كيف كشفت قمة هيروشيما خلافات أميركا والأوروبيين حول الصين؟ | سياسة


واشنطن- في ختام قمّتها التي انعقدت بمدينة هيروشيما اليابانية، أصدرت مجموعة الدول السبع الكبرى أقوى رسائلها فيما يتعلق بالصين. فمن جهة قررت تقليل الاعتماد على هذا البلد اقتصاديا، ومن جهة أخرى حذّرت بكين من مغبّة تغيير الوضع الراهن فيما يتعلق بتايوان بالقوة المسلحة.

وقررت مجموعة السبع تنويع سلاسل التوريد الخاصة بها بعيدا عن الصين، وسط مخاوف مما وصفته دول المجموعة بلجوء الصين إلى “الإكراه الاقتصادي”.

وعكست كلمات قادتها الوعي المتزايد بين الدول الغربية بأن اقتصاداتها تعتمد بشكل كبير على الصين، خاصة بعدما كشفت تبعات انتشار وتفشي جائحة فيروس كورونا على تعقيدات سلاسل التوريد الحيوية.

غير أن البيان قال في الوقت ذاته “مناهجنا السياسية ليست مصممة لإلحاق الضرر بالصين ولا نسعى إلى إحباط التقدم الاقتصادي والتنمية فيها.. وفي الوقت ذاته، ندرك أن المرونة الاقتصادية تتطلب الحد من المخاطر والتنويع”.

وعقب انتهاء قمة هيروشيما، عبّرت بكين عن غضبها من موقف الدول الأعضاء تجاهها، وقامت باستدعاء السفير الياباني. كما أمرت الشركات الصينية بالتوقف عن الشراء من ميكرون (Micron) الأميركية لصناعة الرقائق الإلكترونية.

U.S. National security adviser Jake Sullivan speaks at a press briefing at the White House in Washington
جيك سوليفان: نسعى لمعالجة مخاوفنا من الصين لإزالة المخاطر لا الانفصال (رويترز)

إزالة المخاطر وليس الانفصال

وفي حديث للصحفيين على هامش قمة هيروشيما، قال مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان “لكل دولة علاقتها ونهجها المستقلين، ولكننا متحدون ومتفقون حول مجموعة من العناصر المشتركة، نحن نسعى إلى التعاون مع الصين في المسائل ذات الاهتمام المشترك وسنعمل أيضا على معالجة مخاوفنا الكبيرة التي لدينا مع الصين في مجموعة من المجالات”. وأضاف “نتطلع إلى إزالة المخاطر، وليس الانفصال عن الصين”.

من جانبه وفي ختام قمة هيروشيما، سعى الرئيس الأميركي جو بايدن إلى طمأنة الصين بأن الصراع مع الغرب يمكن تجنبه، حتى في الوقت الذي تكثف فيه مجموعة السبع ضغوطها للرد على التهديدات العسكرية والاقتصادية الأمنية المتزايدة لبكين. وقال بايدن “لا أعتقد أن هناك أي شيء حتمي حول فكرة وجود صراع بين الغرب وبكين”.

رسالة قوية للصين

وفي حديث مع الجزيرة نت، اعتبر باتريك كرونين رئيس برنامج أمن آسيا والمحيط الهادي بمعهد “هدسون” والمسؤول السابق بوزارتي الدفاع والخارجية الأميركيتين أن قادة مجموعة السبع بعثوا برسالة جيدة إلى الصين، ووازنوا بين معارضتهم الموحدة للإكراه الاقتصادي والعسكري مع تصميم واضح على عدم فصل الاقتصادات الرائدة في العالم. وقال إن هذا “نهج قوي وحاد وذكي”.

وأضاف كرونين أن هناك “درجة عالية من التوافق الأميركي الأوروبي حول كيفية العمل معا فيما يتعلق بالصين. وهذا التوافق نتيجة تركيز الرئيس بايدن على العمل مع الحلفاء ولقوة بكين محليا ودوليا”.

في حين أن هؤلاء القادة يتفقون، كما يشير كرونين إلى اختلافات بين المشرعين والشركات والسكان “فيما يتناسب مع ديمقراطياتنا المتنوعة”. والفرق الرئيسي أن الأوروبيين “يفضلون القواعد العادلة التي لا تستهدف الصين بالضرورة، بينما يريد الأميركيون قواعد عادلة تركز على التحدي الصيني”.

G7 Summit in Hiroshima
مجموعة السبع قررت تنويع سلاسل التوريد الخاصة بعيدا عن بكين ومخاوف من لجوء الأخيرة إلى “الإكراه الاقتصادي” (رويترز)

تحدٍ أم تهديد؟

ومع الصعود الكبير لاقتصاد الصين خلال العقود الأخيرة، إضافة للطموحات العسكرية الواسعة التي تعكسها ميزانيتها الضخمة للدفاع والتصنيع العسكري، خرجت عشرات الدراسات المتنبئة بحتمية الصدام المستقبلي مع الولايات المتحدة.

وأشارت إستراتيجيات الأمن القومي الأميركي المتكررة -خلال العقدين الأخيرين- صراحة إلى أن بكين تسعى إلى تحدي قوة واشنطن ونفوذها ومصالحها، في محاولة للإضرار بأمن ورخاء الشعب الأميركي.

وترى صون يون خبيرة العلاقات الصينية الأميركية بمركز “ستيمسون” أن رسائل مجموعة السبع إلى الصين كانت غير مباشرة، ولم يذكر البيان الخاص بـ “الإكراه الاقتصادي” الصين بالاسم و”هو في الحقيقة قاسم مشترك أدنى يمكن أن تتفق عليه الدول السبع نظرا لاختلاف علاقة كل منهم فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي مع الصين. ففي الوقت الذي ترى فيه واشنطن الصين تهديدا، تراها أوروبا الغربية تحديا”.

وفي حين يرى بعض الخبراء أن الدولتين دخلتا بالفعل مرحلة المنافسة الشديدة سواء اقتصاديا أو عسكريا فيما يشبه حربا باردة جديدة لن تنتهي قريبا، يعارض آخرون هذا الطرح في ظل العلاقات الضخمة والمعقدة التي تجمع الدولتين، وعلى رأسها تبادل تجاري بلغت قيمته 691 مليار دولار عام 2022، منها 537 مليارا صادرات صينية مقابل 154 مليارا صادرات أميركية.

وفي حديثها مع الجزيرة نت، قالت صون “هناك دائما مجال لتحسين علاقات الولايات المتحدة والصين، ولكن ذلك يعتمد على التوقعات. ومن غير المرجح حدوث تحول إستراتيجي كامل من قبل أي من القوتين العظميين، لكن هذا لا يعني أنهما لا يستطيعان تحسين علاقاتهما في القضايا الفنية مثل التعاون بمجال تغير المناخ وإدارة خلافاتهما بشكل أفضل”.

فجوة تجاه الصين

دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون -خلال زيارة قام بها للصين الشهر الماضي- إلى “عدم الدخول في منطق الكتلة مقابل الكتلة” مشددا على ضرورة ألا تكون أوروبا “تابعة” للولايات المتحدة أو الصين فيما يتعلق بتايوان.

وقال ماكرون في مقابلة صحفية “أسوأ شيء هو الاعتقاد أننا -نحن الأوروبيين- يجب أن نكون أتباعا بشأن مسألة تايوان”.

من جانبه، اعتبر خبير العلاقات الأميركية الصينية بمجلس العلاقات الخارجية جوش كورلانتزيك أن القمة بعثت “برسالة موحدة إلى حد ما ولكن هناك بالتأكيد فجوات كبيرة ومتزايدة بين الولايات المتحدة وأوروبا بشأن التعامل مع سياسات الصين، دون أدنى شك”.

ورجح كورلانتزيك في حديث للجزيرة نت أن تلعب هذه الأمور دورا مهما الأشهر المقبلة حيث إن أوروبا ليست سعيدة باقتراح بايدن فيما يتعلق بأشباه الموصلات (الرقائق الإلكترونية التي تدخل في كثير من الصناعات الأساسية) وأيضا بالفكرة العامة المتمثلة في انفصال اقتصادي أكبر عن الصين.

ويعتقد الخبير الأميركي أن أوروبا الغربية ترى الصين تهديدا كبيرا حتى أكثر من ذلك بعد حرب أوكرانيا، لكنها أكثر اعتمادا على التجارة الصينية وتخشى أن تفقد (الكثير).

وفي النهاية اعتبر كورلانتزيك أن هناك مجالا لتحسين العلاقات بين واشنطن وبكين “لكنني لن أراهن على ذلك في موسم انتخابي ساخن في أميركا حيث سيتبارى المرشحون في التعبير عن مواقف متشددة للغاية تجاه الصين”.


اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Previous post اشتعلت النيران في سيارات في كارديف حيث تواجه الشرطة البريطانية “اضطرابًا واسع النطاق” بعد حادث سير
Next post وزارة الرياضة تحذر من التعامل مع الصفحات الغير رسمية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading