الخان التابع” للخان الأعظم، واستقلت دولته مع بداية تفتت الإمبراطورية المغولية عام 1259م.
ولولعه الشديد بالفارسية أثر على حضارتها وأدبها وأسلوبها الفارسي من عمارة وفن، فما إن أصبح هولاكو خانا على بلاد فارس المسلمة، حتى جمع في ديوانه العديد من الفلاسفة والعلماء والحكماء الفارسيين، وجعل الفارسية هي السائدة بدل العربية.
وفي فترة حكمه بنى مرصد “مراغة” الذي أجرى فيه علماء المسلمين والمسيحيين وحتى علماء الشرق الأقصى أبحاثهم، وقد كانت فكرة نصير الدين الطوسي.
الجانب الآخر من هولاكو
قيل إن هولاكو كان محبا للعلم والعلماء، فقد وصفه مؤرخون مثل رشيد الدين الهمذاني وعطاء ملك الجويني بأنه محب للعمارة وللعلم، وقال عنه الجويني في كتابه “تاريخ فاتح العالم” إن هولاكو “لديه شغف وميل إلى تعمير الخرائب” وقال إنه كان يدمّر ويعمّر.
ويذكر أن هولاكو أمر بإعادة بناء مدينة خبوشان، وتمكن أهلها من العودة إليها بعد سنوات من الخراب. كما ذكر الهمذاني في كتابه “جامع التواريخ” أنه كان محبا للعلم والعلماء، فكان يقربهم إليه ويدعوهم إلى مجلسه، وكان شديد الحب للحضارة الفارسية، ويميل إلى الكيمياء والفلسفة، رغم أن التاريخ كان قد نقل روايات عن دمار بغداد، وعن قتل علمائها بعد دخوله إلى عاصمة العباسيين.
الوفاة
مات هولاكو في 9 يناير/كانون الثاني 1265 وعمره 48 سنة، تاركا وراءه 15 ابنا، وخلفه ابنه أباقا في حكم الدولة الإلخانية.
قيلت في وفاة هولاكو روايتان، الأولى أنه توفي بعد إصابته بالصرع، والثانية أن انتصارات بيبرس المتتالية عليه عام 1261م أحزنته كثيرا حتى أصيب بجلطة في الدماغ مات على إثرها.
ودفن هولاكو على قمة صخرة ارتفاعها نحو 300 متر، فوق سواحل جزيرة شاهي في بحيرة أرومية الواقعة شمالي غربي إيران، وكان التقليد السائد عند المغول أن تدفن جواريه معه ليخدمنه في الحياة الأخرى كما يعتقدون، وكان هولاكو آخر أمير دفن وفق التقاليد المغولية.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.