القدس المحتلة- “لن نرفع الراية البيضاء وسنواصل النضال..” بهذه الكلمات رد التسعيني صياح الطوري أبو مديغم على قرار المحكمة المركزية الإسرائيلية في بئر السبع عدم الاعتراف بحقوق ملكية أهالي بلدة العراقيب لأراضيهم بالنقب، وإقرار المصادرة التي أعلن عنها عام 1954 بتوقيع وزير المالية آنذاك ليفي إشكول.
ومع التلويح بتصعيد النضال الشعبي والجماهيري الذي يقوده الطوري الملقب بـ “شيخ العراقيب” تتحضر عائلتا أبو مديغم وأبو فريح للتوجه إلى المحكمة العليا الإسرائيلية للطعن في مصادرة ما تبقى من أراضي القرية بمساحة 1950 دونما، وإلزام المحكمة بالتداول بحقوق ملكية الأرض اعتمادا على مستندات الطابو التي بحوزة العائلتين.
يقول شيخ العراقيب للجزيرة نت إن حالة القرية تعكس جوهر الصراع على ملكية الأرض مع الحكومة الإسرائيلية التي تسعى إلى مصادرة نحو 800 ألف دونم من سكان عشرات قرى الفلسطينيين التي لا تعترف بها في النقب، بذريعة عدم الحق بالملكية.
وأمام صمود سكان هذه المنطقة وعددها 35 قرية، فإن السلطات الإسرائيلية، كما يقول شيخ العراقيب، تتعمد المراوغة والتحايل على السكان والإغراء بالمال، لإقناعهم بالانتقال للسكن في البلدات المعترف بها، بغية سلبهم أراضيهم بحجة “التطوير والاحتياجات الأمنية”.
“الحاضر الغائب”
يعود النزاع على “حق ملكية الأرض” بين فلسطينيي 48 وإسرائيل، إلى ما بعد النكبة، حيث شرّع الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) عام 1953 قانون استملاك الأرض الذي يختص بأملاك “الغائبين” أي الفلسطينيين الذي طردوا من بلداتهم ومدنهم، وبموجبه صادر مئات الآلاف الدونمات التي يملكها فلسطينيو الداخل (الأراضي المحتلة عام 1948).
ونص القانون الذي حمل اسم “الحاضر الغائب” أيضا على أن كل فلسطيني من الداخل لم يوجد فوق أرضه من العام 1948 حتى أبريل/نيسان 1953، ويتم وضع اليد عليها ونقلها لملكية دولة الاحتلال، وتخصيصها “للصالح العام” ولأغراض أمنية وعسكرية، وبموجب ذلك نقلت مئات آلاف الدونمات من ملكية فلسطينيي 48 إلى إسرائيل.
ملفات محسومة للمصادرة
يقول الشيخ أبو مديغم إن سكان العراقيب يخوضون -أسوة بعشرات العائلات من مختلف القرى ومنذ سبعينيات القرن الماضي- نضالا قضائيا بكل ما يتعلق بحقوق الملكية للأرض، حيث تعمد السلطات الإسرائيلية على التحايل لسلبهم حقوق الملكية، رغم مستندات الطابو والأوراق التي تثبت ملكيتهم.
وأوضح أن تجربة العراقيب التي هدمتها السلطات الإسرائيلية 218 مرة على التوالي، منذ يوليو/تموز 2010، وضعت الحكومات الإسرائيلية أمام تحديات القانون الذي لم يمكنها سلب الأرض، وكذلك أمام صمود السكان وإرادتهم بالثبات في أرضهم.
ورغم أن السلطات الإسرائيلية أبلغت السكان البدو بأن “كل من لديه دعوى بخصوص الملكية على الأرض يمكنه التوجه إلى المحاكم” وقدمت عشرات العائلات دعاوى ملكية، إلا أن غالبية الملفات حُسمت لصالح إسرائيل رغم تمكن العائلات من إثبات ملكيتها للأرض.
ملاحقة وترهيب
يقول الناشط في الدفاع عن الأراضي بالنقب المحامي شحدة بن بري إن السلطات الإسرائيلية وظفت هذا القانون من أجل تهجير وتشريد القبائل البدوية بالنقب، ووضع اليد على أراضيها، ومصادرتها تحت ذريعة استعمالها للتطوير ومشاريع البنى التحتية والأغراض الأمنية والعسكرية.
وأوضح بن بري للجزيرة نت أن العراقيب مسلوبة الاعتراف شكلت نموذجا لكل ما يتعلق بقضية صراع الملكية على الأرض، إذ عمدت السلطات الإسرائيلية إلى استهداف القرية وسكانها الذين يخوضون نضالا للبقاء في بلدتهم وأرضهم، حيث فشلت مخططات طردهم كونهم يحملون مستندات من العهد العثماني تؤكد ملكيتهم للأرض.
واستعرض بن بري نهج المؤسسة الإسرائيلية والإجراءات التي اعتمدتها تحديدا مع عشائر البدو في النقب، حيث استغلت ظروف حياتهم وعملهم بالتنقل من مكان إلى آخر، ولاحقتهم بالدوريات العسكرية وأرهبتهم لإبعادهم عن قراهم وأراضيهم، لتعلن لاحقا مصادرتها وتحويلها لملكية الدولة بموجب قانون “الحاضر الغائب”.
تضليل وتحايل
وأشار الناشط في الدفاع عن أراضي النقب إلى أن السلطات الإسرائيلية أعلنت نقل ملكية أراضي الفلسطينيين لصالح الدولة، على الرغم من أنهم طردوا منها بقوة السلاح، حتى أن العديد منهم عاد وأفلح الأرض قبل تشريع القانون دون إبلاغهم بنصه وحيثياته.
وعلى هذا الأساس، يقول المحامي إن إسرائيل حولت مسطحات واسعة من الأراضي في النقب والجليل إلى ملكيتها بذريعة أن المواطن الفلسطيني -الحاضر في البلاد- غائب ولم يوجد على أرضه، علما بأنه تم تغيبهم قسرا وبطرق التفافية والزعم أنهم لم يوجدوا على أراضيهم.
في حالة العراقيب وعائلتي أبو مديغم وأبو فريح، يقول بن بري “بقيت العائلات، ورغم الطرد والتهجير القسري تسكن على مساحة ألفي دونم من أراضيها إلى يومنا هذا، استنادا إلى أوراق ملكية من الأرشيف العثماني، وكذلك البريطاني”.
ويقول المحامي إن المحكمة في ملف العراقيب “تعمّدت تجنّب حقيقة امتلاك الأهالي أوراقا (ثبوتية) ولجأت إلى شرعنة مصادرة الأراضي تحت ذريعة التطوير للأغراض العامة والأهداف والعسكرية” وهو وجه آخر للتهجير القسري بقوة السلاح، بغية توظيف الأرض للمشاريع الاستيطانية والتهويدية بالنقب.
خيارات ضيّقة
وحذّر بن بري من تداعيات شرعنة المصادرة على مستقبل مئات آلاف الدونمات المملوكة للفلسطينيين، مشيرا إلى أن هذا القرار يمكن اعتماده من أجل مصادرة ووضع اليد على مسطحات أراض تصل إلى 800 ألف دونم (الدونم ألف متر) لسكان القرى مسلوبة الاعتراف التي يقطنها نحو 100 ألف نسمة وتخطط إسرائيل لتهجيرهم وتجميعهم على أقل مساحة من الأرض.
وعن الخيارات لمواجهة قرار المحكمة والمصادرة، يقول المحامي إن الخيارات المتاحة الآن هي الاستئناف إلى المحكمة الإسرائيلية العليا، لكن بن بري لا يعول على هذه المحكمة التي لم تنصف أهالي الداخل الفلسطيني في كل ما يتعلق بالصراع على ملكية الأرض، بل كانت منحازة للسلطات الإسرائيلية وثبتت مزاعمها بالملكية والمصادرة.
وتبقى الخيارات الأساسية -وفق الناشط في الدفاع عن أراضي النقب- هي “الاعتماد على المسار الشعبي وتصعيد النضال الجماهيري والسياسي من أجل نيل الحقوق، وحسم معركة ملكية الأرض لصالح الفلسطينيين بالداخل”.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.