طهران- على وقع التوتر المتصاعد بين طهران وكابل بشأن حصة إيران من مياه نهر هلمند والخلاف مع تركيا حول سياسة بناء السدود على الممرات المائية المشتركة، جاءت التقارير الإيرانية الرسمية عن انخفاض منسوب مياه بحر قزوين وتزايد وتيرة تراجعه خلال السنوات الأخيرة.
وتعليقا على وصول موجة الجفاف إلى بحر قزوين، كشف مساعد الرئاسة الإيرانية ورئيس منظمة حماية البيئة علي سلاجقة، عن انخفاض المياه المتدفقة إلى البحر جراء إغلاق بعض دول الجوار الأنهار التي تصب فيه، لا سيما نهر الفولغا الروسي.
وفي تصريحات صحفية، تحدث سلاجقة كذلك عن دور تراجع هطول الأمطار خلال السنوات الماضية في انخفاض منسوب مياه بحر قزوين، موضحا أن الأرقام تشير إلى تراجع مستوى مياه البحر بمعدل متر واحد خلال السنوات الخمس الأخيرة، مما يعني أن سطح المياه يتراجع سنويا بمعدل 20 سنتيمترا.
ويُعتبر بحر قزوين أكبر مسطح مائي مغلق على الكرة الأرضية، وثاني أكبر وأغنى منطقة بثروات النفط والغاز في العالم. وتبلغ مساحته نحو 370 ألف كيلومتر مربع، وأقصى عمق له 890 مترا، وتقتسم شطآنه -بنسب متفاوتة- كل من إيران وتركمانستان وكازاخستان وروسيا وأذربيجان.
وتيرة تراجع متصاعدة
وفي تقرير لوكالة أنباء “إرنا” الرسمية تحت عنوان “تقلّص بحر قزوين”، جاء أن أبحاث المركز الوطني للدراسات وبحوث بحر قزوين استشرفت عام 2017 تقلص مياه البحر بحلول 2050، موضحة أن وتيرة تراجع مياهه بدأت في تسعينيات القرن الماضي وبلغت 170 سنتيمترا خلال عقدين من الزمن.
وترجع الدراسة هذا الانخفاض إلى تغيير المناخ، لا سيما تراجع هطول الأمطار وارتفاع حرارة الجو مما يزيد من سرعة تبخر المياه، موضحة أنه في حال استمرت وتيرة تراجع المياه فإن نحو 20% من السواحل الشمالية ستتعرض للجفاف خلال الفترة المقبلة.
ووفقا للدراسات الإيرانية، فإن منسوب مياه بحر قزوين كان قد تقلص قرابة نصف متر في الفترة الممتدة من 2014 حتى 2021، مما أدى إلى تراجع كبير في مياهه وجفاف شواطئه من 10 أمتار إلى 100 متر على امتداد سواحل البلاد الشمالية.
وحذّر ناشطو حماية البيئة من نتائج استمرار تقلص منسوب المياه في البحيرات الداخلية والتداعيات السلبية المترتبة على جفاف الأنهار وآثارها على التركيبة السكانية والاقتصاد، وذلك بعد أن قامت السلطات الإيرانية بالتخطيط لنقل مياه بحر عمان إلى المحافظات الجنوبية والشرقية، وكذلك نقل مياه بحر قزوين إلى وسط البلاد حيث تعاني مناطق شاسعة جراء التصحر المتزايد.
كارثة بيئية وتداعيات سكانية
من ناحيته يقول الناشط البيئي بشير فرهانيان، إن الإعلان الرسمي عن انخفاض منسوب مياه بحر قزوين نزل كالصاعقة على الرأي العام الإيراني في ظل موجات الجفاف التي تضرب البلاد منذ سنوات وأدت إلى محو عدد من البحيرات الإيرانية، منها هامون وجازموريان (شرق) وبختكان (جنوب) ونمك قم (وسط) وأورميه (شمال غرب) وغيرها.
وفي حديثه للجزيرة نت، يقول فرهانيان، إنه إثر جفاف العديد من أنهار ومستنقعات البلاد كانت الهجرة الداخلية قد بدأت منذ أكثر من عقد من المحافظات الجنوبية والشرقية والوسط إلى المناطق الشمالية، لا سيما شواطئ بحر قزوين السياحية التي تتمتع بطبيعة خلابة.
وأظهرت إحدى دراسات مركز الأبحاث التابع للبرلمان الإيراني -قبل شهرين- أن نحو مليون مواطن إيراني يهاجرون سنويا من المحافظات الحدودية إلى المناطق الأخرى، محذرة من أن استمرار وتيرة هذه الهجرة سيكثف من التوزيع غير المتكافئ للسكان خلال العقود المقبلة.
ودعا فرهانيان إلى تنشيط الدبلوماسية والتكاتف الدولي من أجل عدم تكرار الكارثة التي خلفها جفاف مستنقع “هور العظيم” جنوبي بلاده وتداعياته المدمرة على إيران والدول الجوار.
وأضاف أنه في حال جفاف المستنقعات الواقعة على سواحل بحر قزوين فإن المنطقة الممتدة من غرب الصين حتى شرق أوروبا سوف تتأثر سلبا بتداعياتها البيئية، ناهيك عن عرقلة التجارة والملاحة والقضاء على مئات الكائنات البحرية ومنها أسماك “الكافيار”.
عوائق وحلول
من جهته، يعتبر محمد درويش، المساعد السابق لرئاسة منظمة حماية البيئة الإيرانية ورئيس لجنة حماية البيئة في كرسي اليونسكو للصحة الاجتماعية، أن حياة بحر قزوين مرهونة بتدفق مياه نهر الفولغا الروسي إليه، موضحا أن إجمالي مياه الأنهار التي كانت تصب من إيران وأذربيجان وكازاخستان وتركمنستان إلى بحر قزوين لا يتجاوز 6 مليارات متر مكعب سنويا، بينما كان حجم المياه المتدفقة عبر نهر الفولغا يبلغ نحو 930 مليار متر مكعب.
وفي حديثه للجزيرة نت، يشير درويش إلى أن روسيا بدأت ببناء عشرات السدود على نهر الفولغا بسبب تغيير المناخ والتخطيط لتأهيل مناطق شاسعة من سيبيريا للعيش مستقبلا، ولخّص أبرز أسباب تراجع منسوب مياه بحر قزوين في المحورين التاليين:
- تسابق الدول المطلة على البحر في بناء السدود ومنع تدفق مياه الأمطار إلى البحر، وتحلية مياهه ونقلها إلى عمق أراضيها، وتراجع معدلات هطول الأمطار في حقل بحر قزوين والدول المطلة عليه، مع زيادة تبخّر المياه إثر ارتفاع درجات الحرارة.
- وأوضح أن معدّل هطول الأمطار في بلاده تراجع إلى 250 مليمترا سنويا، في حين يصل معدّله العالمي إلى 800 مليمتر. وقدّم درويش مقترحين لإنقاذ بحر قزوين: الأول عبر تنشيط الدبلوماسية لضمان حصة البحر من مياه الأنهار ولا سيما نهر الفولغا.
أما الثاني، فيتمثل في ربط بحر قزوين بأعالي البحار على غرار الخط البحري الذي كان ممتدا بين بحري قزوين والأسود عبر نهري الفولغا والدون بطول نحو 100 كيلومتر حتى قبيل قطع نهر الفولغا على بحر قزوين. ولكنه استدرك قائلا إن شق قناة بين بحري قزوين والأسود يحتاج إلى إرادة واستثمار دوليين.
حسابات سياسية
ولا تخلو القراءة الإيرانية في تراجع منسوب مياه بحر قزوين من نظرية المؤامرة، انطلاقا من الخلاف القانوني بين الدول المتشاطئة حول استغلال ثرواته الهائلة من النفط والغاز والذهب والنحاس واليورانيوم والنزاع على حصصها، إذ يشير مدير معهد العلاقات الدولية مجيد زواري إلى المعاهدات الموقعة بين طهران والاتحاد السوفياتي بشأن السيطرة على البحر بالمناصفة.
وفي حديثه للجزيرة نت، يوضح زواري أن الخلاف على اعتبار قزوين بحرا أو بحيرة يشكل عقبة أساسية أمام تحديد ملكية ثرواته، مؤكدا أنه بعد تمسك الجانب الإيراني بحقه في امتلاك نصف البحر وفقا للمعاهدات الموقعة مع الجانب السوفياتي هناك من يريد تقليص حصته كثيرا، مما يشكل نقطة خلافية في ترسيم الحدود البحرية بين الدول المتشاطئة.
ونظرا إلى اختلاف عمق البحر قرب شواطئ كل من الدول المطلة عليه مما يؤثر سلبا أو إيجابا في نفقات الاستثمار، يرى زواري أن انخفاض منسوب مياهه سيجفف مناطق شاسعة من شواطئه الشمالية ويفتح المجال على مصراعيه لبعض الدول المعنية لتطالب بحصص جديدة على حساب الدول الأخرى ومنها إيران، حيث يبلغ عمق البحر في مياهها الإقليمية قرابة ألف متر.
وعما إذا ما كان سيؤدي استمرار تراجع منسوب مياه بحر قزوين إلى جفافه نهائيا، يستبعد رئيس لجنة البيئة في غرفة إيران للتجارة والصناعة فرشيد شكر خدائي تحقق هذا السيناريو في الجانب الإيراني، بسبب عامل العمق الذي يتمتع به البحر في المناطق القريبة من الشواطئ الجنوبية.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.