10/7/2023–|آخر تحديث: 10/7/202311:40 AM (بتوقيت مكة المكرمة)
جنين- في ساحة مخيم جنين التي لا تبعد عن منزله الكثير، كان الحاج حسن عبد الله الخطيب، يتفقد آثار الدمار الذي حلّ بالمكان بعد انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي، مع حالة من الذهول أصابته وهو يرى بيوتا دُمرت ومحال تجارية حُرقت وشوارع جُرفت، بينما صعّبت المياه المتدفقة في حفر الشوارع من مشيه بعكازته.
توقف الخطيب ابن الـ82 عاما، وقال “إن شاء الله تكون النكبة الأخيرة في حياتي” ردا على سؤال ماذا حدث في المخيم؟ وعرفنا أنه ومنذ تهجيره من قريته الأصلية عام 1948 وحتى اليوم كان شاهدا على 4 هجرات؛ في كل مرة تخرجه إسرائيل وعائلته من بيتهم، إلى أن اختار هذه المرة عدم مرافقة عائلته والبقاء في بيته حتى لو هدموه على رأسه، كما أخبرهم.
وأضاف في حديث للجزيرة نت “ماذا تبقى من عمري كي أخاف عليه، هي ميتة واحدة، فلتكن شهادة في سبيل الله”.
كان عمر الحاج حسن الخطيب 7 سنوات عندما هاجمت العصابات الصهيونية بلدته “الغبَيات” القريبة من مدينة حيفا في أبريل/نيسان 1948، إبان النكبة، ويتذكر تماما تهجيره مع عائلته قبل نسف بيوت البلدة وتدميرها بالكامل.
بعد طرده من “الغبَيات”، لجأ الخطيب وعائلته إلى مخيم جنين، شمال الضفة الغربية، وكان شاهدا على نشأته في عام 1953، وكيف بدأ يتوسع ويكبر بمرور السنوات بعد النكبة حتى جاءت “النكسة” (سقوط الضفة الغربية في حرب 1967) بعد أقل من 20 عاما. وقال الخطيب “كانت حربا سريعة، أخرجنا فيها من منازلنا بفعل القصف، ولكننا عدنا بعد أيام”.
تهجير متلاحق
زاد احتلال إسرائيل لمخيم جنين عام 1967 صعوبة الحياة على اللاجئ الذي ترك بلاده قسرا وبات يعيش في حيّز ضيق يطل من بعيد على قريته الأصلية ولا يستطيع الوصول إليها، وأخذ منذ ذلك الوقت الكثير، كما يقول الخطيب، وكان حلم العودة يبتعد أكثر.
ورغم المحطات النضالية التي انخرط فيها أبناء المخيم من العمل المسلح في الشتات ولبنان إلى الثورات المختلفة بالضفة الغربية مرورا بالانتفاضة الأولى عام 1987، فإن حالة النهوض الوطني في المخيم، كما يرى الخطيب، كانت مع الانتفاضة الثانية (من 2000 إلى 2005)، والتي أوجعت فيها مقاومة المخيم إسرائيل إلى الحد الذي دفعها إلى اجتياحه بأكبر عملية عسكرية في الضفة الغربية عام 2002.
يقول الخطيب “في ذلك الوقت كان واضحا أن الهدف الإسرائيلي هو قتلنا، إذ لا يريدون أن نذكرهم بجريمتهم الكبرى بتهجيرنا من بلادنا وسرقتها”.
في ذلك الاجتياح، هُدم منزل الخطيب وهُجّر من المخيم كما غيره من السكان الذين خسروا كل شيء، ثم عاد إليه بعد إعادة إعماره، وهو ما جعله يقرر هذه المرة أنه لن يخرج مهما اشتد القتال، ولن يسمح لإسرائيل أن تهجره مرة أخرى.
