شهد قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في تركيا تطورا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة، حيث أصبحت هذه الصناعة من أهم القطاعات الاقتصادية في البلاد.
وساهم الابتكار التكنولوجي والتطور السريع للصناعة العالمية للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في تسريع نمو هذا القطاع في تركيا، إذ تسعى الشركات لمواكبة التطورات المتسارعة وتقديم حلول تكنولوجية مبتكرة ومنتجات ذات جودة عالية، بما يعزز تنافسيتها على المستوى العالمي.
ويظهر التحول الإيجابي الذي يشهده القطاع التركي في النمو السريع لعدد الشركات التقنية، وزيادة التوظيف في قطاع التكنولوجيا، وتحقيق زيادة كبيرة في إيرادات الصادرات.
وبلغ حجم سوق تكنولوجيا المعلومات والاتصالات نحو 409 مليار ليرة (17.2 مليار دولار بالسعر الحالي) العام الماضي، بنسبة نمو 54% عن عام 2021، متجاوزا بذلك التوقعات الأولية، وسط ترجيحات باستمرار النمو خلال 2023، بحسب التقرير الصادر في مايو/أيار الماضي، عن مؤسسة توبيساد التركية (TÜBİSAD).
وبحسب البيانات الرسمية، فقد توسعت صناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في المتوسط بنسبة 25.2% بين عامي 2018 و2022، مع نمو حجمها خلال السنوات الخمس الماضية.
وازداد التوظيف في القطاع بنسبة 15%، حيث بلغ عدد العاملين فيه حوالي 213 ألف شخص، وتعززت العمالة في شركات تكنولوجيا المعلومات بنسبة 17% لتصل إلى 171 ألفا، في حين ارتفعت العمالة في قطاع تكنولوجيا الاتصالات بنسبة 7% لتصل إلى 42 ألفا.
وصرح رئيس “توبيساد” ليفينت كيزيلتان، في فبراير/شباط 2022، بأن عدد موظفي تكنولوجيا المعلومات الحاليين غير كافٍ، مرجحا زيادة هذا العدد تدريجيا إلى مليون شخص.
كما حقق هذا القطاع زيادة كبيرة بعائدات الصادرات من صناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، حيث وصلت إلى 28.6 مليار ليرة (1.2 مليار دولار) في حين شكل قطاع برمجيات تكنولوجيا المعلومات 23.8 مليار ليرة (مليار دولار) من إجمالي عائدات التصدير، وفق توبيساد.
وفي سياق متصل، ذكر تقرير “بيانات سوق صناعة الاتصالات الإلكترونية التركية” -الذي أعدته وزارة النقل والبنية التحتية وهيئة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في 14 يونيو/حزيران الجاري- أن إجمالي حجم الاستثمارات التي قام بها مشغلو شركات الاتصال العام الماضي ارتفع بنسبة 42.7% مقارنة بالعام 2021، وبلغ 31.1 مليار ليرة (1.3 مليار دولار).
التأثير الاقتصادي
ويكتسب قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات أهمية كبيرة لإسهامه في تعزيز النمو الاقتصادي، وتوفير فرص العمل وزيادة الاستثمارات في تركيا.
ويؤكد الكاتب التركي -المهتم بالتكنولوجيا والاتصالات- أرجان أرسلان أنّ قطاع تكنولوجيا المعلومات يؤدي دورا محوريا في النمو الاقتصادي والعمالة في تركيا وعموم البلدان. ومن منظور اقتصادي، يظهر بوضوح تأثيرها في معظم القطاعات المختلفة، كونها القاطرة الأساسية للابتكار والإنتاج والنمو.
ويضيف في حديثه -للجزيرة نت- أن شركات تكنولوجيا المعلومات تساهم في تنشيط السوق بشكل مباشر، سواء كانت شركات ناشئة صغيرة أو كبيرة متعددة الجنسيات، وذلك من خلال صناعة فرص عمل جديدة، وزيادة الصادرات.
ويعمل هذا القطاع على تحفيز المؤسسات ودفعها لتعزيز نشاطها الاقتصادي من خلال الاستثمار في البنية التحتية والبحث والتطوير، وعبر الاستثمار في الموارد البشرية، بالإضافة إلى المساهمة في قطاع تكنولوجيا المعلومات بشكل غير مباشر في الاقتصاد، بحسب أرسلان.
ويلفت أرسلان إلى أن قطاع تكنولوجيا المعلومات يؤثر بشكل كبير في تحسين حياة المجتمع، وتعزيز الانفتاح والشمولية والقدرة على الارتباط والتواصل عبر المدن والدول والقارات، كما يسهل توفير الخدمات العامة بشكل فعال وحيوي، من خلال المنصات الرقمية.
ويتابع أنه نتيجة لذلك، فإن تحول تكنولوجيا المعلومات إلى القطاع الرقمي يساعد الوكالات والمؤسسات الحكومية على العمل بشكل أكثر كفاءة، والتفاعل والتواصل المباشر مع المواطنين بشكل دائم.
الابتكار والتكنولوجيا
ولعبت سياسة الحكومة التركية الداعمة للتكنولوجيا والابتكار دورا هاما في تعزيز نمو القطاع، من خلال توفير بيئة ملائمة للاستثمارات في الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وتشجيع الشركات المحلية والأجنبية على الاستثمار في البلاد وتطوير مشاريعها في هذا المجال.
ويكشف خبير الأمن السيبراني أوزكان غينغورو عن وجود استثمارات تركية جيدة في هذا المجال، فهناك مشاريع قيد التنفيذ، ودراسات وسياسات مقترحة من قبل الحكومة لتطوير مجال البرمجيات، والأمن السيبراني، ومراكز البيانات.
ويبيّن غينغورو -في حديث مع الجزيرة نت- أن تركيا قطعت شوطا كبيرا في هذا المجال، وهذا ما جعلها تتميز في سوق التقنية والاتصالات العالمي، منوها إلى أنها باشرت بإنتاج منتجاتها التقنية الخاصة والمحلية التي تلبي احتياجات شركات القطاع الخاص، وتتجه نحو تقليل اعتمادها على الخارج.
ويصف التكنولوجيا بأنها “تيار لا نهاية له” لكن الدولة التركية تلبي احتياجات القطاع الخاص بمنح مالية ولوجستية لدعم الشركات المهتمة بهذا المجال وتعزيز نجاحها، كما تقوم بإجراء دراسات منسقة وبحوث تطويرية من خلال الشركات الحكومية والخاصة.
فرص واعدة
ويتم تنفيذ المشاريع التكنولوجية بجهود مشتركة بين القطاع الأكاديمي والقطاع الخاص، ومنها مراكز البحث والتطوير.
ويتحدث غينغورو عن وجود فرص واعدة ودعم كبير تقدمه الدولة لرواد الأعمال الجدد في مجال تكنولوجيا المعلومات، وخاصة الشباب، وذلك عبر مبادرة تكنوبارك (المدينة التقنية) وبالتعاون مع الجامعات والمراكز والشركات في عدة مجالات متنوعة.
ويوضح الخبير التقني أن الدعم الحكومي لا يقتصر على الأتراك فقط، بل يشمل المستثمرين والشركات الأجنبية، من خلال حصولهم على منح، وتقديم دراسات رفيعة ودقيقة بهذا الشأن، حتى يمكن القول “تركيا أصبحت مركز جذب لرواد الأعمال الشباب”.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.