الصداقة مرتعنا الآمن، متطلباتها قليلة وعوائدها علينا عظيمة، لذا حين تُصادق شخصا جديدا لن يخطر ببالك حينها أن صداقتك به قد تنتهي، لكن مسارات الحياة وتقلباتها لا تسمح للمرء سوى بالقدر الضئيل من الثبات، وشئنا أم أبينا، تنتهي الصداقات الجميلة منها والسيئة. قد تُفاجأ في لحظة ما بتورطك بصداقة ثقيلة على قلبك، شخص يؤذيك ويؤثر عليك سلبا أو يتلاعب بك، أو ربما ترغب في قطع علاقتك بصديق ما أيا كان السبب، حينها لا يعرف أغلبنا طريقة مثلى لإنهاء الصداقة عندما يشعر بأنه ما عاد قادرا على الاستمرار، أو أن يكتشف أن الشخص المدعو “صديقه” يؤذيه بشكل ما. إن الأمر تحوَّل إلى مهمة شاقة، ربما لأن في علاقة الصداقة مساحة ضبابية عن معنى الإساءة والأذى فيها. في هذا الدليل نُعرِّفك بأكثر الطرق الصحية لإنهاء صداقتك بشخص لا تشعر بالأمان معه.
ما ينبغي أن تعرفه
من المهم، قبل إنهاء الصداقة، أن ترتب أفكارك وتحدد بالضبط أسباب عدم رغبتك في وجود هذا الشخص في حياتك، لأن هذا التنظيم سيساعدك على التقدم بشجاعة وتجاوز الأمر بسرعة. رتّب أفكارك بالكتابة، لا داعي لمشاركة ما كتبته مع صديقك. إنها طريقة للتعبير عما يدور في ذهنك من أفكار ومشاعر فحسب، لكن تجنّب مناقشتها حتى تتضح الصورة لك.
لماذا قد تُنهي صداقتك به؟
- تغيّرت الظروف، اتخذت حياتكما مسارات مختلفة.
- اتسعت الفجوة بينكما، سواء على مستوى المكان أو الاهتمامات أو الالتزامات.
- يكذب عليك ويخدعك.
- سلبيته تطغى على حياتك وتؤثّر على نفسيتك مع العجز عن مساعدته.
- أصبح العلاقة كأنها التزام أكثر من كونها صداقة.
- لم يكن صديقا من البداية، بل صديقا عدوا أو منافسا ودودا.تعارضتْ قيمكما ومبادئكما بشكل ما.
نظرا لقلة تناول علاقة الصداقة ذاتها، قد لا تجد مسوّغا لإنهائها، وإن وجدته فقد تشعر أن “صديقك على عيبه”، مؤكدا لنفسك أن قطع صلتك به تصرف مُنافٍ للأخلاق والأصول. بالطبع هي خسارة فادحة، خاصة حين تكون صداقة طويلة أو عميقة، لكن عليك أن تعرف أن شخصا لا يُحسّن حياتك أو يقلل من قدرك أو يتسبب لك في أي أذى دون أن يعتذر عنه أو يشرح نفسه، لا يستحق مساحة من حياتك أو جزءا من وقتك واهتمامك.
كيف تتعرّف على الصداقة المؤذية؟
عموما، العلاقة الصحية هي العلاقة التي يتساوى طرفاها في العطاء والأخذ، أما في الصداقة المؤذية أو السامة، فعادة ما يمنح طرف أكثر مما يتلقى. راقب شعورك في المرة القادمة التي تُقابل فيها صديقك الذي تفكر في قطع علاقتك به وبما تشعر بعد أن تقضي وقتا بصحبته. علامات الصداقات المؤذية واضحة، لكن أحيانا نخبئها خلف ستارة المبررات: أولا، تجده لا يعبأ بأمرك ولا يولي اهتماما بحياتك. ثانيا، يكذب عليك، أو يتلاعب بك، أو يحاول التحكّم بك أو فرض آرائه عليك. ثالثا، لا يُعتمد عليه ولا يدعمك تحت أي ظرف. رابعا، تشعر أنه يحكم عليك وينتقدك. خامسا، تشعر بأنك مُستنزَف نفسيا بعد قضاء الوقت معه.
لكن الأمر يبدأ وينتهي عند الحدس. ربما لا تجد الأسباب التي دفعتك للتفكير في إنهاء تلك الصداقة هنا، لذا اتبع حدسك، أحيانا يتلاعب بعض الناس بطرق ملتوية، قد لا تتضح طريقة إيذائه لك بشكل تتمكن من التعبير عنه في كلمات واضحة تبرر بها لنفسك أو حتى تدعم قرارك، لذا عليك بحدسك، شعورك هذا الخفي الذي يبث فيك قلقا وانزعاجا غامضا من شخص ما، لا تُكذِّبه.
ماذا أفعل كي أنهي هذه الصداقة؟
- أولا: انسحب من العلاقة تدريجيا
تعتمد هذه الطريقة على أن تدع الصداقة تصل إلى نهايتها الطبيعية بأن تقلل التواصل معه شيئا فشيئا، يشبه هذا تفكيك غرز الجرح واحدة تلو الأخرى بدلا من تمزيقها دفعة واحدة، وهو حل مناسب في حال قلقك من المواجهة أو عدم تفضيلك لها، لأنه بطبيعة الحال قد لا يُنصت الطرف الآخر لما تقوله أو لا يتقبّله بصورة لائقة. ليس هذا فحسب، الانسحاب محاولة لتفادي تجريح المشاعر ولفظها في العلن في حال التخوف من ذلك. بدلا منه، تعلل بالانشغال، أو بشكل عام قلل تواصلكما، بمعنى أن ترسل رسالة بدلا من الاتصال، أن تنسحب من تفاعلك على حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي، أن تُلغي متابعته وليس صداقته، في حال تطلب الأمر التعليق عنده، علّق بردود قصيرة، لا تفتح بابا لمزيد من الحوار، وغيرها من مناورات كهذه.
ليس عليك الشعور بالذنب جراء هذا السلوك، قد تحدث هذه الأشياء بشكل طبيعي في أي صداقة مع تقلّب الظروف، المختلف في هذا السياق أنك ستقرر بشكل واعٍ سلك هذا الطريق بنفسك. لكن عليك الانتباه أنه بينما الانسحاب التدريجي أنسب وألطف بك، قد لا يتقبله الشخص الآخر ويعدّه إهمالا أو تجاهلا متعمدا، قد لا يفهم أنك تحاول إنهاء الصداقة، وأيضا قد يقلق من اختفائك أو تغيّرك المفاجئ، لذا من الأفضل اللجوء لحل الانسحاب حين يكون الصديق مؤذيا أذى تخاف على نفسك منه، أو في حال لا تعبأ بالأمر كله إلى حدّ أنك لا تريد التبرير له من الأساس(1).
- ثانيا: اعقد هدنة في حال أنك لم تحسم قرارك
ستُفاجأ مما قد تؤول إليه الصداقات، لذا لا بأس إن أخبرت صديقك بأنك بحاجة إلى “هدنة” في حال لم ترغب في قطع العلاقة من بابها، ليس منه بالتحديد، بل من التواصل مثلا، لتدرس مشاعرك عن كثب، لذا لا تدع مشاعر صديقك تغمرك وتشتتك عن هدفك الأساس الذي هو رسم حدود واضحة مع هذا الشخص. لهذه الاستراحة تأثير إيجابي من عدة نواحٍ: أن تفكّر في أهمية هذه الصداقة من عدمها دون تأثير هذا الشخص عليك، أن تمنح نفسك وقتا حتى تهدأ في حال كنت غاضبا، وأيضا وقتا لتفكّر مليا فيما يزعجك منه. قد تُخبره هذه الأسباب بصراحة، أو قد تكتفي بقول إنك ستنشغل بشدة خلال الفترة المقبلة لذا لن تظهر كثيرا.
إن كنتما قد تحدثتما في بعض المواضيع، في وسعك أن تقول إنك بحاجة إلى وقت لهضم نقاشكما، وإنك ستتواصل معه فور شعورك بالجاهزية. خلال الهدنة، يجدر بك إلغاء متابعة صديقك أو كتم حساباته على وسائل التواصل كي تحظى بمساحة لا يعكّر صفوها وجوده وتأثيره. في حال قررت استكمال الصداقة، عليك أن تتأكد أن كليكما متفق على الصفحة نفسها من التوقعات والحدود بينكما(1).
- ثالثا: عبِّر عن امتنانك للدور الذي لعبه في حياتك
في حال قررت مصارحة صديقك بمشاعرك ورغبتك، حاول أن تصرح بأي أمر إيجابي أو لطيف تشاركه مع هذا الشخص، سواء كان وقتا ممتعا قضيتماه معا، أو خدمة قدّمها لك، أو شيئا علّمك إياه، أو أثرا تركه فيك، أو تمشية طويلة خففت عن نفسك، أو وقتا تحمّل فيه شكواك وتذمرك، أو موقفا صعبا ساعدك على تخطيه، أو هدية أهداها إليك، أو وجبة شهية تناولتها بصحبته، أي موقف. عليك وقتها أن تخبره عما عَنى ذلك لك وعن مقدار امتنانك له.
في وسعك إحباطه بسهولة، أنت بالفعل أحبطته بإنهاء صداقتكما، لكن العطف واللطف قرار فردي وشجاع، في يدك الآن ألا تردّ الأذى بأذى مثله، في وسعك أن تكون نموذجا للترفق بمشاعر صديق سيختفي من حياتك عما قريب، ربما قد يتعلّم هذا الشخص قيمة أن يحظى بصديق مخلص وصدوق. قد لا يكون هذا سهلا، لكنك قد ترسل له رسالة ضمنية تُنبّهه بعلاقاته بالآخرين، وقد تتعلّم أنتَ أيضًا شيئًا جديدًا عن نفسك، إذ عبر امتنانك له ستلاحظ المواقف التي جعلت هذه الصداقة ممكنة في المقام الأول، وستسهِّل الانفصال على نفسك، وستشعر بتحسّن كبير حيال الطريقة التي اخترتها لتنفيذ هذا الانفصال(2).
- رابعا: تحدَّث معه مباشرة وبصراحة
توجد حلول أخرى في حال قررت أن الانسحاب تدريجيا ليس خيارا مناسبا. عليك مواجهته ببساطة. عقدت العزم على إنهاء صداقتك بالشخص المعني، صحيح؟ لا شيء قد يُغيِّر رأيك، صحيح؟ إذن كل حديثك سيدور عنك أنت، عن مشاعرك وقرارك. كثيرون، بسبب الانفعال أو الألم، يندفعون للوم شخص آذاهم، شخص قرروا قطع علاقتهم به، لِمَ؟ لن يجلس أمامك صامتا إن ألقيت باللوم عليه، من الطبيعي أن يدافع عن نفسه ويبرر كل ما تتهمه به، قد تتصاعد الأحداث بسرعة وينشأ نزاع أو شجار جديد.
بعيدا عن مَن قد يوصف بالضحية في علاقتكما، عليك تجنّب الجُمل التي لن تجلب سوى المزيد من المشاحنات مثل: “لقد جعلتني أفعل كذا”، “ما كان عليك أبدا أن تقول/تفعل كذا”، “أنت لست سوى كذا”. صحيح أن التعبير عما يدور في ذهنك سيريحك نفسيا، لكن تلك الكلمات ستؤدي بك إلى فخ دراماتيكي، ولن تُنهي العلاقة أبدا. على الناحية الأخرى، حين تصرّح بمشاعرك بوضوح فأنت تضع نفسك أولوية. عليك أن تقول: “شعرتُ بـ… حين حدث كذا، ولهذا قررت كذا”. بهذه الطريقة تُعبّر عما تريده ولا تريده في صداقتك بالآخرين. حين تصف الموقف الذي آذاك، فأنت تشير بوضوح إلى التصرّفات التي فتّحت عينيك على مستقبل علاقتكما. لن يمنحك اللوم سوى شعور مؤقت بالنصر، أما الصراحة والصدق فهما يتطلبان شجاعة أكثر من اللوم، وسيؤديان بك إلى نتيجة مُرضية على المدى البعيد.
ربما، مهما حاولت أن تُبقي الأمور هادئة، ينفعل صديقك ويخرج الأمر عن سيطرتك، وقتها ليس عليك سوى أن تُنهي الحوار بدبلوماسية وتغادر المكان. ذكرنا مسبقا أنك ستعبّر عن امتنانك للأوقات التي قضيتماها معا والتاريخ المشترك بينكما، ربما لن يستقبل الطرف الآخر هذا الكلام، لن يسمعه وسط كل ما ستقوله، لكن على الأقل، من ناحيتك، ستكون متأكدا أنك بذلت قصارى جهدك لإحداث أقل ضرر ممكن(2).
- خامسا: ارحل بهدوء، بلا انتقام أو ضجة
يحب البعض ألا يرحلوا بلا أثر، أثر حرفي. يندفعون مع غضبهم وتصميمهم على أخذ حقهم كاملا، سواء أكان حقا معنويا أو ماديا أو مجرد رد الضربة، العين بالعين، لكن هذا ليس أفضل مسار لصحتك النفسية. من الطبيعي أن تشعر بالغضب حين تتعرض للأذى أو الإهانة أو التجريح، بل طبيعي لدى البعض أن يرغبوا في أن يتحمّل مَن آذاهم بعضا من العواقب، لكن الهوس أو التركيز على تلك الرغبة شديد الضرر على سلامك النفسي.
حتى تخيّل معاقبة صديقك السابق سيؤدي بك إلى التمسك بمشاعرك السلبية في حالتها الأولى، وتنخرط في حلقة مفرغة من التحدّث عنه والشكوى منه إلى درجة تستنزف مشاعرك أكثر من علاقتك به. ليس جميعنا قادرا على “مسامحة” مَن آذانا بسهولة، لذا ذكّر نفسك دائما، ما دام أن التواصل بينكما انقطع، أن تدع الأمر يرحل بخفة، وأن تأخذ الحياة مجراها في تخفيف المشاعر والأمور، لن يكون سهلا تخطي الأذى، لكن تذكَّر أن أفضل انتقام لشخص آذاك هو تخطيه تماما والخروج من هذه الحلقة في حالة أكثر استقرارا من الماضي، حتى وإن لم يعرف هذا الشخص تقدمك فيما بعد، لكن الانتقام هو مساحة، بشكل آخر، لكي يستمر مَن آذاك في السيطرة على أفكارك وأحاسيسك(2)(3).
- سادسا: كوِّن شبكة أمان حولك(3)
حاول أن تعوّض الفراغ الذي تركه هذا الصديق، أو إصلاح ما أفسده، بأن تُحط نفسك بشبكة آمنة، سواء من العائلة أو أصدقائك المقرَّبين. افعل أشياء تحبّها أو نشاطات عادة ما تشعرك بتحسن كيلا تعتمد على من حولك بشكل كامل. عُد إلى مشروع بدأته ثم أجَّلته، مارس رياضة ما، حبذا لو جماعية مثل كرة القدم أو كرة السلة، اقرأ، زُر مكتبة مدينتك، أي نشاط يذكِّرك بأنك لن تظل حزينا أو غاضبا وقتا طويلا. أحط نفسك بأشخاص إيجابيين، ليسوا بالضرورة أصدقاء، أشخاص يحترمون حدود الآخرين، ويبحثون عما تبحث عنه في علاقاتك الإنسانية. ستتمكن الآن من اختيارهم بعناية بعدما مررت بالتجربة بنفسك(3).
كلمة من فريق سكون
لا يختلف إنهاء الصداقات عن إنهاء العلاقات العاطفية، بل يتساويان في الضغط والتألم والاستنزاف العاطفي، لذا عليك الانتباه لنفسك والترفّق بها خلال إنهاء الصداقة وبعدها، من الطبيعي أن تشعر بالغضب أو الحزن، لأنك خسرت شخصا استثمرتْ في علاقتك به ولم يكن شخصا عابرا. راقب التغيّرات في نفسيتك، خفف ضغوطات العمل إن كان ذلك ممكنا حتى لا ينعكس الأمر بالسلب على صحتك الجسدية، وتأكد تماما أن ما تشعر به سيمر ويهدأ بمرور الوقت.
——————————————————————–
المصادر:
- How to End a Friendship? Arlin Cuncic, Verywell Mind, 2022.
- What’s the Best Way to End a Toxic Friendship? Suzanne Degges-White Ph.D., Psychology Today, 2021.
- Five Steps to End a Toxic Relationship, Rosemary K.M. Sword and Philip Zimbardo Ph.D., Psychology Today, 2015.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.