تعد منطقة كابادوكيا بولاية نيفشهير وسط تركيا، واحدة من أبرز أماكن الجذب السياحي الرئيسية التي يتوافد إليها ملايين السياح سنويا.
ومن الأنشطة الشهيرة لزوارها رحلات ركوب الخيل للتنقل بين معالمها في تجربة فريدة للاستمتاع بجمال الطبيعة والثقافة في المنطقة.
وتشير المصادر إلى أن اسم “كابادوكيا” يعني أرض الخيول الجميلة، حيث ارتبط اسم هذه المنطقة بقطعان الخيول البرية الأصيلة المعروفة بـ”خيول يلكي” وتعني تلك التي تعيش في قطعان حرة بالطبيعة.
تدريبات مكثفة
وتخضع خيول كابادوكيا المخصصة لركوب السائحين القادمين من جميع أنحاء العالم لتدريبات خاصة؛ بهدف جعلها آمنة ومنسجمة مع البيئة المحيطة بها.
كما يتم اصطحابها حول الوديان بواسطة خبراء التدريب، لتصبح معتادة على أصوات مناطيد الهواء، وتعزيز قدرتها على التنقل بين الطرق الوعرة، مع الحفاظ على هدوئها في البيئات المزدحمة.
وعن برنامج التربية الخاصة التي تخضع لها، يقول رئيس جمعية تنمية الخيول والفروسية في كابادوكيا رحمي أوزغور “نربي خيولنا ونهتم بها، حيث نبدأ تعليمها منذ الصغر، وفي سن السنتين نعودها على السرج، ويتم تعويدها على الركوب في سن الثالثة، وبعدها يتم تعويدها على أجواء الزحام في المدينة وحشود الناس لتتعلم الاختلاط، وهذه فترة تتطلب الصبر”.
ويضيف أوزغور -في حديثه للجزيرة نت- أنهم يربّون الخيول منذ صغرها لتكون حساسة لأي نوع من الأصوات أو الأجسام، كي لا تخاف ولا يذهلها أي صوت أو شيء غريب، مشيرا إلى أن الخيول كانت تعمل سابقا في الحدائق، أما اليوم فيقتصر استخدامها في الجولات السياحية في المنطقة، لتخفيف العبء الزائد عنها.
وينوه أوزغور إلى أن هذه الخيول تحظى بنظام غذائي مميز، حيث تحسب السعرات الحرارية التي تستهلكها يوميا، وفي موسمي الشتاء والصيف تبقى هذه الخيول في “مداخن الجنيات” في كابادوكيا؛ والتي تحافظ على درجة حرارة معاكسة للهواء الخارجي، لذلك تبقى في مكان دافئ في الشتاء وبارد في الصيف.
وحول طبيعة الغذاء التي يقدم لها، يوضح أوزغور أنه يتم إطعامها أصناف العشب التابعة للمنطقة، كما تتغذى على الأطعمة الغنية بالطاقة، مبينا أنه صاحب مزرعة مرخصة في كابادوكيا، ويقوم بهذه المهمة كمهنة، ولديه خيوله خاصة ويقوم بإنتاجها وتربيتها.
ويشدد أوزغور على ضرورة أن يكون الحد الأقصى للوزن 90 كيلوغراما في رحلات سفاري الخيول، وتطبيق التناوب في الجولات اليومية مع الحرص على عدم إخراج الحصان الذي كان في الجولة مرة أخرى في اليوم نفسه.
رعاية خاصة
وتحظى خيول كابادوكيا برعاية واهتمام خاصين من قبل شركات العناية بالخيول، كونها أصبحت أيقونة السياحة في تلك المنطقة الطبيعية الفريدة.
ويقول مربي الخيول أوميت شينياووز، إن سبب الاهتمام الخاص يعود إلى أن تلك الخيول تعمل بجد طوال الصيف، فيجب إعطاؤها الماء والتغذية بانتظام، فلا يمكن كسب المال من الخيول التي تتغذى بشكل غير منتظم وفي ظروف غير صحية، حيث يصعب السيطرة عليها وتصبح شرسة.
ويبين شينياووز -في حديثه للجزيرة نت- أن هناك نوعين من الخيول اعتاد السياح على التعامل معها في وادي ديفرينت (في كبادوكيا)، وهي كوبرا وبشرى، حيث لا يجد السائح مشكلة في قيادتها لأنها تعيش مع السياح منذ أن كانت مهرا صغيرا.
ويؤكد شينياووز -وهو أيضا دليل سياحي- على أن الأموال التي يقدمها السياح مفيدة جدا لرعاية الخيول وللعيش في هذه الجغرافيا، معربا عن شكره لكل من قدم المساعدة، فبفضلهم يتم الاعتناء بالخيول في ظروف أفضل.
وإضافة لرعاية الخيول وتدريبها، يشدد شينياووز على ضرورة قضاء بعض الوقت مع الخيول لضمان التفاهم، وقال إن الخيل مهما بلغت شراسته يمكن أن يتحسن مع نظام التدريب ومزيد من الصبر.
ويلفت إلى أن إعطاء الخيول الكثير من الشعير، قد يؤثر سلبا على نظامها الغذائي، لذا يجب رعاية الحصان وإطعامه تحت إشراف بيطري، حيث يعطى وجبتين في اليوم، كل واحدة 8 كيلوغرامات من البرسيم، والشعير، كما يتم مكافأة هذه الخيول بإطعامها من كيلو إلى 2 كيلوغرام من العسل أسبوعيا.
أهميتها السياحية
وتعد رحلات ركوب الخيل في كابادوكيا تجربة مميزة تجمع بين جمال الطبيعة والثقافة والتاريخ، حيث تتيح هذه الجولات للسياح فرصة لاكتشاف المنطقة بشكل فريد وآمن، مما يعزز من جاذبية المنطقة كوجهة سياحية مميزة.
ويلفت المهتم بالخيول محمد داود أوغلو إلى أن رياضة ركوب الخيل تسهم بشكل كبير في جذب السياح وإنعاش المواقع السياحية، ولذا فإن وزارة السياحة التركية قامت بتفعيل نشاطات “السياحة الخيلية” في البلاد عن طريق ترخيص نوادي الخيل الرياضية في الأماكن السياحية ودعمها عن طريق وزارة الزراعة بتأمين الأعلاف والطبابة البيطرية، لتكون هذه الخيول جمالا مضافا إلى جمال المكان وطبيعته الساحرة.
وحول الأسباب التي جعلت كابادوكيا من الوجهات العالمية التي تشتهر بتقديم تجارب فريدة من نوعها لركوب الخيل، يبين داود أوغلو -في حديث للجزيرة نت- أن ما يميز المنطقة هو طبيعتها وتضاريسها النادرة، فهي منطقة ذات طابع تاريخي أثري وسياحي معا، ومن أشهر عوامل الجذب في هذه المدينة رحلات المنطاد ورحلات الخيل وأخيرا رحلات الدباب (رحلات التضاريس الوعرة بواسطة سيارات الدفع الرباعي).
وأضاف “لكن يجدر بنا هنا ذكر رحلات الخيل الأكثر جذبا، لأن رياضة ركوب الخيل هي الرياضة الوحيدة التي تحمل علاقة روح بروح وليست روحا بجماد، مما يجعل التجربة السياحية مثيرة أكثر وماتعة، فأنت وسط طبيعة كابادوكيا الساحرة لست وحيدا، بل أنت تمشي في سهولها مع صديق درب ألا وهو حصانك، ما يجعل هذه الرياضة من أجمل المناظر التي تراها العين وتضفي جمالا إضافيا فوق جمال المكان والطبيعة والهواء النقي”.
وأصبحت تركيا وجهة دولية مهمة للسياحة الخيلية والتي تزايد الإقبال عليها، وفق داود أوغلو، نظرا للراحة النفسية العالية عند ركوب الخيل ولو لمدة قصيرة، كما أثبتت الدراسات الحديثة بأن رياضة ركوب الخيل هي إحدى وسائل العلاج الفيزيائي والعلاج النفسي والروحي والعلاج الذهني، وأيضا وسيلة بناء عضلي لجسم الإنسان بشكل متزن وقويم.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.