“الشيء الذي لا تهتم به، ستفقده”، قاعدة تعارف عليها البشر من قديم الأزل، وكانت سببا في استمرار دوران عجلة الحياة دون توقف؛ وخصوصا فيما يتعلق بجسم الإنسان ونموه وصحته، والحفاظ على دوام نشاطه وحركته؛ تفاديا للفقدان التدريجي والمتسارع لكتلة عضلاته وقوتها، مع التقدم في العمر.
يُشير بحث أجراه البروفيسور روبن دالي، والدكتور ديفيد سكوت، من معهد النشاط البدني والتغذية في جامعة “ديكين” (Deakin)، بأستراليا؛ “أننا جميعا مُعرضون لفقدان عضلاتنا تدريجيا، بدءا من منتصف الثلاثينيات من العمر”.
وهي الخسارة التي تتسارع في السنوات اللاحقة، حتى تُسبب انخفاضات كبيرة لحوالي 30% ممن تزيد أعمارهم على 60 عاما، فتُصيبهم بحالة متقدمة من فقدان كتلة العضلات ووظيفتها، تُسمى “ساركوبينيا”؛ تُقلل كريات الدم البيضاء، وتزيد من خطر السقوط والكسور وفقدان التوازن، والعديد من الأمراض المزمنة الأخرى. وهي مخاطر صحية قد لا تطال الذين يتبعون نمط حياة نشطا من البداية، ويحافظون عليه مع تقدمهم في العمر.
تمارين المقاومة التدريجية
ما سبق لا يعني أن الأوان قد فات على إعادة بناء العضلات للأشخاص الذين بلغوا الستينيات أو السبعينيات أو الثمانينيات أو حتى التسعينيات من العمر، دون أن يستخدموا عضلاتهم أو يولوها العناية الكافية. ولكن “الفوائد الصحية تستحق العناء”، كما قال سقراط في القرن الرابع قبل الميلاد.
ووفقا للبحث، فإن الخبر السار هو أن الأوان لم يفت أبدا للبدء من جديد، حتى بالنسبة لمن يعانون من الآثار الموهنة لضمور العضلات. بشرط الانخراط في “تدريبات المقاومة التدريجية” بالتحديد، باعتبارها الأكثر فعالية لبناء وتقوية العضلات في جميع الأعمار.
فبعد الاستفادة من تدريبات المقاومة التي تشمل: شد شرائط المقاومة؛ أو رفع الأوزان الحرة مثل “الدمبل” (حتى لو بالبدء بأوزان خفيفة جدا؛ باعتبار أن بعض الشيء دائما، أفضل من لا شيء). أو استخدام أوزان الأجهزة المتوافرة في الصالات الرياضية “الجيم”؛ أو ممارسة تمارين وزن الجسم (كالضغط، أو القرفصاء، أو العُقلة، أو الجلوس على الحائط). ويمكن الانتقال إلى “تدريب المقاومة التدريجي”، بجعل التمرين أكثر صعوبة بمرور الوقت، ورفع أوزان أثقل تدريجيا، أو ممارسة تمارين المقاومة أو وزن الجسم، بشكل أكثر صعوبة.
وقد أظهرت التجارب باستمرار أن جميع البالغين، بمن فيهم الأشخاص الضعفاء جدا، الذين تزيد أعمارهم على 75 عاما؛ يمكنهم تقوية كتلة العضلات عن طريق القيام بتمارين المقاومة التدريجية مرتين على الأقل في الأسبوع.
نتائج مذهلة في أقل من شهرين
أظهرت دراسة أساسية مبكرة، شملت 10 أشخاص في سن الشيخوخة، تتراوح أعمارهم بين 86 و96 عاما؛ خضعوا لبرنامج تدريبي قصير للمقاومة التدريجية عالية الكثافة، أن هؤلاء الكبار الضعفاء، “أصبحوا أقوى من ذي قبل بـ3 مرات تقريبا، بعد 8 أسابيع فقط، هي مدة البرنامج التدريبي الذي واظبوا عليه”.
فقد حققوا زيادة في متوسط مساحة عضلات منتصف الفخذ بنسبة 10% تقريبا، (ما يعادل كمية العضلات المفقودة على مدى عقد من الزمان)؛ بالإضافة إلى تحسن متوسط سرعة المشي بنسبة 48%، وزيادة قوة الساق بنحو 180%.
خسارة الوزن مع الحفاظ على العضلات
كثير من كبار السن يعانون من السمنة، مما يزيد من خطر تعرضهم للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والسكري من النوع 2. فيدفعهم لمحاولة إنقاص الوزن، من خلال اتباع نظام غذائي غالبا ما يؤدي إلى فقدان الكتلة العضلية، والذي يمكن أن يؤدي بدوره إلى زيادة خطر الإصابة بالعديد من الأمراض المزمنة، لدى كبار السن.
لذا، يعود الباحثان للتأكيد على أهمية الجمع بين تدريب المقاومة التدريجي، ونظام الحمية المُتبع، للمساعدة في خسارة الوزن مع الحفاظ على كتلة العضلات؛ من أجل مزيد من القوة والتوازن، وزيادة التمثيل الغذائي.
وهو تأكيد لنتائج إحدى الدراسات التي نُشرت عام 2018، وأظهرت أن “تدريب المقاومة، قد يمنع فقدان العضلات الناجم عن تقييد السعرات الحرارية لدى كبار السن الذين يعانون من السمنة المُفرطة”.
إلى جانب دراسة أخرى نُشرت في نفس العام، ووجدت أنه من خلال تنفيذ برنامج تدريبي، تمكن كبار السن من تحسين كتلة عضلاتهم وقوتهم العضلية بنسبة 30%.
كما أشارت دراسة ثالثة أنه يمكن لتمارين المقاومة أثناء الريجيم أن تمنع هشاشة العظام، وتقلل من مخاطر الكسور لدى كبار السن. وذلك بالتزامن مع “المساعدة في الحفاظ على وزن صحي”، وفقا لموقع كلية طب جامعة هارفارد.
الحد الأدنى لعدد مرات التمرين المُحققة للنتائج
وفقا للبحث، فإن كبار السن من الجنسين، بغض النظر عما إذا كانوا يحاولون إنقاص الوزن أم لا، أو لديهم اعتقاد بأنهم يعانون من ضمور أو انهيار العضلات، يمكنهم أن يستفيدوا من تقوية عضلاتهم، بالانتظام في تدريب المقاومة التدريجي مرتين في الأسبوع على الأقل؛ سواء كان ذلك في ناد، أو في صالة رياضية، أو في المنزل، أو في الهواء الطلق. والعمل على زيادتها قدر المستطاع، من خلال زيادة الجهد أو التحدي تدريجيا، للشعور بالتحسينات وتحقيق الأهداف.
ويمكن البدء بمحاولة “استهداف 8-10 مجموعات عضلية، مع بذل حوالي 30-40% من المجهود؛ ثم التقدم بمرور الوقت إلى 70-80% من الحد الأقصى للمجهود. مع مراعاة استشارة الطبيب قبل البدء في برنامج تدريبات المقاومة بمستوياتها.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.