الكوكب ربما يكون قد تشكل بعيدا عن نجمه، ثم اقترب تدريجيا نحو الداخل إلى مداره الحالي، حيث تستغرق سنة الكوكب 1.6 يوم فقط من أيام الأرض
كوكب “نبتون الصغير” هو نوع من الكواكب خارج المجموعة الشمسية، تُعرف أحيانا باسم قزم الغاز أو الكوكب الانتقالي، وله كتلة أقل بكثير من كتلة كوكبي نبتون وأورانوس في مجموعتنا الشمسية، لكنه من ناحية أخرى مماثل لنبتون في وجود غلاف جوي من الهيدروجين والهيليوم السميك.
وربما يحتوي “نبتون الصغير” على طبقات عميقة من الجليد أو الصخور أو المحيطات السائلة المكونة من الماء أو الأمونيا أو خليط من كليهما أو مواد متطايرة أثقل، وهو فئة من الكواكب الشائعة في المجرة ولكن لا يُعرف عنها سوى القليل.
والآن، رصد تلسكوب جيمس ويب الفضائي التابع لوكالة الفضاء الوطنية الأميركية (ناسا) كوكبا بعيدا خارج نظامنا الشمسي يكشف عن عالم شديد اللمعان وله غلاف جوي مشبع بالبخار، ويذكر الخبر الذي نشرته وكالة ناسا على موقعها في العاشر من مايو/أيار الجاري أن هذه الصور تعتبر الأقرب حتى الآن لهذا الكوكب الغامض الذي كان مبهما إلى حد كبير في المشاهدات السابقة.
بخار ماء في الغلاف الجوي
وعلى الرغم من أن الكوكب، المسمى “جي جيه 1214 بي” (GJ 1214 b)، حار جدا بحيث لا يؤوي محيطات من المياه السائلة، فإن الماء في حالته الغازية يمكن أن يكون جزءا رئيسيا من غلافه الجوي، فتقول إليزا كيمبتون، الباحثة في جامعة ماريلاند (University of Maryland) والباحثة الرئيسية للورقة البحثية الجديدة التي نشرت في دورية “نيتشر” (Nature) إن “الكوكب مغطى تماما بنوع من الضباب أو طبقة السحب. والغلاف الجوي مخفي تماما عنا حتى آخر مشاهدة.”، وأشارت إلى أنه إذا كان الكوكب غنيا بالمياه بالفعل، فمن الممكن أن يكون “عالما مائيا” كان يحتوي على كميات كبيرة من المواد المائية والجليدية في وقت تكوينه.
لاختراق مثل هذا الحاجز السميك، استخدم فريق البحث نهجا جديدا على سبيل التجربة، فبالإضافة إلى إجراء المشاهدة القياسية التي تعتمد على التقاط ضوء النجم المضيف الذي يرشح عبر الغلاف الجوي للكوكب، فقد قاموا بتتبع كوكب “جي جيه 1214 بي” خلال مداره بالكامل تقريبا حول نجمه.
كاميرا ميري
وتوضح المشاهدة قوة كاميرا ميري (كاميرا للتصوير الفلكي للأشعة تحت الحمراء المتوسطة) التي تلتقط أطوالا موجية للضوء خارج جزء الطيف الكهرومغناطيسي الذي يمكن للعين البشرية رؤيته، وباستخدامها تمكن فريق البحث من إنجاز “خريطة حرارية” للكوكب أثناء دورانه حول النجم، والتي أظهرت جانبي النهار والليل للكوكب على حد سواء (قبل أن يحمله مداره خلف النجم مباشرة، وعندما ظهر على الجانب الآخر)، وكشفت النقاب عن تفاصيل تكوين الغلاف الجوي الخاص به.
تقول الدكتورة كيمبتون “كانت القدرة على الحصول على مدار كامل أمرا بالغ الأهمية حقا لفهم كيفية توزيع الكوكب للحرارة من جانب النهار إلى جانب الليل. هناك الكثير من التباين بين النهار والليل. الجانب الليلي أبرد من جانب النهار. في الواقع، تحولت درجات الحرارة من 279 إلى 165 درجة مئوية”.
مثل هذا التحول الكبير ممكن فقط في الغلاف الجوي المكون من جزيئات ثقيلة، مثل الماء أو الميثان، والتي تبدو متشابهة عند مشاهدتها بواسطة كاميرا ميري، وهذا يعني أن الغلاف الجوي لكوكب “جي جيه 1214 بي” لا يتكون أساسا من جزيئات هيدروجين خفيفة، كما قالت كيمبتون، وهو دليل مهم لتاريخ الكوكب وتكوينه وربما بدايته المائية، وتكمل قائلة “هذا ليس جوا بدائيا. إنه لا يعكس تكوين النجم المضيف الذي تشكل حوله. بدلا من ذلك، إما أنه فقد الكثير من الهيدروجين -إذا بدأ بجو غني بالهيدروجين- أو أنه تم تشكيله من عناصر أثقل كبداية، مادة جليدية وغنية بالمياه”.
أكثر برودة مما كان متوقعا
كما أشارت كيمبتون إلى أنه في حين أن الكوكب حار بالمعايير البشرية، فإنه أبرد بكثير مما كان متوقعا، ويرجع ذلك إلى أن جوه اللامع بشكل غير عادي (والذي كان مفاجأة للباحثين) يعكس جزءا كبيرا من الضوء من نجمه الأصلي بدلا من امتصاصه وزيادة درجة حرارته، ويمكن أن تفتح المشاهدات الجديدة الباب أمام معرفة أعمق بهذا النوع من الكواكب المجهولة.
ويذكر روب زيلم باحث الكواكب الخارجية الذي يعمل مع الباحثة المشاركة تيفاني كاتاريا الزميل الباحث في الكواكب الخارجية في مختبر الدفع النفاث التابع لناسا “على مدار العقد الماضي تقريبا، كان الشيء الوحيد الذي نعرفه حقا عن هذا الكوكب هو أن الغلاف الجوي كان غائما أو ضبابيا. هذه الورقة لها آثار رائعة حقا لتفسيرات مناخية إضافية مفصلة، ولإلقاء نظرة على الفيزياء التفصيلية التي تحدث داخل الغلاف الجوي لهذا الكوكب”.
القزم الأحمر
ويشير العمل الجديد إلى أن الكوكب ربما يكون قد تشكل بعيدا عن نجمه، وهو من نوع يعرف باسم القزم الأحمر، ثم اقترب تدريجيا نحو الداخل إلى مداره الحالي، حيث تستغرق سنة الكوكب -دورة واحدة حول النجم- 1.6 يوم فقط من أيام الأرض، تقول كيمبتون “إن أبسط تفسير، إذا وجدت كوكبا غنيا جدا بالمياه، هو أنه تشكل بعيدا عن النجم المضيف”.
في المستقبل، سوف تكون هناك حاجة إلى مزيد من المشاهدات لتحديد مزيد من التفاصيل حول كوكب “جي جيه 1214 بي” بالإضافة إلى تواريخ تكوين الكواكب الأخرى من فئة نبتون الصغيرة، وفي حين أن وجود الغلاف الجوي المائي لهذا الكوكب يبدو منطقيا، فمن الممكن أيضا وجود مكون كبير من الميثان، وسيتطلب استخلاص استنتاجات أوسع حول كيفية تشكل “نبتون الصغير” رصد المزيد منها بعمق، وتختتم كيمبتون قائلة “من خلال مراقبة مجموعة كاملة من الكواكب مثل هذه، نأمل أن نتمكن من بناء قصة متسقة”.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.