كثيرون في هذا العالم يحلمون بالأحلام نفسها، وتراودهم الكوابيس ذاتها مرارا وتكرارا، بعضهم يحلم أن أسنانهم تتكسر أو تتساقط من دون سبب، وآخرون يحلمون أنهم يتأخرون عن المدرسة أو العمل، وغيرهم يحلم بالتعرض لحادث سير عند قيادة السيارة، ونوع آخر يحلم دائما أنه يطير إلى قلب الشمس ليحترق أو يسقط إلى قاع سحيق بلا نهاية أو تطارده بعض الحيوانات باستمرار.
ترى ما أسباب تكرار هذه الأحلام؟ وما الدوافع النفسية التي تقف خلفها؟ وهل هناك رسالة يحاول عقلنا الباطن إيصالها لنا عن طريق تكرار الحلم نفسه؟ وإلى ماذا تشير هذه الظاهرة في ما يخص شخصياتنا؟ وما العمل الذي يمكننا القيام به لتفاديها؟
فهم الأحلام
الأحلام عبارة عن متواليات خيالية، بعضها يتضمن سردا واضحا، وبعضها غائم، وهي تحدث في أذهان الناس أثناء نومهم. وتتكون معظم الأحلام من سلسلة من الصور والأحاسيس والعواطف، وتتباين بين اللطيفة والمثيرة إلى المخيفة أو حتى المرعبة.
ولطالما استحوذت الأحلام على خيال البشرية، وفي وقت مبكر من التاريخ البشري المدون كان يُعتقد أنها رسائل من عالم الغيب أو وسيلة للتنبؤ بالمستقبل، وفي السنوات الأخيرة استحوذت على اهتمام علماء النفس والأعصاب والفلاسفة وعلماء الأحياء وكلهم يواصلون دراسة الأحلام وما تعنيه ولماذا تعدّ ضرورية للبشر، حسب ما ذكرت حديثا منصة “سايكولوجي تودي” (psychology today).
أما الأحلام المتكررة التي تعود دائما بالصيغة نفسها على مدى سنوات طويلة فهي في العادة “تدور حول تجارب حياتية عميقة جدا ودفينة في اللاوعي، أو لها علاقة بقضايا شخصية للغاية من الممكن حدوثها أثناء اليقظة، وذلك لأنها جزء منك ومن شخصيتك، ولهذا تتكرر دائما بدلا من حدوثها مرة واحدة فقط”، وذلك كما قالت الدكتورة ديردري باريت باحثة الأحلام وأستاذة علم النفس في كلية الطب بجامعة هارفارد، في تصريحات لها نقلتها منصة “سي إن إن” (CNN) في تقرير لها عن الموضوع نُشر قبل أيام.
وأضافت باريت “لأن أحلامنا عادة لا تتكرر، فكل ما يتطلبه الأمر هو أن نحلم بالحلم مرتين أو أكثر حتى يعدّ متكررا، وهي أكثر شيوعا في مرحلة الطفولة، ولكن يمكن أن تستمر حتى مرحلة البلوغ”.
وأوضحت باريت أن “هذا النوع من الأحلام لا يتكرر كل ليلة، ولكن يمكن أن يحدث عدة مرات في الشهر أو بفارق سنوات”، والمؤكد أنه يتكرر دائما وبالصيغة نفسها تقريبا.
وقال الخبراء إن الأحلام المتكررة قد تكون هي نفسها في كل مرة، أو قد تأتي بسيناريوهات مختلفة، ولكنها تظل ضمن الدائرة ذاتها. وبغض النظر، فإن أي شيء يكرر مرارا يستحق البحث والتمحيص، كما قال اختصاصي طب النوم الدكتور أليكس ديميتريو مؤسس شركة “سيلكون سايك” (Silicon Psych) للطب النفسي وطب النوم في مينلو بارك بولاية كاليفورنيا الأميركية، حسب ما ذكرت “سي إن إن” في تقريرها.
لماذا تتكرر الأحلام؟
في بعض الأحلام المتكررة تكون الرسالة مباشرة “إذا كنت تحلم مرارا وتكرارا بالتأخر عن المدرسة أو العمل، فقد يعود ذلك إلى تقصيرك في حل واجباتك المدرسية، أو أداء مهامك الوظيفية”.
وفي السياق ذاته، قالت باريت “إن بعض الناس لديهم أحلام تدور حول القلق من الاختبار، وربما يعكس هذا خوفا عاما من الفشل، أو الخوف من الحكم عليهم من قبل شخصيات ذات سلطة. وقد تتعلق أحلام فقدان الأسنان أو تلفها بفقدان شيء آخر في حياتك، أو الشعور باليأس، أو عدم القدرة على الدفاع عن النفس، أو المخاوف الصحية من الإصابة بأمراض خطرة”.
وقال ديميتريو “عندما تواجه حلما متكررا، اسأل نفسك عن الرسالة التي يمكن أن تكون. ما علاقتك بالأشياء أو الأشخاص في الحلم؟ ما مخاوفك ومعتقداتك حول هذه الأشياء؟ وما أهم 5 أشياء في حياتك قد تكون سببا لها أو مرتبطة بها؟”.
وأضاف ديميتريو أن الأشخاص الذين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة أو القلق هم أكثر عرضة لتكرار الأحلام، بخاصة أولئك الذين يعانون من القلق ويكون صفة طبيعية ملازمة لهم.
وأوضح أن “الدماغ يحاول حل الأشياء والمشاكل ووضعها في سياقها الصحيح، ولكن الأشخاص الذين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة تكون أحلامهم حية لدرجة توقظهم من النوم، لأن المشكلة الأساسية لم تعالج أبدا، ولهذا السبب يتكرر الحلم”.
وفي أحيان أخرى تشير الأحلام المتكررة إلى مصادر بيولوجية أيضا، وأوضح ديميتريو أن “الأشخاص الذين يعانون من توقف التنفس أثناء النوم سيبلغون عن أحلام مثل الغرق، والاختناق، والأمواج العملاقة، واللهث بحثا عن الهواء، عندما يعانون بالفعل من انقطاعات في التنفس بسبب حالتهم الصحية”.
كيف نتعامل مع هذه الأحلام؟
هناك خطوات أو تقنيات يمكنك فعلها للتخلص من هذه الأحلام المتكررة، لعل من أهمها:
- دوّن حلمك المتكرر: تتمثل إحدى التقنيات في إعادة كتابة الحلم بعد الاستيقاظ، وتعديل خط السرد بتغيير أحد جوانب الحلم أو نهايته، بحيث تصبح نهاية الحلم أكثر إيجابية. مثلا في حالة حلم الفشل في الامتحان، ضع نجاحك فيه كنهاية، وبهذه الطريقة تخاطب عقلك أو اللاوعي عندك وتعطيه حلا للمشكلة المعلقة، وهذا سيغير طبيعة الحلم المتكررة، وفق ما ذكرت منصة “ساينس أليرت” (science alert).
- حلل الحلم: الخطوة التالية هي تحليل الحلم. يمكنك مقابلة مستشار أو طبيب نفسي لإرشادك، كما يمكنك أنت نفسك محاولة معرفة ما يخبرك به الحلم، هل تكرر هذا الحلم يعود إلى بعض الأحداث الصادمة التي حدثت في حياتك أخيرا أو ربما في طفولتك؟ هل السبب نهاية علاقة مهمة لك؟ أو انتكاسات في حياتك المهنية؟ أو عدم القدرة على استغلال الفرصة؟ أو الاستغلال من قبل شخص ما؟ أو وفاة أحد أفراد الأسرة؟ أو عدم القدرة على التعامل مع الضغط في العمل؟ كل هذا يمكن أن يسبب التوتر ويؤدي إلى تكرار الأحلام السيئة، لهذا من المهم جدا أن تفهم أحلامك وأسباب تكرارها.
- تعلم أساليب مفيدة للتعامل مع القلق والتوتر: القلق والتوتر جزء من حياتنا في عالم معقد مملوء بالمشاكل والتحديات، ومع ذلك فبإمكانك التقليل من حجم القلق والتوتر من خلال فهم أسباب هذا التوتر ومحاولة حلها أو استيعابها، حيث تساعد الطريقة التي تستجيب بها في تقليل نتائج أي إحباط، وهو ما سيؤدي إلى تحسين حالتك المزاجية، وطريقة تعاملك مع التحديات، وكذلك سيحسن من نوعية أحلامك، وفق ما ذكرت منصة “هيلث لاين” (healthline) أخيرا.
- العلاج الصوتي: حسب ما ذكرت منصة “ساينس فوكس” (sciencefocus) حديثا، فقد ابتكر علماء النوم في جامعة جنيف طريقة جديدة للتعامل مع الأحلام المتكررة باستخدام العلاج الصوتي، إذ أخضع العلماء في الجامعة عددا من الأشخاص الذي يعانون من تكرر الأحلام والكوابيس المزعجة إلى صوت مهدئ أثناء نومهم، ولاحظوا انخفاضا سريعا في تكرر الأحلام المزعجة أو الكوابيس، إلى جانب أن الأحلام التي تراودهم أثناء نومهم أصبحت أكثر إيجابية من الناحية العاطفية. ويرى الباحثون والأطباء أن هذه النتائج تعدّ واعدة جدا لدراسة أثر المعالجة العاطفية أثناء النوم ولتطوير علاجات جديدة.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.