مهما كان الأمر مؤلما، يجب على الولايات المتحدة التعامل مباشرة مع حكومة طالبان الأفغانية، كما يجب عليها العودة إلى الأرض في أفغانستان، إذا أرادت إحداث تغييرات في السياسات الداخلية للبلاد، والعلاقات الخارجية، والاستقرار الداخلي.
ورد ذلك في مقال نشره موقع “فورين بوليسي” (Foreign Policy) الأميركي كتبه جافيد أحمد السفير الأفغاني السابق والزميل البارز في “المجلس الأطلنطي”، ودوغلاس لندن ضابط العمليات السابق في وكالة المخابرات المركزية، قالا فيه إن غياب الوجود الدبلوماسي الأميركي يترك واشنطن عاجزة ويقوّي “المتطرفين” في كابل.
البديل عواقبه وخيمة على الجميع
يقول المقال إن على واشنطن الاعتراف دبلوماسيا بحكومة طالبان، وبديل ذلك سيكون السماح بانحدار أفغانستان الخطير إلى مملكة منعزلة، والتخلي عن المعرفة والوسائل للتأثير على الأحداث أو تشكيلها، والمزيد من العواقب الوخيمة على الجميع.
وأكد المقال أن قبضة طالبان الصارمة على البلاد الآن أصبحت حقيقة لا يمكن إنكارها، وكذلك التهديد الذي يشكله النظام على شعبه وجيرانه والولايات المتحدة.
وأشار إلى أن كلا من إدارتي الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب والرئيس الحالي جو بايدن توصلتا إلى نتيجة كارثية تفيد بأن إصلاح طالبان ممكن، معتقدتين أن الجماعة ستندمج بشغف في الاقتصاد العالمي من أجل المصلحة الوطنية. وأضاف المقال أن طالبان قد نجحت في ترسيخ أقدامها وأصبحت أكثر حزما ولم تترك مجالا للمعارضة.
الإطاحة بطالبان أو العمل معها
وقال إن واشنطن أمامها خياران فقط قابلان للتطبيق: الإطاحة بطالبان، أو العمل معها، أما قبول الوضع الراهن المتمثل في عدم الاعتراف فإنه يجعل واشنطن عمياء إلى حد كبير عن التطورات وعاجزة عن الإسهام في التغيير، ومع ذلك لا تزال أميركا متورطة بشدة في الشؤون الاقتصادية والسياسية والعسكرية القصيرة المدى لأفغانستان باعتبارها أكبر مانح للمساعدات لها.
وأوضح الكاتبان أن واشنطن إذا كانت تأمل تحقيق أهدافها في المنطقة فعليها أن تتواصل مع طالبان لإيجاد طريقة عملية للمضي قدما، والحوار المباشر مع صانعي القرار الحقيقيين بطالبان في قندهار، العاصمة الفعلية لأفغانستان الآن.
تركيز السلطة في يد الحاكم
ومضيا يقولان إن الإمارة التي يحلم بها حكام طالبان تعكس شكلا معاصرا للخلافة الإسلامية، حيث تتركز السلطة في يد حاكم واحد هو الأمير، والأمير الحالي لطالبان هو الملا هبة الله آخوند زاده الذي يكتنف الغموض آراءه المحافظة و”المتشددة” بشأن السلطة وعمليات صنع القرار. وعلى حد قوله، فإن رؤيته تدور حول 3 عناصر أساسية: الأمير مثالا للفضيلة، والمسجد، والإدارة والعمل الجماعي لفرض الشريعة الإسلامية.
وقالا إن قبضة آخوند زاده على السلطة تُعدّ مطلقة كما أن قراراته غير قابلة للطعن، وإن رجال الدين الذين يحيط نفسه بهم ليس لهم رأي مباشر في صنع القرار، على عكس “مفهوم القرون الوسطى لأهل الحل والعقد”، الذي يقوم عليه حكم الأمير بشكل فضفاض. وبدلا من ذلك، يتصرف رجال الدين كأنهم مجرد منفذين بغض النظر عن معتقداتهم، ولا يتركون أحدا للطعن أو معارضة قرارات آخوند زاده.
ومع ذلك، يشير الكاتبان إلى أنه لا يُعرف إلا القليل عن شخصية آخوند زاده “الغامضة”، وتوزيع السلطة الحقيقي، وصنع القرار.
الجهل بالواقع
وعلّقا بأن هذا الافتقار إلى معرفة هذه الأمور ترك الغرب في حالة جهل بشأن المدى الحقيقي لسلطة آخوند زاده والقوى المحيطة به، وأن الوجود الفعلي الرسمي للولايات المتحدة سيوفر التواصل المباشر مع من يمسكون بزمام السلطة، والوعي بالحقائق على الأرض، والبنية التحتية لجمع المعلومات الاستخباراتية.
وأوضح المقال أن هناك قضايا عملية يمكن أن يبدأ بها التعاون بين أفغانستان والولايات المتحدة مثل ضمان سلامة الأفراد الأجانب الذين يعملون على الأرض مع الشعب الأفغاني، ومنح السيطرة على صرف المساعدات الإنسانية لأطراف محايدة، والتعاون ضد الدولة الإسلامية (داعش)، واتخاذ إجراءات موثوقة لتقييد تنظيم القاعدة إن لم يكن طرده. وفي المقابل، يمكن للحكومة الأميركية ربط تخفيف العقوبات بتحسين السلوك.
تحذير من المطالبة بحقوق المرأة والديمقراطية
وقالا إن الولايات المتحدة ستكون على أرضية هشة إذا طالبت من هم في قندهار بتلبية شروط تتعلق بحقوق المرأة والديمقراطية في خطوة أولى، خاصة أن سجل واشنطن يتجاهل هذه الأمور مع شركاء آخرين في الشرق الأوسط.
وللمضي قدما، ينوّه الكاتبان بأن الولايات المتحدة لا يمكن أن تتغاضى عن قبضة آخوند زاده القوية، أو تكتيكاته المبتكرة لفرض إرادته، أو التركيبة السكانية المتغيرة لأفغانستان، إذ يجب عليها (على أميركا) مواصلة الحوار مع عناصر المقاومة والمعارضة ذات المصداقية المناهضة لطالبان باعتبارها وسيلة ضغط مفيدة على طالبان وانعكاسا لاهتمام واشنطن المعلن في كثير من الأحيان بإجراء حوار وطني سلمي بين جميع الأطراف للتفاوض على صفقة كبرى.
تحذير من تقديم الدعم المادي للمعارضة
ودعا الكاتبان البيت الأبيض إلى أن يكون حذرا ولا يتبع الفكرة الرومانسية التي دفع بها البعض داخل الحكومة الأميركية وخارجها، بأن تقديم الدعم المادي لجماعات المقاومة المناهضة لطالبان يمكن أن يجهزهم لتشكيل تحدّ حقيقي لطالبان.
وأشارا إلى أن توسيع نطاق التطبيع الدبلوماسي، مع احتمال تخفيف العقوبات المتزايد بما يتناسب مع إجراءات طالبان البنّاءة بشأن الأمن الدولي ومخاوف حقوق الإنسان، قد لا يقنع الدائرة الأكثر انعزالا في الجماعة، لكن القيام بذلك سيؤدي بالتأكيد إلى زيادة الضغط من أمثال وزير الداخلية بالإنابة الحالي سراج الدين حقاني ووزير الدفاع بالإنابة الملا محمد يعقوب مجاهد ابن الملا محمد عمر من أجل التسوية التي قد يجد آخوند زاده و”المتشددون” صعوبة في رفضها إذا كان الأمير يسعى للحفاظ على تماسك الجماعة.
وختم الكاتبان مقالهما بالقول إنه من دون حكومة أميركية ملتزمة، سيؤسس حكام أفغانستان الجدد نظاما هرميا لا يستفيد منه إلا مؤيدوهم، وإن تجاهل هذه المشكلة ليس بالأمر الذي يستطيع الأميركيون أو الشعب الأفغاني أو البلدان المجاورة تحمّله طويلا.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.