من المنع إلى السقف العالي.. كيف تطورت علاقة عادل إمام مع الرقابة خلال مسيرته الفنية؟ | فن


ينقضّ الصحافي المشاغب عادل (عادل إمام) على رجل الأعمال الفاسد فهمي الكاشف (فريد شوقي) بالساطور، لا يتركه إلا وقد صار جثة هامدة غارقة في الدماء أمام حراسه ومعاونيه في مقر عمله، ثم يجلس عادل على مقعد في هدوء ويصيح: “فين (أين) البوليس؟ هاتولي البوليس!”.

تلك النهاية الصادمة لفيلم “الغول” (1983) أثارت حفيظة الرقابة، وتسببت في وقف عرض الفيلم قبل ساعات من طرحه في السينما بعد أن نشرت دور العرض إعلاناته وملصقاته، وذهب الجمهور لمشاهدة الفيلم الجديد لنجمهم عادل إمام ونيللي وفريد شوقي، فلم يجدوا فيلما، بل أقاويل بأن الرقابة منعته لتشابه نهايته مع مشهد آخر شاهده العالم أجمع قبل عامين، حين تم اغتيال الرئيس أنور السادات وسط رجاله.

يحكي الناقد سمير فريد في كتابه “تاريخ الرقابة على السينما في مصر”، أن الرقابة منعت العرض الأول لفيلم “الغول” بسبب وجود تشابه بين اغتيال الشخصية الرئيسية في الفيلم وبين مشهد اغتيال الرئيس السادات، قبل أن تعود عن قرارها وتسمح بعرضه بعد أسابيع.

كما يؤكد كاتب السيناريو وحيد حامد أن صدامه الأكبر مع الرقابة جاء في “الغول”، حيث كشف خلاله عن رؤيته لمرحلة الانفتاح وفساد رجال الأعمال خلال عهد الرئيس أنور السادات، وكتبت الرقابة عن العمل أنه “يقلّب الطبقات الاجتماعية على بعضها، وضد النظام القائم في البلاد”.

“إحنا بتوع الأتوبيس”

لم يكن “الغول” أول أعمال عادل إمام التي تصطدم مع الرقابة؛ ففي نهاية السبعينيات، قدّم مع عبد المنعم مدبولي والمخرج حسين كمال فيلم “احنا بتوع الأتوبيس”، الذي تناول التعذيب في السجون في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، حيث تقود الصدفة اثنين ليس لهما أي نشاط سياسي يتورطان في مشاجرة عادية في حافلة نقل عام إلى قسم الشرطة، ومنه إلى المعتقل السياسي.

قدم كاتب السيناريو فاروق صبري -عن قصة حقيقية للكاتب جلال الدين حمامصي- الفيلم للرقابة، وظل السيناريو معلقا لعشر سنوات حتى حصل على الموافقة عندما أصبحت الأجواء السياسية مهيأة لذلك، لكن “إحنا بتوع الأتوبيس” أثار انتقادات الناصريين بشدة عند عرضه.

أزمة “خمسة باب”

وفي أغسطس/آب 1983، نشرت الصحف المصرية قرار وزير الثقافة بمنع عرض فيلمي “درب الهوى” لمديحة كامل ومحمود عبد العزيز و”خمسة باب” لعادل إمام ونادية الجندي، مما أثار حملة صحفية واسعة بين مؤيد لقرار منع الأفلام “التافهة” أو “الجنسية”، وبين من يطالبون بحرية التعبير أو اللجوء إلى الحذف والعرض بدلا من المنع كليّا.

كما أثار فيلم “عنتر شايل سيفه” لعادل إمام في العام نفسه استياء النقاد، إذ كتب الناقد سامي السلاموني في مجلة “الكواكب” تحت عنوان “السادة الرقباء”، متسائلا كيف يتناول العمل سمعة مصر، في الوقت الذي يعرض فيه إمام “عنتر شايل سيفه”؟ وكيف وافق إمام على أن يمثل دور فلاح مصري يركب الطائرة بـ”المقطف”؟ وكيف وافقت الرقابة على عرضه بنجاح ساحق؟ “أين كانت سمعة مصر أم إن عادل إمام حرام فقط في خمسة باب؟”.

“الإرهابي” ودعم رسمي

أما في تسعينيات القرن الماضي، فاقترب إمام من السياسة كما لم يفعل من قبل، حين قدم فيلم “الإرهابي” (1994) مع لينين الرملي مؤلفًا ونادر جلال مخرجًا، ممثلا إدانة سينمائية لسلوك الجماعات المتطرفة، دون أن تستطيع الرقابة الاقتراب من الفيلم، وأفلت من قبضتها بسبب جماهيرية ونجومية إمام.

بل حظي الفيلم بدعم رسمي من الدولة، ورعاية وحماية من دور العرض، كما وفرت الحماية الخاصة للعاملين به إنتاجا وإخراجا وأداء، وفقما يؤكد علي أبو شادي في كتابه “السينما والسياسة”.

“الزعيم”

مثلت التسعينيات أهم مراحل علاقة السماح لعادل إمام بتقديم موضوعاته السياسية الكوميدية دون معوقات رقابية كبيرة، فقدم أهم أفلامه مع وحيد حامد وشريف عرفة مثل “المنسي” و”اللعب مع الكبار” و”الإرهاب والكباب” و”طيور الظلام” و”النوم في العسل”.

وعلى خشبة المسرح، قدّم عمله المسرحي السياسي الأهم مسرحية “الزعيم” من إخراج شريف عرفة، واستمر عرضها من 1993 إلى 1999، وقدم خلالها شخصية رئيس جمهورية دكتاتور وشبيهه الممثل الكومبارس، وصار عنوان المسرحية شديدة النجاح مقترنا بلقب عادل نفسه “الزعيم”.

يرى محمود قاسم في كتاب “الفيلم السياسي في مصر”، أن الدور الذي جسده إمام في مسرحية الزعيم ساعد السينمائيين على الاقتراب من شخصية رئيس الجمهورية في أفلامهم إلى أقرب مساحة ممكنة؛ سواء بتزلفه أو انتقاده في أقرب الحدود، وقد أتاحت الرقابة الفرصة لهذه الأفلام طالما خرجت دون إشارة سلبية مباشرة إلى شخصية الرئيس، فجاء فيلما “طباخ الرئيس” و”جواز بقرار جمهوري” وغيرهما.

ورغم كل الانتقادات التي وجهها إمام في أفلامه للحكومة، فإن بعض الصحافيين اتهمه بمحاباة السلطة من خلال تقديمه أفلاما تنتقد الفساد من جهة، ودعوة الوزراء إلى العروض الخاصة للأفلام والتقاط الصور معهم من جهة أخرى.

قيل أيضا إن إمام استغل علاقته مع كبار رجال السلطة في عهد مبارك في تجاوز مقص الرقابة، بالمقابل استفادت السلطة من هذه العلاقة للدعاية بتأييدها لحرية التعبير.

“السفارة في العمارة”

ورغم جو الانفتاح الذي عاشته السينما المصرية في التسعينيات، فإن خطوطا حمرًا لم يقترب منها أحد، أبرزها علاقة مصر بإسرائيل.. فهل كان عادل إمام استثناء؟

حولت الرقابة فيلم “السفارة في العمارة” (2005) لمباحث أمن الدولة نظرا لحساسية السيناريو، الذي يحكي قصة مهندس مصري يعود إلى القاهرة بعد سنوات اغتراب ليكتشف أنه يسكن في العمارة نفسها التي توجد بها السفارة الإسرائيلية، فيقرر خوض معركة لطرد السفارة من عمارته، رافعا شعار “يا أنا يا السفارة في قلب العمارة”.

يكشف الفيلم الفرق الشاسع بين موقف الحكومة الرسمي من التطبيع مع إسرائيل، ورفض معظم فئات الشعب المصري هذا التطبيع، لاسيما مع استمرار عنف الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينين.

يحكي إمام أنه لجأ إلى رئيس ديوان رئاسة الجمهورية السابق زكريا عزمي، شاكيا تعطيل أمن الدولة الفيلم، قبل أن يقرر اللجوء لرئيس الجمهورية حسني مبارك مباشرة، الذي أرسل له رسالة تقول “اشتغل يا عادل”، وبعدها وافق وزير الداخلية على “السفارة في العمارة”.

“عمارة يعقوبيان”

في العام 2006، عرض فيلم “عمارة يعقوبيان” عن قصة علاء الأسواني، وسيناريو وحيد حامد، وإخراج مروان حامد في أول أفلامه، ومن بطولة أهم نجوم السينما المصرية مثل عادل إمام ونور الشريف.

أثار الفيلم ضجة واسعة، وناقش مجلس الشعب المصري وقف عرضه، لتقابله شركة الإنتاج بحملة إعلانية صحفية ضخمة تخاطب السلطات بالتمسك بحرية التعبير، ورأى صناعه أن هذه الحملة ضده تهدف لصرف النظر عما يطرحه الفيلم من فساد وخلل اجتماعي في هذه المرحلة، ولم يتم وقف العرض.

المؤكد أن ما يمكن للزعيم تقديمه لا يمكن لنجم آخر أن يقدمه، فقد تجاوز خطوطا حمرًا بالفعل بتقديم قضية العلاقة بين المسلمين والأقباط في “حسن ومرقص” (2008)، وهي قضية شديدة الحساسية عادة ما ترفضها الرقابة.

منع “نفسية الرئيس”

ورغم ارتفاع سقف أعمال “الزعيم”، فإنه واجه منع الرقابة في 2018 حين رُفض سيناريو مسلسله “نفسية الرئيس”، والذي أراد أن يجسد فيه شخصية طبيب نفسي يعالج رئيس الجمهورية، وقرر إمام حينها عدم خوض هذه المعركة مع الرقابة، وتكليف ورشة السيناريو الذي كتبته بإعداد سيناريو جديد، قبل أن يغيب عن موسم رمضان 2019، ويقدم آخر أعماله في موسم رمضان 2020 بعنوان “فلانتينو”.

في عيد ميلاده الـ83، يبقى إمام أشهر فنان مصري تربّع على القمة لعقود طويلة، وتناول قضايا شائكة مختلفة خلال أفلامه ومسرحياته، فاصطدم أحيانا مع الرقابة أو السلطة أو بعض من فئات المجتمع، فأثار غضب المحامين بفيلم “الأفوكاتو”، ونواب مجلس الشعب بفيلم “الجردل والكنكة”، أو حتى الجماعات المتطرفة في “الإرهابي”، والحكومة في “الإرهاب والكباب”، أو مع التيارات السياسية الدينية في “طيور الظلام”، قبل أن يتناول قضية التطبيع في “السفارة في العمارة”.

ورغم كل ما أثارته أفلامه من جدل وأزمات، فإن عادل إمام بقى الفنان الجماهيري المفضل لدى شريحة واسعة من المصريين والعرب.


اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Previous post سوف يواجه كنتاكي أيه جي دانيال كاميرون الحاكم آندي بيشير في سباق حكام الولاية
Next post كليتشدار أوغلو يغازل أوغان: سنعيد اللاجئين إلى أوطانهم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading