مع احتدام المعارك في الخرطوم.. إلى أين يفر السودانيون؟ | سياسة


الخرطوم- أجبرت الحرب التي اندلعت في العاصمة ومدن سودانية عدة بين الجيش وقوات الدعم السريع عشرات الآلاف من المدنيين على اللجوء والنزوح داخليا بحثا عن ملاذات آمنة تقيهم أهوال القصف والقذائف المتفجرة والرصاص الذي طال عشرات المنازل.

ولأن التطورات الدامية لم تكن في حسبان سكان الخرطوم عجزت أعدادا كبيرة عن المغادرة في ظل تعطل الخدمات المصرفية وتوقف الدفع عبر التطبيقات البنكية وانعدام الأموال السائلة (الكاش)، فيما سببت أزمة الوقود عاملا إضافيا لعرقلة الكثيرين بعد زيادة أسعار تذاكر السفر لنحو 10 أضعاف.

وغادر آلاف منازلهم إلى أحياء على أطراف العاصمة، في محاولة لتجنب المواجهات العسكرية المحتدمة في مناطقهم السابقة وأغلقوا بيوتهم، وكان لافتا في أغلب الأحيان مغادرة الأسر كاملة منازلها وإغلاقها خلال الأسبوع الثاني للحرب، خلافا للأسبوع الأول الذي كانت فيه نسبة الفرار ضئيلة.

بالمقابل، فر الآلاف إلى الأقاليم في موسم هجرة عكسية لم تشهدها العاصمة التي طالما ظلت الوجهة الرئيسية لقاطني الولايات والأطراف البعيدة.

ومثلت ولايتا الجزيرة (وسط) ونهر النيل القريبتان للخرطوم الوجهة الأكثر تفضيلا لأغلبية الذين قرروا الفرار من الاشتباكات، وقصدهما عدد كبير من ساكني العاصمة لأنهما مسقط رأسهم، كما توجه آخرون إلى الولايات الشمالية والنيل الأبيض وسنار وغيرها.

Smoke rises above buildings after an aerial bombardment in Khartoum North
تواصل الاشتباكات وانقطاع المؤن والمياه والكهرباء دفعا الآلاف إلى مغادرة الخرطوم (رويترز)

العودة إلى الأصول

بدوره، يقول محمد عبد الله إنه خرج من الخرطوم بحري مصطحبا أسرته المكونة من 5 أفراد إلى مسقط رأسه بمدينة دنقلا في الولاية الشمالية بعد 10 أيام من تواصل الاشتباكات وانقطاع المؤن والمياه والكهرباء، علاوة على وقوع منزله في مرمى القصف المتواصل.

وأشار إلى أن رحلة الخروج نفسها كانت ساعات طويلة من المعاناة والإرهاق النفسي والجسدي والمادي.

ويؤكد عبد الله للجزيرة نت أن الحي الذي يسكن فيه منذ حوالي 10 سنوات لم يبق فيه أحد، حيث غادر الجميع إلى مدن داخل السودان وخارجه، كما اختار البعض التوجه إلى مناطق طرفية في الخرطوم بعد تعرض المنازل لهجمات منسوبي الدعم السريع واحتلال أغلبها، فيما بات بعضها مهددا بسقوط القذائف والرصاص المتبادل بين طرفي القتال.

ويشير إلى أن أغلب معارفه وذويه اختاروا السفر إلى مصر، فيما توزع بعضهم في مدن السودان المختلفة لصعوبة السفر وتكلفته العالية، ولا سيما مع عدم وجود مؤشرات على عودة قريبة إلى الديار، ويقول إن منزل والده الفسيح في دنقلا يمثل الآن مأوى له ولأسرته إلى أن تهدأ الأوضاع.

كما عاد الموظف في إحدى الشركات الخاصة محمد إبراهيم إلى مسقط رأسه بمدينة شندي في ولاية نهر النيل شمال الخرطوم.

ويقول إبراهيم للجزيرة نت إنه غادر مسكنه في وسط الخرطوم مع أسرته المكونة من 4 أشخاص، وفضل بلدته لأسباب عديدة، منها توفر مسكن خاص له وإمكانية البقاء فيه لفترة طويلة في حال استمرار الحرب.

أما سلوى الأمين فاضطرت لاستئجار سيارة خاصة لنقل والديها المريضين إلى ولاية الجزيرة المتاخمة للخرطوم بعد أن تعذر عليهما زيارة المستشفى، حيث كانا يتلقيان رعاية دورية.

ودفع قرب مسكن سلوى في ضاحية بري من القيادة العامة ومطار الخرطوم حيث الاشتباكات المستمرة إلى أن تتخذ قرار المغادرة بمساعدة شقيقيها المقيمين خارج البلاد، حيث يسرا عليها استئجار السيارة عالية التكلفة والبحث في مدينة ود مدني عن مسكن مؤقت وطبيب لرعاية والديها.

وكانت المنظمة الدولية للهجرة قد أعلنت اليوم الثلاثاء أن المعارك الدائرة في السودان منذ منتصف أبريل/نيسان الماضي أجبرت أكثر من 334 ألف شخص على النزوح داخل البلاد، فيما تحدثت مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في سلسلة تقارير منذ اندلاع المواجهات عن فرار عشرات الآلاف من العاصمة الخرطوم وانتقالهم إلى أحياء لا تشهد اشتباكات أو تقل فيها تلك المواجهات.

لجوء لدول الجوار

وغير بعيد عن ذلك، كانت ولايات شرقية -بينها البحر الأحمر وكسلا والقضارف- مقصدا لأعداد كبيرة من سكان الخرطوم، حيث مثلت الولايات الشرقية -خاصة القضارف- معبرا إلى إثيوبيا التي اختارها الآلاف من السودانيين والجنسيات الأفريقية لتكون مأوى أو محطة إلى دول أخرى.

وقال مصدر في حكومة القضارف للجزيرة نت إن السفارة الإثيوبية نقلت نشاطها إلى القضارف، لتسهيل إجراءات مغادرة البعثات والطلاب الأفارقة وعديد من الجنسيات من خلال معبر القلابات الرابط بين السودان وإثيوبيا، حيث تقدم هناك خدمات قنصلية متقدمة في ما يخص منح تأشيرات الدخول وغيرها.

ووفقا للمصدر، فإن حوالي 400 سوداني عبروا إلى إثيوبيا، إضافة إلى ما يزيد على 4 آلاف من حملة الجنسيات الأخرى.

وفي تشاد، كشفت تقارير أممية ومحلية عن فرار 20 ألف سوداني بعد مواجهات بين الجيش والدعم السريع في ولاية غرب دارفور خلال الأيام الماضية.

الطريق إلى مصر

وفي منفذ أرقين البري الرابط بين السودان ومصر تكدست أعداد ضخمة من السودانيين وجنسيات أخرى، وسط شكاوى من تردي الخدمات والبطء الشديد في تخليص إجراءات المغادرة.

وحسب مسافرين تحدثوا للجزيرة نت بعد وصولهم إلى القاهرة، فإن الأيام العشرة الأولى بعد الاشتباكات شهدت توافدا غير مسبوق للمعبر باستقباله أكثر من 50 حافلة يوميا مقارنة بحوالي 15-20 حافلة في الأحوال العادية، مما أسهم في بقاء عشرات المسافرين لأكثر من يومين في المعبر السوداني قبل الانتقال إلى نظيره المصري.

وقال مسؤول في إدارة الجوازات بالمعبر للجزيرة نت إن حوالي 40 ألف سوداني توجهوا إلى مصر من خلال منفذي أرقين وقسطل البريين، ووصفها بالأرقام غير المسبوقة خلال أسبوعين فقط.

وكان رؤوف مازو مساعد المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد توقع فرار أكثر من 800 ألف شخص من السودان نتيجة الاشتباكات المستمرة.

وقال في إفادة للدول الأعضاء في جنيف “بالتشاور مع جميع الحكومات والشركاء المعنيين توصلنا إلى رقم تخطيطي يبلغ 815 ألف شخص قد يفرون إلى الدول السبع المجاورة”، مضيفا “التقدير يشمل نحو 580 ألف سوداني، في حين أن الباقين لاجئون يعيشون بشكل مؤقت هناك”.

3. معبر أرقين يستقبل آلاف السودانيين الفارين من جحيم النزاع المسلح بالخرطوم فيما يجدون أيادي المصريين ممتدة إليهم بالمساندة. (تصوير خاص ـ معبرأرقين ـ الحدود المصرية السودانية ـ 27 أبريل 2023) (تصوير خاص للشقيقتين السودانيتين بثينة (يمين) وناهد(يسار) حسن ـ مصر ـ 28 ابريل 2023).
أعداد ضخمة من السودانيين وجنسيات أخرى تتكدس في معبر أرقين (الجزيرة)

آثار كارثية

من جهتها، تقول الباحثة الاجتماعية ثريا إبراهيم في حديث للجزيرة نت إن الحرب الدائرة أوقعت آثارا كبيرة جدا على السودانيين، أهمها النزوح الداخلي في المدن وإلى مناطق خارج الخرطوم أو في المدينة نفسها أو مدن وأرياف أخرى.

ورأت أن الآثار المترتبة على موجات النزوح الحالية تؤثر على موارد المستضيفين من الأسر والبيوت، وربما يحدث عجز في سد احتياجات المعيشة، وقد تتأثر النساء والفتيات في سد احتياجاتهم الخاصة.

وتنبه ثريا إلى آثار ممتدة تتمثل في الخوف والقلق الذي يصيب النازحين لعدم معرفتهم بتوقيت أو نهاية الحرب وما تحمله المواجهات والأيام من مستقبل مجهول، متوقعة إصابة العديد من الأشخاص باضطرابات نفسية -خاصة الأطفال- نتيجة الخوف والقلق.



Previous post 3 مشاهير لم يفقدوا “العلامة الزرقاء” على تويتر
Next post مع اقتراب تتويج الملك.. اعتقال مشتبه فيه قرب قصر باكينغهام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *