مقدمة الترجمة:
نمر حاليا في دولنا العربية، والعالم بأسره، بموجة حارة شديدة الأثر يتوقع أن تنكسر خلالها بعض الأرقام القياسية، وللأسف لا يمكن لنا القول إن القادم سيكون أكثر هدوءا، فمع تصاعد متوسطات درجات الحرارة عالميا ليتخطى حاجز 1.5 درجة فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي، سندخل إلى عالم جديد تماما بحسب تحذيرات العلماء في هذا النطاق، عالم يُمثِّل نقطة تحول بالنسبة لمناخنا وبيئتنا على الأرض، مادلين كاف محررة “نيو ساينتست” تعلمنا القليل عن هذا العالم.
نص الترجمة:
في هذا الوقت من العام المقبل، ربما يبدو كل شيء في حياتك متخما بالهدوء والاستقرار، ربما تقطن المنزل ذاته، وتقود السيارة ذاتها، وتمارس الوظيفة نفسها، لكنّ هناك تحولا جذريا على وشك أن يطرأ على شكل الحياة على كوكب الأرض جرّاء ارتفاع درجات الحرارة عالميا وانتقالنا إلى نمط مناخي يُسمى “النينو” (El Niño) (وهو نمط مناخي يحدث في المنطقة الاستوائية في المحيط الهادئ مرة كل عدة سنوات، ويتميز بارتفاع درجة حرارة سطح المحيط. وتؤدي ظاهرة النينو إلى تغيرات في النظام الجوي والمناخ في مناطق مختلفة حول العالم، بما في ذلك الجفاف في بعض المناطق، والفيضانات في مناطق أخرى).
قد يكون عام 2024 هو العام الذي سيتجاوز فيه الاحتباس الحراري للمرة الأولى مقدار 1.5 درجة مئوية. ربما لا يبدو هذا الرقم كبيرا بالنسبة إليك، وأن ما يحدث ليس بالخطب الجلل، لكن العلماء يحذّرون من أن هذه اللحظة ستكون نقطة تحول تاريخية وعلامة فارقة في تاريخ الكوكب، ولا شك أن تجاوز الارتفاع في درجة حرارة الأرض 1.5 درجة مئوية هو دليل على فشل الجهود السياسية في التصدي لمشكلة الاحترار العالمي. وهذا لأنه قبل ثماني سنوات فقط، وافقت معظم الدول تقريبا على اتفاق قانوني ملزم لإبقاء ارتفاع درجة الحرارة العالمية بحد أقصى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة.
إن تجاوز هذا الحد قريبا سيجر وراءه تداعيات هائلة على مَن يعيشون في المناطق الأكثر تضررا من العالم، وسيجلب هذا الارتفاع طقسا أشد وحشية وتطرفا وغير قابل للتنبؤ به. لكن يتمثّل معقد آمالنا في أننا إذا تمكّنّا من خفض درجة الحرارة مرة أخرى، فقد تمر هذه الفترة بسلام. أما إذا استمرت انبعاثات الغازات الدفيئة في الارتفاع، فسيغدو المناخ أشد قسوة وجحيما. وهو ما يتضح كثيرا في المجتمعات التي تعيش حاليا في الخطوط الأمامية التي انسحقت تحت وطأة التغير المناخي. لذا يمكن اعتبار تجربتهم ببساطة لمحة سريعة عن مستقبل البشرية، ومَن يعلم، فقد يدفعنا ذلك إلى بذل المزيد من الجهود لمحاولة عكس الضرر.
منذ عصور ما قبل الصناعة، ارتفعتْ درجة حرارة العالم بالفعل بمقدار 1.2 درجة مئوية جراء ارتفاع مستويات الانبعاثات الغازية المُسببة للاحتباس الحراري في الغلاف الجوي. تشير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) إلى أنه بحلول عام 2027، سيكون هناك احتمال بنسبة 66% أن نشهد عاما يتجاوز فيه ارتفاع درجات الحرارة 1.5 درجة مئوية. غير أن العلماء يعملون على أساس المتوسطات، بمعنى أنه لا يُحسَب عام واحد بهذا الارتفاع بوصفه خرقا رسميا لهدف 1.5 درجة مئوية المُحدد في اتفاقية باريس لعام 2015. ولكي نسجل خرقا رسميا، لا بد أن تتجاوز درجات الحرارة العالمية هذا الرقم على مدار فترة تمتد إلى 20 عاما، وهذا يعني أننا سندرك ما إذا تجاوزنا الحد الأدنى للحرارة العالمية بعد فوات الأوان.
يقول البروفيسور يوخيم ماروتزكي من معهد ماكس بلانك للأرصاد الجوية في ألمانيا إن من المتوقع أن يحدث ذلك في غضون عقد من الزمن بالنظر إلى مسار ظاهرة الاحتباس الحراري حاليا. ويضيف: “بغض النظر عن كيفية تطور الانبعاثات، سنتجاوز هذا الحد أو نصل إليه بحلول عام 2030”. ستكون هناك في الغالب فروقات محتملة في تأثير تجاوز درجة الحرارة 1.5 درجة مئوية على الحياة اليومية في مناطق مختلفة، فمثلا في المناطق المعتدلة التي تتمتع بجو لطيف نسبيا مثل شمال أوروبا ومعظم المناطق في الولايات المتحدة، قد لا يشعر معظم الناس بفرق كبير في حياتهم بعد تجاوز درجة الحرارة العالمية 1.5 درجة مئوية.
في مثل هذه المناطق المعتدلة، ربما تزداد حِدَّة موجات الحرارة وتطول فترات الجفاف وتكثر حرائق الغابات وتزداد غزارة الأمطار، لكن على الأرجح ستستمر الحياة اليومية إلى حدٍّ كبير دون انقطاع، على الأقل في البداية. ومع ذلك، سيختلف الوضع في المناطق التي ترتفع فيها درجات الحرارة بوتيرة أسرع من المتوسط العالمي. فبالنسبة لمَن يكابدون هذه الأزمة مباشرة ويعيشون في تلك المناطق، قد يصبح تجاوز درجة الحرارة 1.5 درجة مئوية من الاحترار العالمي مسألة حياة أو موت.
عالم قطبي جديد
إن تأثير تغير المناخ بدا واضحا بقوة في القطب الشمالي، إذ ترتفع درجة الحرارة هناك بمعدل أربع مرات أسرع من بقية الكوكب نتيجة للتفاعل المتبادل بين ارتفاع درجات الحرارة وذوبان الجليد القطبي. فمع ذوبان الجليد، يقل انعكاس الشمس عن الأرض وتُمتص المزيد من الحرارة، ويؤدي ذلك إلى مزيد من ارتفاع درجات الحرارة الذي يتمخض عنه ذوبان المزيد من الجليد، وهكذا تستمر الدورة. فمنذ بداية القرن العشرين، ارتفع متوسط درجات الحرارة في فصل الشتاء في الأجزاء الشمالية من نيوفاوندلاند ولابرادور في كندا بأكثر من 1.5 درجة مئوية.
في السياق ذاته، ترى آشلي كونسولو، الباحثة في مجال الصحة بجامعة ميموريال في سانت جونز بكندا، أن تغيّر المناخ يسبب اضطرابات كبيرة للسكان الأصليين في المنطقة، المعروفين باسم “الإينويت”. إن التكوين المتأخر وغير المستقر للجليد في فصل الشتاء يؤثر على أنشطة السكان المحليين في المناطق الشمالية مثل الصيد البري وصيد الأسماك وقضاء بعض الوقت في المقصورات الشتوية. ومن جانبها تقول كونسولو: “عندما يتشكَّل الجليد، يصبح بإمكان الناس القيادة في جميع أنحاء المنطقة، وهو الوقت المفضل من السنة بالنسبة للجميع، لذلك حينما يتشكَّل الجليد في وقت متأخر ويذوب في وقت مبكر، يفقد الناس فترة زمنية مهمة يستمتعون فيها بالأنشطة التي يحبونها”.
عاش المصور إلدريد آلان حياته بأكملها في منطقة نوناتسيافوت في نيوفاوندلاند بكندا، وشهد على التغييرات بنفسه. وعن ذلك يسترسل قائلا: “في السابق، كانت تتساقط الثلوج لفترة طويلة في فصل الخريف، وتتشكَّل طبقة قوية من الجليد، ثم يحل بعد ذلك فصل الشتاء، لكن الوضع تغيّر الآن لأنه حتى منتصف شهر يناير/كانون الثاني الماضي، لم يكن الماء قد تجمد بعد بدرجة كافية للعبور بأمان. لم يعد الأمر مقتصرا فقط على تأخر التجمد كل عام، بل بات الجليد يذوب في وقت مبكر أيضا من كل عام”. يُعَدُّ آلان وعائلته مجرد مثال على ما يكابده سكان المنطقة من آثار تغيّر المناخ ومدى صعوبة عبور المحيط المتجمد.
لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فبمجرد وصول السكان إلى مقصوراتهم، يجتاحهم شعور بالقلق من أن التقلبات في درجات الحرارة قد تتسبب في ذوبان الجليد وتصدعه. تعليقا على ذلك يقول آلان: “تكمن المشكلة في اكتشاف أن درجة الحرارة قد تصل في أحد الأيام إلى -20 درجة مئوية، لكنها تتحول في اليوم التالي إلى 2 درجة مئوية. يتناهى إلى مسامع الأطفال دائما أحاديثنا عن مدى سلامة الوضع. لذا لا يمكن اعتبار أننا وقعنا فريسة لبعض الهواجس، أو أن ما نستشعره من خطر لا مبرر يُسوِّغه”.
في شهر يناير/كانون الثاني قبل عامين، وقع حادث لأحد سكان المنطقة أثناء تزلجه على الجليد عندما اخترقت زلاجته الجليد، وكان من الممكن أن يتعرض لخطر الغرق أو الإصابة بجروح خطيرة، لكنه لحُسن الحظ قد نجا، إلا أن الجميع تأثروا بالحادث الذي رفع مستويات التوتر. وعن ذلك الحادث يقول آلان: “تحوم الكثير من التساؤلات على غير هدى في أذهان الناس بشأن مدى ثقتهم في الموروثات التي تشرّبوها عبر السنين بشأن أماكن السفر الآمنة، فقد آنس العالم رياحا جديدة تهب على جوّه المستقر، وباتت الأمور تتغير كثيرا في وقتنا الحالي”.
وفقا لكونسولو، فإن تغيّر المناخ بات يتوغل بقوة في جميع أنحاء القطب الشمالي، ويؤثر بعمق على الثقافة التقليدية ورفاهية المجتمعات. وعن ذلك تستطرد قائلة: “لديك أشخاص اعتمدوا على البرد والثلج لمئات السنين في جميع جوانب الثقافة، بما في ذلك اللغة، وتبادل المعرفة، والاتصال بالأرض والموارد والأمن الغذائي. تعاني هذه المجتمعات حقا من تغيّرات جوهرية في نمط حياتها وهويتها الثقافية بسبب تأثير التغيرات المناخية”.
لم تعد مشكلة محلية
قد تبدو مشكلة محلية، لكن التهديد الناجم عن ذوبان الجليد سيتردد صداه في جميع أنحاء العالم. وفقا للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، فإن ارتفاع درجة حرارة الأرض بمقدار 1.5 درجة مئوية سيتمخض عنه ذوبان الجليد في القطب الشمالي الذي سيتسبب بدوره في ارتفاع مستوى البحار العالمية بين 0.26 و0.77 مترا بحلول نهاية القرن. لذا إذا تساءلنا عما عسى يتمخض عنه المستقبل عند ارتفاع درجات الحرارة بمقدار درجتين مئويتين، فإن ما قد يُفضي إليه الدرب هو ارتفاع إضافي لمستوى سطح البحر، ما سيؤثر سلبا على ملايين الأشخاص حول العالم.
بشكل مماثل، عندما يتجاوز ارتفاع درجة حرارة الأرض 1.5 درجة مئوية، ستواجه الدول والمناطق ذات المنخفضات المائية تحديات مماثلة بدرجة أكبر. توفر جزيرة فانواتو أيضا نافذة على مشكلة أخرى من المتوقع أن تزداد سوءا، فهي واحدة من أكثر الدول عرضة للظواهر الجوية المتطرفة الناجمة عن تغير المناخ. في عام 2015، ضرب إعصار بام “الأرخبيل” الموجود في هذه المنطقة، ونتج عنه رياح تجاوزت سرعتها 300 كيلومتر في الساعة، وأمواج وصل ارتفاعها إلى 4 أمتار غمرت قرى بأكملها تحت مياهها. دمر الإعصار “الحدائق” المنزلية، التي يعتمد عليها معظم سكان الجزر لزراعة الفواكه والخضراوات، مما أسفر عن تدمير 90% من محاصيل الغذاء في البلاد. أعقب ذلك فترة جفاف شديدة استمرت لعدة أشهر، مما أدى إلى تفاقم مشكلة نقص الغذاء والماء.
في السياق ذاته، تقول إيمي سافاج، التي درست آثار الإعصار والجفاف وتعمل الآن في منظمة الصحة العالمية: “يتراءى لك وجه الحياة أشد تجهما في القرى النائية، فقد اكتنفت الناس هناك أحوال تدعو إلى اليأس نتيجة لتأثرهم بهذا الجفاف. عاش السكان لمدة ثلاثة أو أربعة أشهر معتمدين فقط على عنصر غذائي واحد على غرار المنيهوت (نوع من النباتات)، أو الموز، وكان هذا كل ما تناولوه لشهور”. لذا تحذِّر سافاج من أن التغيرات المتزايدة في المناخ قد تغير ثقافة التغذية في جزيرة فانواتو إلى الأبد.
في مواجهة العواصف الشديدة ومواسم الجفاف التي لا يمكن التنبؤ بها، قررت العائلات التخلي عن المنتجات المزروعة محليا والاعتماد على الأغذية المستوردة، كالمعكرونة سريعة التحضير. وهذا التحول من شأنه أن يزيد من مخاطر الإصابة بأمراض مثل السمنة والسكري وأمراض القلب والأوعية الدموية. ومن جانبها، تقول سافاج: “أعتقد أننا بحاجة إلى تبني وجهة نظر مختلفة عن أن التغير المناخي مجرد مفهوم نظري أو فكرة مبتورة الصلة بالواقع، وبدلا من ذلك لا بد أن ندرك هول الخطب الذي سيحل بحياة الأفراد اليومية”.
بمجرد أن تتجاوز درجة الحرارة 1.5 درجة مئوية، لن تقتصر هذه المشكلات على المناطق النائية فحسب، بل ستزداد التبعات المباشرة على جميع الدول من حيث تهديد الفيضانات والجفاف وحرائق الغابات، وسيغدو النقص الغذائي مشكلة مُلِحّة. وبالفعل حذر مجلس النواب البريطاني في عام 2017 من أن 20% من الفاكهة والخضراوات في البلاد تُستورد من الدول التي يشكِّل تغير المناخ فيها خطرا كبيرا على إنتاج المحاصيل. بجانب ذلك، يعتقد سليم الحق من المركز الدولي لتغير المناخ والتنمية في بنغلاديش أن العديد من الدول الغربية أقل استعدادا لمواجهة خطر تجاوز درجات الحرارة 1.5 درجة مئوية بالمقارنة مع الدول التي تواجه هذه الأزمة في الخطوط الأمامية.
كوارث في المحيطات
بالنسبة لبعض المجتمعات، أصبح التغير المناخي واقعا بالفعل، إذ تعرضت 80% من الشعاب المرجانية في أستراليا إلى ظاهرة التبييض الشديد (وهي ظاهرة تحدث عندما يتعرض المرجان لظروف غير طبيعية مثل ارتفاع درجات حرارة المحيطات، حينها يتوقف نمو الطحالب الصغيرة داخل المرجان وتُطرد إلى الخارج، مما يؤدي إلى فقدان الألوان وتبييض المرجان وموته في النهاية). في الوقت الحالي، تحتاج الشعاب المرجانية إلى بضع سنوات للتعافي من حالات التبييض، مما يسمح للأنواع سريعة النمو بالتعافي جزئيا.
تسببت أحداث التبييض في عامي 2016 و2017 في تدمير أجزاء من الشعاب المرجانية، وفقا لما ذكره كريج ستيفن، صاحب شركة “Mike Ball Dive Expeditions” في كوينزلاند بأستراليا، التي تقدم رحلات غوص للسياح. يعقِّب ستيفن على هذه الأحداث بقوله: “صحيح أن هذه الشعاب المرجانية بدت رائعة بعد مرور عامين أو ثلاثة أعوام من إعادة نموها، لكن هذا التعافي الظاهري لا يعدو كونه مجرد وهم”. بدأت تحدث ظاهرة التبييض بصورة متكررة مؤخرا وفقا لما صرح به العالم تيري هيوز من جامعة جيمس كوك بأستراليا قائلا: “ما كان يُعَدُّ في السابق حدثا نادرا وغير معتاد، أصبح يحدث الآن على نحو متكرر وبشدة أكبر. وما قد يزيد الوضع تفاقما أن الأنواع المرجانية الأسرع نموا هي ذاتها الأكثر عرضة لتقلبات درجات الحرارة”.
تعليقا على ذلك يقول هيوز: “بدأت الأنواع المختلفة من المرجان تتغير بسرعة فائقة، فالشعاب المرجانية التي ستظهر بعد ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية ستختلف تماما عن الشعاب المرجانية اليوم، وعن تلك التي كانت موجودة قبل 30 عاما”. إذا بلغت درجة الاحترار العالمي درجتين مئويتين فقد تختفي الشعاب المرجانية من الوجود إلى الأبد، وفقا للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ، وهذا من شأنه أن يلقي بصناعة السياحة المزدهرة في أزمة وجودية. ومن جانبه يقول ستيفن: “بالنسبة للأعمال التجارية على غرار شركتنا، فسيتعين علينا التكيّف والتغيير، فلا مجال للشك أو التردد في الحاجة إلى إجراء تغييرات على الإستراتيجيات القديمة”.
يُعَدُّ اختفاء الشعاب المرجانية إحدى “نقاط التحول” العديدة التي نخاطر بإثارتها من خلال تخطي حاجز 1.5 درجة مئوية من الاحترار العالمي. المشكلة أن هذه التغييرات لا يمكن التراجع عنها حتى لو تراجعت درجات الحرارة لاحقا. وإلى جانب زوال الشعاب المرجانية، يتصدر القائمة ذوبان الجليد على نطاق واسع من العالم وانهيار الصفائح الجليدية في القطب الشمالي، بما في ذلك جزيرة غرينلاند شمال شرق كندا، اللافت للنظر أنه سيكون من الصعب للغاية على العلماء تحديد متى تجاوزنا هذه النقاط التحولية.
إن الدافع الحثيث وراء خفض انبعاثات الغازات الدفيئة وتقليل ارتفاع درجة الحرارة العالمية هو التقليل من مخاطر تجاوز نقاط التحول الحرجة هذه. وعن ذلك يقول ريتشارد بيتس من مكتب الأرصاد الجوية في المملكة المتحدة: “في حالة عدم وجود ضمانات حول التداعيات السلبية المحتملة، سيكون من الأفضل لو لم نتورع عن وسيلة في سبيل تجنب المخاطرة وعدم الدخول إلى منطقة مجهولة”.
ما السبيل لتفادي الأزمة؟
بما أن الهدف المتمثل في محاولة عدم تجاوز درجات الحرارة 1.5 درجة مئوية بات بعيد المنال ومن الصعب تحقيقه، فإن الجهود اللازمة للتحرك نحو العكس والعمل على إنقاذ المناخ أصبحت أشد إلحاحا. ومن المتوقع أن تصبح التقنيات التي تساعد على إزالة ثاني أكسيد الكربون الزائد من البيئة، سواء من الهواء أو من مياه المحيطات، مجالا اقتصاديا كبيرا في العقود القادمة. ولكي تنجح الجهود المبذولة لخفض ارتفاع درجة الحرارة إلى أقل من 1.5 درجة مئوية، فلا بد أن ننأى عن ظل الحلول القديمة ونستعين بالغابات، والمستنقعات الطفلية أو الأحواض العالية التي تُعَدُّ نوعا من الأراضي المُشبعة بالمياه وتحتوي على تجمعات كبيرة من الطحالب والبقايا النباتية المتحللة، وتعمل على امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الجو وتخزينه في التربة، مما يساهم في تخفيف تأثير غازات الاحتباس الحراري على المناخ.
لكن مع ارتفاع درجة الحرارة، يتزايد التهديد بانهيار هذه المخازن الطبيعية للكربون وفقا لتحذيرات بيتس. فعلى سبيل المثال، قد ينجم عن حرائق الغابات تدميرها بالكامل، كما أن الجفاف يمكن أن يتسبب في تجفيف المستنقعات ويعوق قدرتها على تخزين الكربون. بمعنى أن هذه الأحداث الطبيعية السلبية يمكن أن تؤثر على النظام البيئي وتقلل من قدرته على امتصاص وتخزين ثاني أكسيد الكربون، مما يزيد من كوارث تغيّر المناخ.
ربما ما زال هناك أمل قد يهدهد مخاوفنا قليلا. فمن الناحية النظرية، يمكننا التخفيف من تأثيرات التغير المناخي واستعادة الحالة السابقة بعد تجاوز الارتفاع في درجة الحرارة بأكثر من 1.5 درجة مئوية بحسب كلام بيتس. لكن كلما تجاوزنا حد الارتفاع في درجة الحرارة، ازدادت التحديات والصعوبات في التخفيف من التأثيرات السلبية للتغير المناخي والعودة إلى الحالة السابقة. رغم الأهمية الرمزية لهدف الحفاظ على ارتفاع درجة الحرارة العالمية أقل من 1.5 درجة مئوية، فإنه لا يوجد حد سحري لدرجة حرارة معينة يجعل العالم محكوما بعدها بالهلاك. لكن مع كل زيادة طفيفة في درجة حرارة الأرض، ستغدو النتائج أكثر حِدَّة وتطرفا. لذا من نواحٍ عديدة، لا يُعَدُّ الحد من تجاوز حاجز 1.5 درجة مئوية إنجازا علميا بقدر ما هو إنجاز سياسي.
في الحقيقة، قد نجد أن ارتفاع درجة الحرارة بنسبة 1.4 درجة مئوية يوفر مستقبلا أفضل من ارتفاعها بنسبة 1.5 درجة مئوية، في حين أن ارتفاعها بنسبة 1.7 درجة مئوية لا يزال انتصارا مقارنة بدرجتين مئويتين. يُشبِّه ريتشارد بيتس من مكتب الأرصاد الجوية في المملكة المتحدة مخاطر ارتفاع درجة الحرارة بحدود السرعة أثناء قيادة السيارة بقوله: “عندما يكون الحد الأقصى لسرعة السيارة هو 70 ميلا في الساعة، فذاك لا يعني أن القيادة بسرعة 69 ميلا في الساعة آمنة بالضرورة، ولا يعني أيضا أنك ستلقى حتفك بمجرد تجاوزك 71 ميلا في الساعة، لكن كلما زادت السرعة، زاد خطر وقوعك فريسة للأذى”.
في نهاية المطاف، من المهم أن ندرك جيدا أن تجاوز ارتفاع درجة حرارة الأرض 1.5 درجة مئوية يُشكِّل بداية عملية تدمير تهدد بمحو نظم بيئية كاملة، ومعها ستندثر ثقافات بشرية بأكملها. صحيح أن مَن يتسمّرون الآن في الخطوط الأمامية تحت وطأة طوفان الدمار هذا هم الأكثر تضررا، لكننا جميعا سنتبع المصير ذاته إن لم نتخذ إجراءات فعالة في النهاية.
————————————————————————————————-
هذا المقال مترجم عن New Scientist ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.
ترجمة: سمية زاهر.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.