تشير الدراسات إلى وجود صلة بين رسائل اليأس والإحباط التي يرسلها الآباء لأبنائهم، وبين ما يعانون منه في حياتهم لاحقًا. فما الأسباب التي تقف وراء زيادة المشاكل النفسية في صفوف الشباب خلال السنوات الأخيرة، وهل حقا يمكن أن تتسبب الأخطاء التربوية في الانتحار؟
يعد الانتحار من الأسباب الرئيسية للوفاة حول العالم، إذ جاء في المرتبة الرابعة من الأسباب المؤدية للوفاة في فئة الشباب بين عمر 15 و29 عاما، بعد حوادث الطرق والسل والعنف، بحسب تقرير لمنظمة الصحة العالمية صدر عام 2021.
وتولي منظمة الصحة العالمية اهتماما خاصا بمعالجة مشاكل الانتحار عبر برنامج عمل خاص بسد الفجوات في مجال الصحة النفسية تم إطلاقه عام 2008، يتيح إرشادات تقنية مسندة بالبينات للارتقاء بمستوى الخدمات والرعاية المقدمة في الدول الأعضاء بالمنظمة فيما يتعلق بالاضطرابات النفسية والعصبية والاضطرابات الناجمة عن تعاطي المخدرات.
لكن لماذا ينتحر الشباب، وما دور الأهل في حمايتهم من هذا المصير؟
لا تخبروا أطفالكم أن العالم خطير
“لا تخبروا أطفالكم أن العالم خطير!”، هذه نصيحة الخبراء للأهل، كما تقول المختصة في علم النفس التربوي هناء الرفاعي، مبينة أن “بعض الآباء يعلمون أبناءهم أن العالم خطير ليكونوا أكثر حذرا ويقظة، لكن بكل أسف هذه المعتقدات تضرّ بصحتهم ولا تجلب السعادة لهم وتجعلهم غير ناجحين وغير راضين عن حياتهم، بل عرضة للاكتئاب والحزن والقلق، فهذه المشاعر السلبية تؤدي إلى عدم الشعور بالأمان وإلى نظرة تشاؤمية”.
وتبيّن الرفاعي أن “خوف الأطفال أنواع؛ فعادة ما يكون الخوف قبل عمر المدرسة من الوحوش أو الكائنات الوهمية، أما في عمر المدرسة فيصبح أكثر واقعية كالخوف من المرض أو الفقدان أو موت الأحبة، وحتى خوفه أن يستيقظ ولا يجد أحد الوالدين في البيت”.
ومع تسارع الأحداث الدرامية في العالم مثل الحروب وجائحة كورونا، ارتكب بعض الأهالي أخطاء منها أنهم لم يراعوا وجود أطفالهم في الغرف ذاتها التي فيها التلفزيون وما يعرضه من الأخبار وآخر المستجدات، مما جعلهم على دراية تامة بأحداث “مخيفة” قد لا تتقبلها عقولهم الصغيرة، بحسب الرفاعي.
وتشدد الرفاعي على ألا ينقل الأهل خوفهم وتوترهم لأطفالهم، وأن يحاولوا نزع المخاوف من قلوبهم تدريجيا. فإذا كان الطفل يخشى النوم في الظلام، فلا مانع من ترك إضاءة خافتة، ومداعبته عن طريق اللعب بالإضاءة. أما إذا كان يخشى الكلاب، فمن الممكن أن يريه أهله صور أطفال آخرين يتعاملون مع الكلاب ويلاعبونها، وبالتدريج سيقتنع الطفل بذلك من تلقاء نفسه ويفارقه الخوف.
وتوضح أن الخوف قد ينشأ من خلال ممارسة الأهل العقاب، لذلك يجب توعية الأهل بأهمية شعور الطفل بالأمن والطمأنينة في سنوات حياته الأولى، حتى لا يتملكه الخوف تدريجيا.
تجنبوا بثّ رسائل اليأس في أطفالكم
موقع “سايكولوجي توداي” (Psychology Today) الأميركي، نشر بحثاً للدكتور في علم النفس كريستوفر فيرغيسن، تطرق فيه إلى الأسباب التي تقف وراء زيادة مشاكل الصحة النفسية وحالات الانتحار بين صفوف الشباب خلال السنوات الأخيرة في أميركا.
وقال الكاتب إنه اندهش عند قراءة مقال عن عدد وفيات الطلاب في جامعة ولاية كارولينا الشمالية الأميركية، من تعليق أحد الطلاب في حديثه عن ضغوط الحياة في “عالم فاسد”، مما جعله يتساءل عن كيف وصلت إلى الشباب الأميركي رسالة مفادها أن العالم الحالي “فاسد”؟!
وأشار الكاتب إلى أن فهم أسباب تدهور الصحة النفسية لطلاب الجامعات قد يكون صعبًا، لذلك لا بد من أخذ عدد من الاتجاهات المجتمعية بعين الاعتبار، انطلاقًا من طرق التربية وتغير أساليب التدريس من مرحلة رياض الأطفال وحتى مرحلة الثانوية، وصولا إلى زيادة مشاكل الصحة النفسية بين الأجيال.
وذكر الكاتب أن قاعدة بيانات تقارير الإصابات القاتلة “ويسكارز” التابعة لمراكز السيطرة على الأمراض في أميركا، تُظهر أن حالات الانتحار زادت خلال العقدين الماضيين بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و23 سنة، خاصة أن معدلات الانتحار أعلى بشكل عام بين الشباب الذين لم يدرسوا في الجامعة مقارنةً بمن درسوا فيها.
وخلص الكاتب إلى أهمية الأسرة والتعليم في تصحيح الانطباعات الخاطئة التي قد تساهم في زرع اليأس بين الشباب، حتى لو كانت تأتي في الأساس من مصادر أخرى. ويقول فيرغيسن بعبارة أبسط “ربما ينبغي أن نفكر مليًا في رسائل الكآبة والتشاؤم التي ننقلها للشباب عن العالم”.
زيادة مشكلات الصحة النفسية بين الشباب
ويبدو أن هناك عدة أسباب تؤثر على الصحة العقلية للشباب، منها: الرسائل السلبية التي يبثها الوالدان، وأيضا ما يتعرضون له على مواقع التواصل من محتوى سلبي، بحسب تقرير نشرته صحيفة “ذا غارديان” (The Guardian) البريطانية، وذلك استنادا إلى نتائج المسح الذي أجرته مؤسسة “ستيم 4” (Stem4) الخيرية للصحة العقلية للشباب، والذي شمل 1024 شابا وشابة تتراوح أعمارهم بين 12 و21 عاما.
ووفق المؤسسة الخيرية البريطانية، فقد أظهر البحث أن هناك حاجة ملحة لاتخاذ “إجراءات عاجلة” على هذا الصعيد.
وقالت المستشارة في علم النفس العيادي، الرئيسة التنفيذي لمؤسسة “ستيم 4″، الدكتورة نيهارا كراوس: “نحتاج إلى تحسين فهمنا للتأثير القهري الذي يحدثه المحتوى المنشور على وسائل التواصل الاجتماعي على الشباب، وأثر الخوارزميات المستخدمة في هذه الوسائل على الصحة العقلية لأجيال المستقبل”.
ولا يقتصر ارتفاع معدلات الاكتئاب لدى المراهقين على أميركا فقط، فقد أظهرت دراسة أجرتها ” كلية التربية والمجتمع” التابعة لكلية لندن الجامعية البريطانية، أن مشكلات الصحة النفسية زادت بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و17 عاما بأكثر من 25% منذ عام 2017، وهي لدى الإناث أعلى بكثير منها لدى الذكور، إذ لوحظ وجود ميول انتحارية لدى واحدة من كل 10 فتيات في عمر 16 عاما.
يونيسيف تقرع جرس “خطر الانتحار”
أما إحصاءات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) لعام 2021، فأظهرت أن الانتحار ظاهرة مؤرقة عالميا، وتشهد ازديادا ملحوظا في معظم دول العالم، ذلك لأن أكثر من 13% من المراهقين -الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و19 عاما- يعيشون مع اضطراب عقلي تم تشخيصه وفقا لتعريف منظمة الصحة العالمية. وهذا يمثل 89 مليون مراهق، و77 مليون مراهقة. وسنويا، ينتحر 46 ألف طفل ومراهق تتراوح أعمارهم بين 10 و19 عاما (نحو واحد كل 11 دقيقة)، بحسب يونيسيف.
كما ناقشت عدة تقارير مصورة بثتها الجزيرة، خطورة انتشار ظاهرة الانتحار في عدد من دول العالم، ومنها إيران واليابان.
وفي إطار التوعية من مخاطر الانتحار، أظهر تقرير -بمناسبة اليوم العالمي للتوعية من الانتحار- أن هناك 800 ألف منتحر سنويا عام 2020. ويظهر الفيديو التالي الذي بثته الجزيرة أهمية توعية الشباب، ويلفت إلى الأرقام العالمية المخيفة للانتحار في العالم، إذ يُقدِم شخص كل 40 ثانية في العالم على الانتحار.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.