جيش يواجه كتيبة
يقول الرجل الثمانيني “منذ اللحظة الأولى لاجتياح المخيم الأسبوع الماضي بدأ الجنود بتفجير المنازل والانتقال من بيت لآخر، بينما الجرافات تهدم كل ما يأتي أمامها، والطائرات تقصف من السماء”.
تعرض جزء من منزل الخطيب للتدمير، ونزحت عائلته المكونة من 20 فردا بين أبناء وأحفاد في اليوم الثاني من العملية، ومع ذلك بقي الجد صامدا في البيت متوقعا استشهاده، فحجم العدوان كان كبيرا والجنود بالمئات وصوت الرصاص والقصف لم ينقطع.
يقول “عندما شاهدت أبنائي وجيراني يخرجون من منازلهم شعرت أننا خرجنا من الغبيات مرة أخرى، وعشت نفس شعور التهجير الأول في النكبة قبل 75 عاما”.
ويقارن الخطيب بين الاجتياح الإسرائيلي لمخيم جنين عام 2002 وبين ما شهده المخيم من عملية عسكرية واسعة قبل أيام. وقال “هذه المرة كانت أقوى وأشد، فعدد الآليات العسكرية والجنود والطيران الذي شارك بالاجتياح كبير جدا، ولا يمكن التصديق أن كل هذا الجيش جاء لقتال عشرات الشبان المسلحين بأسلحة بسيطة”.
يتشاركون الشعور بالفخر
وخلال مرافقتنا له من ساحة المخيم مرورا بمقر وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) وصولا إلى المركز الصحي الذي تعرض أيضا للتخريب والقصف، يقول الخطيب إن كل هذا الدمار بالنسبة لأبناء المخيم لا شيء مقابل خروج المقاومين سالمين.
هنا استوقفتنا مسنّتان تجلسان على طرف الشارع وتبادلتا السلام مع الحاج الخطيب والسؤال عن أحواله وبيته بعد القصف، وشاركتاه أيضا مشاعر الفخر بالمقاومة التي خرجت “منتصرة من هذه المعركة” كما يؤكد أهالي المخيم.
قالت خضرة عبد الرحمن سرية (85 عاما)، وكانت أكبر عمرا من الحاج الخطيب عندما هُجّرت في النكبة من قريتها “زرعين” بقضاء حيفا أيضا، وعاشت ما عاشه الخطيب ورفيقتها صبرية السعدي اللاجئة من قرية “المزار” المهجّرة، إن جنود الاحتلال اقتحموا منزلها القريب من ساحة المخيم وأجبروها على الخروج منه، وبعد أن عادت إليه وجدته مهدّما بالكامل.
وذكرت سرية للجزيرة نت “قالوا لنا سنقصف البيوت المجاورة وإن لم تخرجوا سنقصف المنازل وأنتم فيها، فهربنا كما هرب الجميع”.
تعيش خضرة وحيدة في منزلها، ورغم عدم زواجها فإنها تعتبر كل المخيم، ولا سيما المقاومين، أبناءها. وقالت “أفتخر بهم جميعا فهم أبنائي وأبناء كل المخيم”.
لو كانت في الغبيات
وهو الشعور الذي يشاركه الحاج الخطيب معها أيضا، ويقول “أشعر بفخر شديد وأنا أرى كل هذا الجيش والقوات التي اقتحمت المخيم لأيام وفي النهاية لم تستطع أن تصل لمجموعة من الشبان لا يتجاوز عمر أكبرهم 25 عاما، هذه حالة نصر عظيمة”.
وأكثر من هذا الفخر، يتحدث الخطيب عن دور هذه المقاومة التي شهدها بأم عينه، في الدفاع عن المخيم وأبنائه، معلقا بحسرة كبيرة “لو كانت هذه المقاومة في الغبَيات عام 1948 لما خرجنا من ديارنا ولا احتلتها إسرائيل ولا عشنا هذا العذاب طوال 75 عاما”.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.