بغداد – في خطوة تعد الأولى من نوعها منذ عقود، أعلن مكتب رئيس الوزراء العراقي الأسبوع الماضي عن فرص استثمارية تخص 5 مدن سكنية جديدة، في مسعى للحد من أزمة السكن المستفحلة بالبلاد منذ عقود.
وقال المكتب في بيان نشرته وكالة الأنباء العراقية (واع) إن رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني ترأس اجتماعا للجنة العليا للاستثمار والإعمار، وأقر فيه إعلان الفرص الاستثمارية للمدن السكنية الجديدة، وهي مدينة الجواهري الجديدة في منطقة أبو غريب بالعاصمة بغداد، ومدينة ضفاف كربلاء بمحافظة كربلاء (جنوبا)، ومدينة الفلوجة الجديدة بمحافظة الأنبار (غربا)، ومدينة الجنائن بمحافظة بابل (جنوب العاصمة)، ومدينة الغزلاني بمحافظة نينوى (شمالا).
وعلى إثر إقرارها، نشر الموقع الرسمي للهيئة الوطنية للاستثمار (مؤسسة حكومية) الفرص الاستثمارية الجديدة بمدة إعلان تبلغ 30 يوما وفق شروط محددة، إذ تطمح الحكومة لتوفير عشرات آلاف الوحدات السكنية لحل جزء من أزمة السكن التي يعاني منها العراقيون، في ظل بيانات وزارة التخطيط والتي أكدت وجود عجز في قطاع الإسكان بـ4 ملايين وحدة سكنية، في الوقت الذي أكد فيه السوداني أن 9% من العراقيين يقطنون العشوائيات في البلاد.
تفاصيل المدن الجديدة
استعرض المتحدث الرسمي باسم الهيئة الوطنية للاستثمار الدكتور مثنى الغانمي تفاصيل المدن السكنية الجديدة، مبينا أن إطلاق الفرص الاستثمارية للمدن السكنية الجديدة جاء بعد قرار الحكومة العراقية عرضها للاستثمار، وحل جميع المشكلات المتعلقة بملكية الأراضي، والبدء بإحالتها للشركات التي ستقدم أفضل العطاءات والعروض.
وفي تصريح حصري للجزيرة نت، كشف الغانمي أن هذه المدن الخمس تعد المرحلة الأولى، وأن الأسابيع القادمة ستشهد عرض فرص استثمارية جديدة لما يقرب من 10 مدن سكنية جديدة أخرى بعد استكمال إجراءات حصر الأراضي وفرزها وفض نزاعات الملكية بين وزارتي المالية والبلديات وأمانة العاصمة.
أما عن تفاصيل هذه المدن وعدد الوحدات السكنية، فيقول الغانمي “جميع المدن السكنية ستضم وحدات سكنية أفقية وعمودية بمجموع يصل لنحو 240 ألف وحدة سكنية، حيث تبلغ الطاقة الاستيعابية لمدينة الجواهري الجديدة ببغداد 29 ألف وحدة سكنية على مساحة تزيد عن 7 آلاف دونم، في حين تبلغ الطاقة الاستيعابية لمدينة ضفاف كربلاء الجديدة أكثر من 46 ألف وحدة سكنية على مساحة تزيد عن 8900 دونم”.
وأضاف الغانمي أن مدينة الفلوجة الجديدة ستضم أكثر من 91 ألف وحدة سكنية على مساحة 34 ألف دونم، في حين تبلغ الطاقة الاستيعابية لمدينة الغزلاني الجديدة بمحافظة نينوى 46 ألف وحدة سكنية على مساحة 4700 دونم، في الوقت الذي يصل فيه عدد الوحدات السكنية بمدينة الجنائن بمحافظة بابل لأكثر من 25 ألف وحدة سكنية على مساحة تقدر بـ8 آلاف دونم.
وعن الشركات التي ستنفذ هذه المدن، يقول الغانمي “جميع هذه المدن ستبنى عن طريق الاستثمار، ومدة تقديم طلبات الاستثمار تبلغ شهرا واحدا، بعدها تبدأ الهيئة الوطنية للاستثمار بفتح العطاءات وتحليلها، ومن ثم إحالتها للشركات الرصينة والمستثمرين الجادين الذي لديهم أعمال مماثلة سابقة، مع تقديم دراسات الجدوى والمخططات الهندسية التفصيلية”.
وستضم المدن السكنية الجديدة تفاصيل مهمة، وفق الغانمي، حيث ستمنح الشركات الاستثمارية الحكومة نسبة امتلاك ما بين 10% و25% من مجموع الوحدات السكنية التي ستضمها، وستمنح الحكومة هذه الوحدات للمواطنين والموظفين ومن أصحاب الدخل المحدود وذوي الرعاية الاجتماعية الأشد فقرا، مع صلاحيات للحكومة في تحديد سعر الوحدات السكنية ككل، بحسب قوله.
وأوضح الغانمي أن مدة التنفيذ ستعتمد على العطاءات المقدمة، إلا أن الحكومة حريصة على اختيار أفضل الشركات التي ستضمن سرعة التنفيذ وإنشاء كافة البنية التحتية لجميع المدن الجديدة.
مشروع إستراتيجي
يقول المتحدث باسم فريق الإعلام الحكومي التابع لرئاسة مجلس الوزراء حيدر مجيد إن مشروع المدن السكنية الجديدة يعد مشروعا إستراتيجيا، وإن الإعلان عن الفرص الاستثمارية لهذه المدن يعد جزءا من البرنامج الحكومي لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني.
ويضيف -في تصريح للجزيرة نت- أن ملف الإسكان يعد واحدا من 5 ملفات مهمة ضمن البرنامج الحكومي، مبينا أن مجموع المدن يبلغ 15 مدينة في عموم العراق باستثناء إقليم كردستان، وأن الفترة القريبة ستشهد البدء بإنشاء الطرق الرئيسية والسريعة الرابطة بين هذه المدن ومراكز المحافظات.
وعن أولوية الشركات التي ستنفذ هذه المدن، أوضح حيدر مجيد أن العديد من الشركات المحلية لديها تجارب جيدة في البناء، فضلا عن فتح باب الاستثمار للشركات الدولية والأجنبية، وكشف أن الحكومة العراقية ستضمن مراقبة تنفيذ هذه المدن عبر الفرق الهندسية الفنية التي ستتابع عمليات البناء من وزارة الإعمار والإسكان وأمانة بغداد والهيئة الوطنية للاستثمار والمستشارين.
مشروع قديم جديد
يرى الخبير الاقتصادي الدكتور همام الشماع أن ما يميز الإعلان عن الفرص الاستثمارية الجديدة كون التنفيذ والتمويل سيكون عبر الاستثمار غير الحكومي، الأمر الذي سيحفز القطاع الخاص غير المعتمد على الأموال الحكومية، مما قد يجعل إمكانية تلكؤه أقل بكثير مما لو كان التنفيذ حكوميا، وفق قوله.
وفي حديثه للجزيرة نت، يعتقد الشماع أن المشاريع المربحة للقطاع الخاص تشجع المستثمرين على تنفيذها بسرعة، وهذا الأمر قد يدحض إمكانية تلكؤ بناء هذه المدن كما حصل مع مشروع بسماية السكني ببغداد (100 ألف وحدة سكنية) الذي كان شراكة بين القطاعين العام والخاص.
ولا يعتقد الشماع أن بناء هذه المدن الجديدة سيخفض من أسعار السكن بالبلاد، لا سيما أن العجز الحقيقي كبير جدا، إلا أن هذه المدن ستشكل المرحلة الأولى التي يمكن أن تتبعها خطط بناء مدن أخرى تسهم -في نهاية المطاف- في الحد مما وصفه بـ”الارتفاع الجنوني” لأسعار العقارات بالبلاد.
على صعيد آخر، يرى الخبير في الشأن الاقتصادي نبيل جبار التميمي أن مشاريع المدن السكنية الجديدة تعد حصيلة جهد حكومي بدأ في عهد حكومة رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي، ثم تحوّل الملف في عهد حكومة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي لمشروع “داري” الذي أراد توزيع الأراضي السكنية لشريحة الفقراء، إلا أن الخطة لم تنجح بسبب أن المدن الجديدة تقع خارج حدود التصميم الأساسي للمدن، ولا تربطها أي طرق مع مراكز المدن ولا تتوفر فيها بنى تحتية.
وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح التميمي أنه بعد فشل مشروع “داري”، عمدت الحكومة الحالية لمنح هذه الأراضي لمجموعة من المطورين العقاريين الذين سيمنحون بعض المشاريع -مثل مراكز التسوق- ضمن المدن الجديدة مع نسبة من الوحدات السكنية مقابل نسبة أقل من الوحدات السكنية للحكومة.
ويختتم التميمي حديثه بأن إحالة هذه الأراضي للمطورين العقاريين تعد أفضل سبيل لبناء مدن جديدة، لا سيما أنها تحتاج لمقومات جذب اقتصادية فعالة لتشجيع الناس على الانتقال إليها عبر توفير الخدمات وفرص العمل والطرق السريعة التي تربطها بمركز العاصمة ومراكز المحافظات.
وتعمل الحكومة العراقية على عدد من المشاريع التي تهدف إلى حل جزء من أزمة السكن، وأعلنت قبل يومين عن توقيع العقد الاستشاري مع ائتلاف شركات عالمية لوضع تصاميم شاملة لمدينة الصدر الجديدة (شرق بغداد) بما فيها المرافق الخدمية والبنية التحتية.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.