بينما لا يزال الخلاف محتدما حول أزياء البحر المخصصة للنساء، واستمرار الجدل الموسمي في قضية ارتداء المرأة “البوركيني” (ملابس سباحة مخصصة للنساء تغطي الجسم بالكامل)؛ انتشرت صور لعدد كبير من السيدات يرتدين أقنعة مختلفة الألوان والأشكال على الشواطئ الصينية، حتى أنها باتت أحدث صيحات الموضة، وسط موجات الحر غير المسبوقة في الصين هذا العام.
للوهلة الأولى، قد تظن أن ثمة حفلا تنكريا على الشاطئ، ولكن تنتهي التكهنات بمجرد أن تعرف أنه لباس بحر جديد بقناع للوجه يغطي كامل الرأس للحماية من أشعة الشمس، ويعرف باسم “الفيسكيني”.
وتتكون كلمة “فيسكيني” من مقطعين: “فيس” بمعنى الوجه، و”كيني” وهو المقطع الأخير من كلمة “بكيني”، وهو عبارة عن سترة مطاطية تغطي الجسم أثناء السباحة، مثل “البوركيني”، غير أنه يشمل الوجه والعنق أيضا لأنه يتضمن قناعا مصمما بألوان مختلفة ومزودا بفتحات مخصصة للعينين والأنف والفم، ويتميز بأنه خفيف الوزن ومصنوع من ألياف مقاومة للأشعة فوق البنفسجية.
الحفاظ على البشرة
تختلف معايير الجمال في دول شرق آسيا، وتعد البشرة الفاتحة مؤشرا كافيا على المكانة الاجتماعية والاقتصادية، ويتم تعزيز هذه الثقافة من خلال السينما والتلفزيون والموسيقى، ولهذا تخشى النساء من أشعة الشمس، وتحظى منتجات تفتيح البشرة بشعبية كبيرة في الصين وكوريا الجنوبية.
ويعد هذا سببا رئيسيا لرواج تجارة “الفيسكيني” في الصين لحماية الوجه من التداعيات الضارة لأشعة الشمس على البشرة، مثل ظهور البقع الداكنة والنمش (بقع صغيرة بنية اللون تظهر على جلد الوجه)، إضافة إلى حماية الجلد من الأشعة فوق البنفسجية للوقاية من خطر الإصابة بسرطان الجلد، كما يتم الترويج “للفيسكيني” أيضا لتفادي لدغات قناديل البحر والطحالب المختلفة، حسب تقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية.
“الفيسكيني” مقابل كريم الوقاية من الشمس
تقول رئيسة قسم الجراحة التجميلية في مستشفى أرتميس جورجاون في الهند دكتورة فيبول ناندا إن “الفيسكيني” قد يحمي البشرة من الأشعة فوق البنفسجية، لأن القماش المستخدم في صناعته يعمل حاجزا واقيا من أشعة الشمس الضارة؛ مما يحمي الجلد من حروق الشمس المحتملة.
وتشير ناندا إلى أن “الفيسكيني” قد يكون خيارا مناسبا لأصحاب البشرة الحساسة للشمس، أو لمن لا يفضلون استخدام المنتجات الكيميائية، غير أنه يحد من تعابير الوجه ولغة التواصل، وينبغي الاعتناء بنظافته لمنع تهيج الجلد.
من جهتها، ترى اختصاصية الأمراض الجلدية والتجميل في مدينة مومباي بالهند جيتيكا بياني أن “الفيسكيني” وإن وفر الحماية من أشعة الشمس، فإن ارتداءه فترات طويلة من شأنه أن يسبب الطفح الجلدي والتعرق ومشاكل في التنفس، وتقترح بياني أن من الأفضل اتباع الخطوات الأساسية للحماية من أشعة الشمس وضمان صحة الجلد على المدى الطويل، وهي:
- وضع طبقة سميكة من كريم الوقاية من الشمس على الوجه والرقبة كل 3 ساعات.
- البحث عن أماكن الظل عندما تكون الشمس ساطعة، خاصة في فترة الظهيرة.
- ارتداء ملابس آمنة ومناسبة واستخدام قبعات واسعة الحواف.
“الفيسكيني” موضة قديمة تعود من جديد
ينتشر “الفيسكيني” في كل شواطئ الصين تقريبا، ولكنه يتمتع بشعبية واسعة في تشينغداو بمقاطعة شاندونغ (شمال شرقي الصين)، والمعروفة بشواطئها الخلابة، وظهر أول مرة في هذه المدينة عام 2004 عندما ابتكرته سيدة تدعي تشانغ شيفان بعدة ألوان وأشكال، ونظرا لتصميمه غير التقليدي اكتسب شهرة عالمية وتداولته الصحف الدولية.
“الوقاية من الشمس لم تكن هدفا في بداية تصميم الفيسكيني كما يعتقد كثيرون”، كما توضح تشانغ التي كانت تعمل محاسبة، مؤكدة أن ابتكاره في الأساس كان للحماية من لسعات قناديل البحر التي تظهر كثيرا على ساحل البحر الأصفر حيث تقع مدينة تشينغداو، ويصل طول الواحد منها إلى نحو مترين ويزن 100 كيلوغرام، مما يشكل تهديدا لمرتادي الشواطئ.
واستلهمت تشانغ فكرة “الفيسكيني” من واقع قصة عاشتها في طفولتها عندما كانت في السادسة من عمرها، حيث استضافت عائلتها ذات يوم ممرضة عسكرية في نهاية يوم كامل من تدريبها في البحر، وكانت الممرضة أصيبت بلسعات قنديل البحر وظهرت البقع الحمراء على وجهها، وتتذكر تشانغ أنها لم تستطع النوم في تلك الليلة بسبب تألم الممرضة، حسب موقع “نيوتشا” المتخصص في تسليط الضوء على نماذج الإبداع في آسيا.
انتشاره خارج الصين
وفي عام 2014، نشرت مجلة “سي آر فاشن بوك” المتخصصة في الموضة والأزياء -ومقرها نيويورك- تقريرا مرفقا بجلسة تصوير لعارضات يرتدين “الفيسكيني”، مما منحه شهرة عالمية رغم أن المجلة لم تقصد الترويج لفكرة “الفيسكيني” بقدر ما كانت تسلط الضوء على معايير الجمال المتناقضة بين الشرق والغرب والتدابير المبالغ فيها من قبل الآسيويات لتفادي تأثير أشعة الشمس على بشرتهن، بينما تأمل المرأة في الولايات المتحدة الأميركية وإنجلترا الحصول على سُمرة ذهبية جذابة، وجاء في افتتاحية المجلة أنه “في آسيا لا تعني سمرة الوجه رحلة إلى شواطئ كابري، بل تعني فقرا وساعات من العمل الشاق”.
أثارت هذه الصور فضول المجلات الدولية لإجراء المقابلات الصحفية مع تشانغ التي أصبحت تصدّر “الفيسكيني” إلى اليابان وأستراليا والولايات المتحدة الأميركية وإنجلترا، إلى جانب مبيعات هائلة في جميع المقاطعات الصينية.
وذكرت تشانغ أنها تعمل على تطوير تصميم “الفيسكيني” مع كل صيف، وتستعين بفنانين محليين لرسم الملامح البشرية على القناع مثل الحواجب والشعر، ومؤخرا تم تعزيز القناع برسوم غير مسبوقة مستوحاة من الفلكلور الشعبي الصيني أو الحيوانات المهددة بالانقراض، وتقول “أردت أن أفعل كل ما بوسعي حتى لا تُخيف الأقنعة الأطفال ومرتادي الشاطئ”، خاصة مع الانتقادات الموجهة لقناع الوجه كل عام”.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.