لم يكن كوكب الأرض عند نشأته أزرق هادئا تكسوه المحيطات كما يبدو اليوم، بل كان كتلة ضخمة من الصهارة شديدة الحرارة، قبل أن يبرد تدريجيا على مدى عشرات الملايين من السنين ويتشكل الغلاف الجوي وتظهر المحيطات. فمن أين جاءت كل تلك المياه؟
في دراسة علمية جديدة نشرت مؤخرا في دورية “نيتشر” (Nature) العلمية، قدم مجموعة من الباحثين، فرضية جديدة تقول إن المياه على سطح الكوكب تشكلت نتيجة تفاعلات بين الغلاف الجوي القديم للأرض والصهارة التي كانت تغطي سطحها في وقت مبكر بعد نشأتها.
فرضيات مختلفة
تشيع في الأوساط العلمية فرضيتان حول مصدر مياه الأرض، وفق موقع معهد “سايتك” (SciTech Institute) في أريزونا الأميركية. تفترض الأولى أن المياه الموجودة على الأرض، أو جزءا كبيرا منها، قدم إليها من الفضاء في وقت مبكر بعد تشكلها.
في ذلك الوقت كانت الأرض أصغر حجما تشق طريقها في مدارها وسط عدد كبير من الأجرام التي تدور حول الشمس بشكل فوضوي، وأدى اصطدام النيازك والمذنبات الجليدية بالكوكب الوليد إلى نقل المياه إليه. ثم ترسبت هذه المياه على السطح مع مرور الوقت مُشكِّلة المحيطات.
تشير الفرضية الثانية إلى أن معظم مياه الأرض كانت موجودة بالفعل داخل الكوكب، وقد ظهرت على السطح بمرور الوقت. وتقول إن عناصر بعض المواد الرطبة التي تحتوي على الماء توجد داخل عباءة الأرض، في منطقة تقع بين الوشاح العلوي والسفلي.
وعندما ترتفع الصهارة الساخنة من الأسفل وتنزل الصهارة الباردة من الأعلى، فإنها تمارس ضغطا شديدا على هذه المواد فتسحقها سحقا ثم تعصرها مثل الإسفنج. وخلال هذه العملية يجد الماء طريقه إلى السطح من خلال البراكين وفتحات التهوية تحت الماء.
لكن في السنوات الأخيرة مكّنت دراسة الكواكب الخارجية البعيدة عن المجموعة الشمسية من تعميق المعرفة حول التفاعلات المختلفة التي يمكن أن تحدث في أجواء الأرض عندما كانت في طور التشكل، مما أتاح للعلماء بلورة نظريات جديدة حول تشكل المياه على الأرض.
من باطن الأرض
في الدراسة المنشورة مؤخرا، قدم باحثون من مؤسسة كارنيغي للعلوم وجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس فرضية مختلفة عن مصدر المياه الموجودة على الأرض. تقول الفرضية إن المياه تشكلت من التفاعلات التي حصلت في وقت مبكر بعد نشأة الأرض، بين الغلاف الجوي ومحيطات الصهارة التي تغطي سطح الكوكب.
وبحسب بيان صحفي نشر على موقع مؤسسة كارنيغي للعلوم يوم 12 أبريل/نيسان الجاري، فقد أثبت الباحثون أنه في وقت مبكر من وجود الأرض، كان من الممكن أن تؤدي التفاعلات بين محيط الصهارة والغلاف الجوي الأولي الغني بالهيدروجين إلى ظهور بعض السمات المميزة للأرض، مثل وفرة المياه وحالتها المؤكسدة الشاملة.
وكشف الباحثون أنه حتى لو كانت كل المواد الصخرية التي اصطدمت لتكوين الكوكب المتنامي جافة تماما، فإن هذه التفاعلات بين الغلاف الجوي للهيدروجين الجزيئي ومحيط الصهارة ستولد كميات وفيرة من الماء.
لكن مؤلفي الدراسة يقولون إن الفرضيات الأخرى لمصدر المياه على الأرض تبقى ممكنة، لكنها ليست كافية لتفسير وجود كل هذه الكميات من المياه على كوكبنا. كما أن النتائج التي توصلوا إليها لا تقدم سوى تفسير محتمل لتطور كوكبنا، غير أنها تنشئ رابطا مهما بين تاريخ تكوين الأرض والكواكب الخارجية الأكثر شيوعا، التي تم اكتشافها والتي تدور حول النجوم البعيدة.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.