نجاح في الصعيد.. هكذا تصدت عائلات مصرية لحرمان الإناث من الميراث | مرأة


القاهرة- لا تزال قضية حرمان المرأة من الميراث في مصر، ولا سيما في الصعيد جنوبي البلاد، مثار نقاشات ساخنة في المجتمع المحلي، وسط مساع للتصحيح أسفرت عن تجارب ناجحة لدى بعض العائلات لمنح النساء ميراثهن كاملا من دون تلاعب أو انصياع للعادات والتقاليد الخاطئة.

وشغلت القضية كذلك الساحة الدرامية الرمضانية الأخيرة في مسلسلين، هما “عملة نادرة” و”ستهم”، أعقبها جدل مجتمعي واسع، وموقف من “المجلس القومي للمرأة” (جهة حكومية)، حيث حذرت رئيسة المجلس مايا مرسي مؤخرا من مغبة حرمان المصريات من الميراث.

وأقرت مصر للمرة الأولى عقوبات لجريمة منع تسليم الميراث للورثة، ومن بينهن النساء، في العام 2017، طبقا لتعديل تشريعي للقانون رقم 77 الصادر عام 1943 بشأن المواريث.

ونص القانون المعدل في المادة 49 على معاقبة كل من امتنع عن تسليم الوارث نصيبه الشرعي بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر، وغرامة قد تصل إلى 100 ألف جنيه. كما يعاقب كل من حجب أو امتنع عن تسليم مستند يثبت ميراثا بالحبس 3 أشهر، وبغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه.

مايا مرسي رئيسة المجلس القومي للمرأة حذرت من حرمان المصريات من الميراث (الصفحة الرسمية للمجلس على فيسبوك)

تجارب ناجحة

يرى الصعيدي الخمسيني عبد الله علي، أحد الذين نجحوا في إقرار حق أخواته البنات في الميراث بعد 13 عاما من تجميد حقوقهن عائليا، أن الأمر كان أشبه بـ”معركة”، في حين يرى خبيران أن زيادة الوعي واللجوء إلى القضاء سلاحان فعالان لمواجهة تلك الأزمة.

ويوضح علي في حديثه للجزيرة نت أن الإرث ظل 13 عاما بعد وفاة أبيه من دون توزيع على النساء والرجال، بسبب رفض الأم، ولكن مشكلة حدثت لإحدى أخواته عجّلت بتوزيع الميراث وفق الشريعة الإسلامية، بعيدا عن اتباع التقاليد في الجور على الإناث.

ويشير علي إلى أنه ذهب إلى محامٍ له خلفية دينية في المواريث، وناقش معه التركة، ووزعها بالتراضي، رغم استغراب بعض أفراد أسرته من استيفاء البنات حقوقهن كاملة، وعدم القيام بترضيتهن فقط، كما هو الشائع.

ويضيف علي أن نجاحه في إقرار حق أخواته البنات فتح الباب لإيجاد ما وصفه بـ”سابقة” لدى عائلته الكبيرة التي تقيم بين القاهرة ومحافظة سوهاج، جنوبي البلاد، لتحذو حذوهم في إعطاء النساء ميراثهن كاملا وفق الشريعة الإسلامية.

المفارقة، بحسب علي، أن والدته كانت إحدى ضحايا عدم أخذ الميراث بالكامل، إذ حصلت من أخواله على “ترضية” فقط، لا تساوي حقها في الميراث، موضحا أن تلك المشكلة تنتشر في الصعيد وبعض المحافظات الأخرى مثل المنوفية، شمالي البلاد.

وفي محافظة المنيا، جنوبي البلاد، يوضح الشاب علي المصري أن بيتهم لم يعان من تلك الأزمة، بسبب اتفاق أخواله على تطبيق الشريعة الإسلامية، لدرجة أنه لا يتذكر أي جدل حول الأمر في البيت، وهو ما تكرّر من أبيه مع عمته، احتراما للتعاليم الدينية.

ويشير إلى أن هناك بيوتا فيها أفراد متدينون، ولكن القرار في يد آخرين من أشقائهم الذين يرفضون توريث النساء، “وهو أمر سائد في الصعيد”، وفق تعبيره.

ويوضح المصري، في حديثه للجزيرة نت أن انتشار حرمان نساء الصعيد من الميراث يأتي انسياقا وراء بعض التقاليد الموروثة، من بينها أن “الأرض لا تذهب لغريب (أي زوج الأخت)”، و”الترضية بالمال أفضل”، رغم أنها ترضية لا تستوفي الحق وقد تساوي ربع الميراث الحقيقي للبنت، وفق بعض الحالات.

الأزمة تمتد من الصعيد إلى الأرياف

تروي الخبيرة الاجتماعية ومديرة مركز “أسرتي للاستشارات” الدكتورة منال خضر قصة أخرى حصلت فيها المرأة على حقها بطريقة مختلفة.

فقد أقدمت جدة من أرياف مصر على “التنكيل” بزوجة ابنها المتوفي، وحرمانها وحفيدها الذي كان يبلغ حينئذٍ 3 سنوات من الميراث بسبب رفض هذه الأرملة الزواج من شقيق زوجها.

وكافحت الأخيرة في تعليم ابنها بعيدا عن أهل والده الذين قاطعوها، حتى صار مهندساً كبيراً، واشترى ميراث والده وأعمامه من ماله الخاص، قبل أن تطلب جدته منهما العفو على سرير الموت.

وتوضح منال خضر، في حديثها للجزيرة نت، أن الأزمة تمتد من الصعيد إلى الأرياف، ويكثر فيها ظلم النساء للنساء، بحسب رصدها، بسبب عدم وعي المصريات بحقوقهن، وإعلاء العائلات للموروثات الثقافية الخاطئة المنافية للدين الاسلامي، وتحقير شأن المرأة، والزعم بأن الأرض الموجودة في الإرث ـ مثلاًـ ليست للنساء، وبخسهن حقهن حتى عند التراضي، رغم أن المرأة شخصية اعتبارية لها ذمة مالية مستقلة.

وتعزو خضر الأزمة الراهنة إلى عدم اهتمام النظم التعليمية الحالية بتوعية الأولاد والبنات بالمواريث وحصصهم التي قررها الإسلام، بحكمة قد تقتضي إعطاء المرأة أضعاف الرجل في حالات بعينها معروفة عند علماء الشريعة، “إلى جانب عدم قيام مؤسسة الأزهر والجهات الدينية الأخرى بواجبها في أعماق الريف والصعيد، وخصوصا في هذه القضية المحسومة”، وفق تعبيرها.

وتطالب منال خضر المصريات -في أي مكان- بعدم الخوف، والتحرك للمطالبة بحقوقهن والاستعانة بعلماء الأزهر في محيطهن، وعدم القبول بقسمة التراضي التي لا توفي حقهن طبقا للشريعة الإسلامية، والاتجاه إلى القضاء بعد استنفاد جميع السبل العائلية الأخرى.

اللجوء إلى القضاء

يرى القاضي السابق المستشار محمد سليمان أن تكثيف اللجوء إلى القضاء قد يساعد على تقويض هذه الأزمة ومواجهة الموروثات القديمة التي تدعمها، مؤكدا للجزيرة نت أن القانون بعد تغليظه كافٍ في المواجهة، وأن القضاء قادر على ردع من يحرم النساء من ميراثهن.

ويدعو سليمان، الذي شغل سابقا منصب رئيس المحكمة الابتدائية في محافظة سوهاج، جنوبي البلاد، المرأة إلى الذهاب إلى القضاء وعدم التورّع تحت زعم المحافظة على الروابط الأسرية والأخوية، في ظل عدم محافظة الرجال عليها، مؤكدا أهمية دعم الجهات المعنية لحقها في التقاضي، الذي يبدو مكلفا اقتصاديا على البعض، مما يعرقل القضاء في إنصافها.

ويشير المستشار سليمان إلى أن المنازعات حول ميراث النساء خارج المحاكم في مصر أكثر بكثير من المنازعات داخل أروقة القضاء، الأمر الذي يستدعي زيادة الوعي وتبني السلطات المعنية لحملات توعية عاجلة لتصحيح الأوضاع.


اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Previous post مصر تستضيف ورشة عمل عن النظم الغذائية المستدامة خلال مايو الجارى
Next post فضيحة جديدة تلاحق شرطة لندن.. ضابطان اغتصبا سيدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading