مستقبل آيفون.. كيف تخطط آبل لتطوير جهازها الأفضل خلال 10 سنوات قادمة؟


في عام 2007، عندما أعلن ستيف جوبز عن هاتف آيفون لأول مرة، كان جهاز الموسيقى “آيبود” (iPod) هو المنتج الأعلى مبيعا لدى شركة آبل، وأحد أهم أسباب نجاح الشركة منذ بداية الألفية. لكن في عام 2010، انقلبت الموازين سريعا واحتل آيفون صدارة المبيعات. كانت أجهزة “آيبود” تتلقى تحديثات وترقيات كبيرة سنويا، ولكن بعد تراجع مبيعاتها لصالح آيفون انخفض عدد مرات الترقية حتى أوقفت آبل إصدار تلك الأجهزة بالكامل.

في تلك اللحظة، قررت آبل إصدار آيفون جديد كل سنة، وتسهيل عملية الترقية للمستهلكين بمبادرات مثل استبدال النسخة القديمة بواحدة أحدث، ليحصل المستهلك على خصم عند شراء النسخة الأحدث من الهاتف. بمرور الوقت، أصبح هاتف آيفون هو الدجاجة التي تبيض ذهبا بالنسبة لآبل، ومجرد الوجود السنوي لأجهزة آيفون يضمن لآبل مبيعات سنوية ضخمة. مثلا، في العام الماضي 2022، حققت آبل إيرادات بقيمة 394.3 مليار دولار، جاءت 52% منها بسبب مبيعات هواتف آيفون بعد بيع 232 مليون جهاز عالميا. (1)

على مدار السنوات الماضية، نجحت آبل في الحفاظ على نجاحها الهائل، وجذب انتباه المستهلك دائما لمنتجاتها، من خلال الحفاظ على تلك الدورة من طرح منتجات جديدة بانتظام كل عام، حتى يظل الجمهور متحمسا ومنتظرا لما ستُصدره الشركة هذا العام ثم العام التالي، وبالطبع المنتج الأهم هنا هو إصدار هاتف آيفون السنوي.

لكن متى تقرر آبل أن عصر آيفون قد أوشك على الانتهاء، وربما حان الوقت لإصدار جهاز جديد يكون هو مركز جذب انتباه المستهلك؟ أو يمكننا أن نعيد السؤال بصورة أخرى: هل ترى آبل أن هناك جهازا آخر قادر فعلا على استبدال آيفون، كما استبدل هو نفسه جهازها المفضل سابقا “الآيبود”؟

للإجابة عن هذا السؤال، علينا أن ننظر إلى الخطة العامة لشركة آبل لمستقبل آيفون، ثم ماذا يمكنها أن تقدم من مزايا أو تغييرات جديدة لسلسلة هواتفها المفضلة في المستقبل، لتحافظ على النجاح الهائل نفسه لجهازها الأهم!

خطة آبل

على المدى القصير، من المحتمل أن نشهد تحسينات تدريجية للهواتف نفسها، مثل ارتفاع قوة وجودة الكاميرات، وزيادة حجم شاشة الهاتف وقوة المعالجة. لكن على مدى العقد القادم، من المرجح أن يتطور آيفون ليصبح محورا ومركزا للأجهزة الاستهلاكية الذكية الأخرى، مثل سماعات الإيربودز وساعات آبل الذكية، وهو توجه بدأ بالفعل لكن من المرجح أن يتوسع مستقبلا. ربما يكون هذا هو الهدف القادم لعالم الهواتف الذكية عموما، بمختلف أنواعها وشركاتها، وهو معرفة ما الجهاز الذكي الجديد الذي سيتصل به الهاتف. بمعنى أن شركة آبل تملك سلسلة أجهزة آيفون، بهذا يمكنها أن تصدر أجهزة ذكية ملحقة بالهاتف، أو حتى خدمات رقمية، يمكن استخدامها مع آيفون، وبهذا تزداد المبيعات من الجهتين.

إذا نظرنا مثلا إلى ساعة آبل الذكية، فهي لا تحتاج إلى هاتف آيفون قريب لكي تعمل وتؤدي وظائفها بالكامل، فيمكنك مثلا إجراء المكالمات والتحدث مباشرة دون الاقتراب من هاتفك، بجانب أنها تعمل مع أي نوع هاتف آخر. لكنَّ جزءا كبيرا من جاذبية ساعة آبل يكمن في قدرتها على التزامن الوثيق مع هاتف آيفون. الإحساس بأنك تتلقى إشعاراتك من هاتف آيفون سيختلف بالطبع عما إذا كنت ترتدي ساعة آبل الذكية وتتلقى إشعارات من هاتف سامسونغ مثلا!

شراء سماعة آبل أو الساعة هو تذكير آخر لامتلاك الشخص لهاتف آيفون، الذي سيعمل في تزامن عظيم مع هذه السماعة. (شترستوك)

ساعة آبل، بسعرها المرتفع للغاية، مجرد تذكير بأنك تملك هاتف آيفون المفضل، ولكي تعمل الساعة بالشكل الأمثل عليك أن تستخدمها مع هذا الهاتف تحديدا. هذا ينطبق على سماعات الإيربودز كذلك، فبالسعر نفسه يمكنك شراء أفضل سماعة لا سلكية في السوق، لكن شراء سماعة آبل هو تذكير آخر لامتلاك الشخص لهاتف آيفون، الذي سيعمل في تزامن عظيم مع هذه السماعة. حتى أجهزة المنزل الذكية التي تطلقها الشركة، مثل السماعات المنزلية، تعمل بأفضل أسلوب ممكن مع هاتف آيفون، وهو ما قد يتكرر غالبا مع أحدث منتجاتها نظارة “فيجن برو” للواقع المختلط.

هذا ما تحاول الشركة أن تبيعه منذ بدأت إطلاق هواتف آيفون؛ نظام مغلق يدور في فلك هاتفها المميز والأشهر على الإطلاق. ربما لا تفكر آبل في استبدال هاتفها المفضل الآن، لكنها ستجعله أكثر جاذبية وأكثر أهمية من ذي قبل عبر إطلاق كل هذه الأجهزة والخدمات التي تدور في فلكه.

لكن قد لا يتعلق الأمر بالتزامن مع أجهزة ذكية شخصية جديدة فحسب، لأن الشركة بدأت تُحوِّل تدريجيا آيفون إلى بديل حقيقي وملموس للمحفظة، نعم المحفظة التي تحتفظ فيها بأموالك التي سرعان ما تتبخر، وهذا الأمر سيجعل الهاتف يرتبط أكثر بالجوانب غير الرقمية في حياتنا اليومية، مما يجعله جهازا لا يمكننا الاستغناء عنه، حتى عند ذهابنا لشراء “طبق من البيض وربع كيلوغرام من الجبن المالح وكيس من رقائق البطاطس بالخل والملح” من البقالة. أعرف أن هناك ملحا كثيرا في تلك الطلبات الأخيرة، لكن الفكرة أنها… لحظة ما دخل الملح هنا، أعتقد أننا كنا نتحدث عن تطور آيفون؟ نعم، صحيح، معذرة.

قدمت آبل كثيرا من التطورات في هذا المجال على مدار العامين الماضيين، عبر تقديم مزايا جديدة مثل إمكانية إضافة رخصة قيادة، أو بطاقة خاصة، بنسخة رقمية إلى محفظة آبل (2) عبر نظام التشغيل (iOS) بجانب تسهيل عمليات الدفع الرقمية، ثم الإعلان أيضا عن خدمة آبل للدفع لاحقا (Apple Pay Later)، التي تتيح لمستخدمي خدمة الدفع “آبل باي” تقسيط أي عملية شراء إلى أربعة أقساط متساوية، تُدفع على مدار ستة أسابيع. (3)

كل هذه الأجهزة الذكية والخدمات تعتمد على وجود هاتف آيفون، الذي ترى آبل أنه سوف يستبدل حتى المحفظة، ويتحول هو بدوره إلى محفظة رقمية تحمل كل شيء يهم المستخدم، وليس مجرد جهاز ذكي آخر!

تغييرات قادمة

من المرجح أن يستمر تطوير تقنية “الليدار” (Lidar) في هواتف آيفون، لأن الشركة تتوجه أكثر الآن نحو تقنيات الواقع المعزز، خاصة بعد الإعلان عن نظارتها الجديدة “فيجن برو”. (رويترز)

بالطبع، إطلاق توقعات وتخمينات حول التوجه العام لشركة آبل لهاتف آيفون أسهل كثيرا من توقع تغييرات وتطورات ومزايا جديدة بعينها قد تكون قادمة للهاتف. لكن يمكننا الاعتماد على التحديثات والمزايا التي أطلقتها آبل فعلا في أجهزة آيفون الحالية، لنكوّن بعض التصورات حول المزايا الجديدة، أو المختلفة، القادمة في المستقبل، لأن كثيرا مما تقدمه الشركة يكون بهدف إعداد نفسها للأنظمة التي ترغب في دمج آيفون داخلها في السنوات القادمة.

مثلا، من المرجح أن يستمر تطوير تقنية “الليدار” (Lidar) في هواتف آيفون، لأن الشركة تتوجه أكثر الآن نحو تقنيات الواقع المعزز، خاصة بعد الإعلان عن نظارتها الجديدة “فيجن برو”. (4) أضافت آبل تقنية “الليدار” في هاتف “آيفون 12 برو” عام 2020، لتقوي من أداء تطبيقات الواقع المعزز، تلك التقنية تقيس المسافة عبر تحديد المدة التي يستغرقها الضوء للانعكاس على الجسم ثم العودة والارتداد مرة أخرى للمستشعر. مع ذلك، فإن مستشعرات “الليدار” الحالية في أجهزة آيفون ليست متطورة بما فيه الكفاية لتحقق طموحات الواقع المعزز لدى الشركة. لهذا يمكننا أن نتوقع بسهولة أن تركز آبل على تطوير تلك التقنية أكثر في إصدارات هواتف آيفون القادمة.

بينما تعمل مستشعرات “الليدار” على تحسين مهارات استشعار عمق المكان في أجهزة آيفون، فإن الأمر لا يزال متروكا لمعالج الهاتف ليفهم كل تلك البيانات التي تصل إليه من المكان. هنا توجهت الشركة إلى الذكاء الاصطناعي، أو للدقة تعلم الآلة، لتمنح آيفون، ومنتجاتها الأخرى، مزيدا من السياق حول المستخدم ومحيطه المكاني. مثلا، تستخدم ساعة آبل الذكية مبدأ تعلم الآلة، والبيانات التي جمعتها عبر مستشعراتها المختلفة، في مهام مثل تتبع مراحل وجودة نوم المستخدم، ووقت غسل يديه، وغيرها. (5)

رغم أن المساعد الشخصي لأجهزة آيفون لم يتطور كثيرا منذ فترة، فإنه مع تطور روبوتات المحادثة حاليا، واعتمادها على النماذج اللغوية الكبيرة، فإن آبل قد تستغل هذه التطورات وتحسّن من أداء مساعدها الشخصي الذكي. (شترستوك)

لهذا، ببساطة، يمكننا أن نتوقع مزيدا من تقنيات الذكاء الاصطناعي في هواتف آيفون، خاصة مع انتشار وتوسع تلك التقنيات الآن، وبداية دخولها في كل شيء نستخدمه على الإنترنت. آبل نفسها تملك مساعدا شخصيا يعمل بالذكاء الاصطناعي وهو “سيري” (Siri)، ورغم أن المساعد الشخصي لأجهزة آيفون لم يتطور كثيرا منذ فترة، فإنه مع تطور روبوتات المحادثة حاليا، واعتمادها على النماذج اللغوية الكبيرة، فإن آبل قد تستغل هذه التطورات وتحسّن من أداء مساعدها الشخصي الذكي.

عملت الشركة فعلا على تطوير نموذجها اللغوي الكبير، أطلقت عليه اسم “Ajax”، وطورت منه (6) روبوت محادثة خاصا بها وهو “آبل جي بي تي” (Apple GPT)، لكنها لم تضع إستراتيجية واضحة حتى الآن حول المنتجات التي قد تطلقها للمستهلكين من هذا النموذج، وربما يكون هدفها القادم هو استخدامه في تطوير مساعدها الشخصي “سيري”.

آيفون قابل للطي

ربما أحد أكثر الأسئلة غموضا، التي تحيط بخطط آبل المستقبلية للهواتف الذكية، هو ما إذا كانت الشركة ستصدر هاتف آيفون قابلا للطي أم لا قريبا!

مثلا أطلقت شركة سامسونغ، وهي أكبر منافس لشركة آبل في حجم مبيعات الهواتف الذكية، عدة أجيال من الهواتف القابلة للطي على مدار السنوات الماضية، وربما يعتبرها البعض رائدة هذا السوق حاليا. هناك شركات أخرى كذلك أطلقت هواتفها القابلة للطي، مثل هواوي وموتورولا، حتى غوغل أعلنت أخيرا عن نسخة قابلة للطي من هاتفها البيكسل الشهير.

في هذا السياق، قدمت آبل فعلا براءة اختراع لهاتف جديد ربما يكون من النوع القابل للطي، (7) لكن هذا لا يشير إلى خطط آبل القريبة على أي حال، وهناك عدّة تقارير أشارت إلى أن الشركة لا تنوي إطلاق هاتف قابل للطي قبل حلول عام 2025. (8) ببساطة لأن مبيعات الهواتف القابلة للطي لم تُمثِّل أكثر من 1.1% من إجمالي مبيعات الهواتف الذكية عالميا خلال عام 2022، (7) وبهذا ترى الشركة أن سوق الهواتف القابلة للطي لم ينضج بعد، أو قد لا ينضج أبدا، ويظل مقتصرا على فئة محددة من المستخدمين، نظرا لأن تكلفة هاتف آيفون قابل للطي قد تصل إلى 2500 دولار. بجانب السؤال المعتاد الذي يصاحب هذا النوع من الهواتف وهو ما الجديد أو المفيد الذي يضيفه فعلا لتجربة استخدام الهاتف الذكي؟

هناك ضغوط كثيرة وكبيرة من الاتحاد الأوروبي على شركة آبل لتغيير منفذ شاحن “لايتنينج” في هواتف آيفون القادمة، واعتماد منفذ شاحن “USB-C” العالمي. (شترستوك)

لكن بعيدا عن إطلاق هاتف بشكل جديد، ما قد يتغير قريبا هو تجربة الشحن في هواتف آيفون. خيارات شحن أجهزة آبل معقدة ومحيرة غالبا، هناك شاحن “لايتنينج” (Lightning) وشاحن “USB-C”، وشاحن “ماج سيف” (MagSafe). لكن باقي هواتف الشركات الأخرى، التي تعمل بنظام أندرويد، تعتمد الآن على شاحن موحد بنوع “USB-C”.

الآن، هناك ضغوط كثيرة وكبيرة من الاتحاد الأوروبي على شركة آبل لتغيير منفذ شاحن “لايتنينج” في هواتف آيفون القادمة، واعتماد منفذ شاحن “USB-C” العالمي؛ تتطلب قواعد الاتحاد الأوروبي الجديدة من كل الهواتف التي ستُباع بعد خريف عام 2024 استخدام منفذ شحن “USB-C”. هذا ما بدأت الشركة في اختباره فعلا منذ العام الماضي (9)، ثم أكدت موافقتها على متطلبات الاتحاد الأوروبي، مما يعني أننا قد نرى لأول مرة هاتف آيفون 16 بمنفذ شحن من نوع “USB-C”.

لكن كما هي عادة آبل في البحث عن الاختلاف دائما، قد نرى هواتف آيفون بشاحن “USB-C”، وقد نرى هواتف بلا منفذ للشاحن من الأساس. (10) انتشرت التقارير والشائعات منذ سنوات حول اقتراب إصدار آبل لهاتف بلا منفذ للشاحن، والاعتماد على تقنية الشحن اللاسلكي فقط. عموما إن كانت هناك شركة ستصدر هذا الجهاز فغالبا ستكون آبل، كما تخلصت سابقا من منفذ السماعة في آيفون، وتخلصت من رأس الشاحن نفسه.

إذا نظرنا إلى الصورة الأكبر، فسنجد أن تجربة الهاتف الذكي عموما قد تشبه تجربة اختراع السيارة، التي نجحت في ملء فراغ كان موجودا فعلا ووفرت كثيرا من سبل الراحة والقوة، للدرجة التي أعدنا فيها تشكيل المجتمع من حولها، حتى مع الأخذ في الاعتبار الجوانب السلبية للسيارات. لم تتغير السيارات جذريا في شكلها أو مزاياها، لكنها تتطور على مدار كل هذه السنوات.

الاحتمال الأقرب أن يستمر الهاتف الذكي بشكله الذي نعرفه، دون تغييرات جذرية، لأن هذا الوضع هو الأكثر راحة وملاءمة لنا حتى الآن. لكن في حال ظهر تطور آخر للهواتف، أو لجهاز جديد، يُسهِّل من أمور حياتنا، ويمكننا استخدامه في كل شيء، فحينها سنغير من أسلوب استخدامنا، وسيتغير سلوكنا ونحاول التأقلم على هذا الجهاز الجديد. ربما لهذا تحاول شركات التقنية الكبرى دائما البحث عن الوصول أولا للاختراع الجديد الكبير أو كما يقولون عنه “The Next Big Thing”.

غالبا، هذه هي نظرة آبل لأجهزة آيفون حتى الآن، لأنه على عكس “الآيبود”، الذي قدم ميزة واحدة وهي سماع الموسيقى، فإن الشركة ترى أن آيفون سيظل في المركز من تجربتنا للأجهزة الذكية الأخرى التي نستخدمها يوميا، ربما حتى يظهر هذا الاختراع الجديد الكبير!

________________________________________

المصادر:


اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Previous post Meta, Microsoft and Amazon team up on maps project to crack Apple-Google duopoly
Next post مجموعة مسلحة تقتحم مجلس القضاء بطرابلس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading