أثار سؤال في مادة اللغة العربية لامتحانات الثانوية العامة في مصر هذا العام جدلاً واسعًا، وجاء السؤال ضمن قطعة القراءة المتحرّرة، وفيها “خلص استطلاع للرأي أجرته مؤسسة غلوبال ويب للأبحاث المتعلقة ببيانات مستخدمي الإنترنت في 34 دولة، إلى أن المستخدمين في تايلند والفلبين والبرازيل يمضون 9 ساعات يوميا على الإنترنت على الأقل، ويمضون ثُلث هذه الساعات على وسائل التواصل الاجتماعي”.
وكان السؤال بناء على قراءة القطعة “كم ساعة من اليوم يمضيها مستخدمو الإنترنت في تايلند والفلبين والبرازيل على وسائل التواصل الاجتماعي؟”.
وزعم معظم الطلاب أن هناك لغزا في الامتحان، وتحجج بعض بأنه سؤال في الرياضيات ومن غير المفترض إدراجه في امتحان اللغة العربية.
الرياضيات أكثر من مجرّد مادة دراسية
يختلف الطلاب حول العالم على مادة الرياضيات، ويحاول كثيرون منهم تجنّب أي شيء يتضمن الأرقام والبيانات، وتستمر تساؤلاتهم حول جدوى دراسة هذه المادة إن لم تكن لديهم نية الالتحاق بكليات الهندسة.
وردًّا على هذه التساؤلات، يوضح الخبراء أن الرياضيات توجد في جميع مناحي الحياة وتعد ضرورية للمهمات اليومية وتحسين نوعية الحياة، وأيضًا تعزيز قدرة الدماغ على حل المشكلات واتخاذ القرارات بشكل سليم، وكذلك تحفيز وتطوير مهارات التفكير النقدي والتحليل الكمي اللازمة للنجاح في أي تخصص أكاديمي، كما تساعد على التكيّف مع التطوّر السريع في عالم التكنولوجيا.
الأرقام أساس التعاملات الحياتية
وكتب مايك ليفكويتز، عضو مجلس إدارة معهد مايند للبحوث في الولايات المتحدة الأميركية، أن الرياضيات من أهم العلوم التي يجب على الجميع تعلمها؛ لأنها أساس أي تقدّم علمي وتكنولوجي، وينفي أن تزدهر أو تتقدم أي أمة من دون أساس قوي في الرياضيات.
ويشير ليفكويتز إلى أن الرياضيات تعمل على تطوير وتعزيز مهارات طرح الفرضيات وتصميم التجارب وتحليل البيانات والتعرف على الأنماط والبحث عن الأدلة والاستنتاجات والبراهين.
وبحسب ليفكويتز، فإن “دراسة الرياضيات لا تؤدي إلى تخريج المزيد من العلماء والمهندسين فحسب، بل تزيد من اكتساب مهارات التفكير النقدي والإبداعي بصرف النظر عن المجال المهني للفرد”.
وأظهر بحث أجراه عالم الأعصاب ريوتا كواشيما والأستاذ في جامعة توهوكو اليابانية أن الرياضيات تبني عضلات المخ وتزيد من حجمها وتعد من أفضل الممارسات التي تعزّز مستويات النشاط في كلا النصفين الأيمن والأيسر من الفص الجبهي في الدماغ، وفق صحيفة “ذا غارديان” (The Guardian) البريطانية.
لماذا تحتاج أدمغة المراهقين إلى الرياضيات؟
ثمة أنظمة تعليمية كثيرة حول العالم تتيح للطلاب فرصة ترك دراسة الرياضيات في المرحلة الثانوية. ووفقا لدراسة صادرة عن قسم علم النفس التجريبي في جامعة أكسفورد بإنجلترا، فإن التوقف عن دراسة الرياضيات بعد سن 16 عاما يقلل من حمض “غاما أمينوبوتريك” (GAPA) في الدماغ، وهي مادة كيميائية ضرورية للوظائف المعرفية المهمة اللازمة لتحفيز الذاكرة والتعلم والتفكير.
وبحسب الدراسة التي نُشرت في مجلة بحوث الأكاديمية الوطنية للعلوم (PNAS)، شارك في التجربة أكثر من 130 طالبًا تتراوح أعمارهم بين 14 و18 عاما، وبعد 19 شهرا من بدء الدراسة تم إخضاعهم بالكامل لتقييم معرفي.
وتمكّن الباحثون من التمييز بين المراهقين الذين واصلوا دراسة الرياضيات والذين توقفوا عن دراستها بناء على كمية المادة الكيميائية الموجودة في دماغ كل طالب.
ومن أجل تنشئة طفل يحب الأرقام والرياضيات، يقدم متخصصون هذه النصائح:
- استيعاب معنى الأرقام بدلا من الحفظ والتلقين: يساعد حفظ الأرقام واعتماد طريقة التكرار والتلقين على حل مشكلة الرياضيات في سن مبكرة، غير أن هذه الطريقة لا تعلّم الطفل الإحساس بالأرقام، ويجب استبدال إستراتيجيات تعتمد على التحليل والفهم بها.
- تشجيع الألعاب التي تنمي مهارات الرياضيات: يجب إدراج الألعاب التي تساعد في استيعاب مفاهيم الرياضيات لإثارة اهتمام الطفل، ومنها ألعاب الطاولة وتركيب قطع الليغو واللعب بورق الأوريغامي الذي يدرب الطفل على القياسات والأشكال، وكذلك لعب الشطرنج لتنمية مهاراته العقلية.
- التركيز على المنطق لا الصواب والخطأ: يُفضل التركيز على التفكير المنطقي في حل المسائل الرياضية والوصول إلى الإجابات من خلال إستراتيجيات مختلفة بدلاً من التركيز فقط على درجات الاختبار.
- مدح الجهد المبذول بدلاً من الثناء على السرعة: يعد توفير الوقت الكافي للطفل لفهم وترتيب الخطوات وصولا إلى نتائج المسائل الرياضية أكثر أهمية من إيلاء الاهتمام لسرعته في الحل.
- تجنب اعتراف الوالدين بعدم حبهم للرياضيات: عندما يعترف أحد الوالدين بأدائه الضعيف في الرياضيات تنتقل إلى الطفل قناعة بأنه ورث الضعف في الرياضيات هو الآخر. واكتشف باحثون من جامعة شيكاغو الأميركية أن الآباء الذين يعانون من قلق الرياضيات (Math anxiety) ينقلون القلق إلى أطفالهم، ما يجعل أداءهم ضعيفًا في الرياضيات من غير قصد من الوالدين.
- تحفيز عقلية الطفل على النمو: يجب أن يفهم الطفل أن أحدا لا يولد بارعًا في شيء ما، ولا مانع من ارتكاب الأخطاء في سبيل تطوير المهارات.
تنمية حب الرياضيات لدى المراهقين
ويقدم الخبراء بعض الإستراتيجيات التي تساعد المراهق على الاهتمام بالرياضيات، ومنها:
- التحدّث مع المراهق حول ما يدرسه في الرياضيات ومحاولة دعمه من خلال استخدام الموارد التعليمية المتاحة عبر الإنترنت.
- يجب اغتنام الفرص والمواقف للإشارة دائما إلى أهمية الرياضيات في حياتنا، مثل الحديث عن أهميتها في تصميم تطبيقات الحاسوب.
- استغلال بعض الأفلام للتعرف على الرياضيات وأهميتها، أو مشاهدة أفلام وثائقية عن علماء الرياضيات الملهمين، مثل أينشتاين وهيباتيا وألان تورينغ.
- الحضّ على متابعة دروس مفيدة وجذابة عن الرياضيات، كما في موقع أكاديمية خان الإلكترونية و”إيدي وو” (Eddie Woo) على موقع يوتيوب.
- ترتبط مهارات الرياضيات بالتوظيف والحالة الاجتماعية والاقتصادية. لذا، يجدر التوعية بأن التمسّك بتعلم الرياضيات قد يكون سبيلا إلى إحدى المهن المرموقة والمجزية في المستقبل.
- ينبغي أن يشارك المراهق في القرارات المالية، كأن يكون مسؤولاً عن تنظيم موازنة الأسرة أو المشاركة في القرارات المالية ودراستها، وتبسيط المفاهيم الاقتصادية له مثل مفهوم الرهن العقاري والضرائب والتأمين والأسواق المالية.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.