قصائد لبكاء سنبلة أمام منجل.. “جمر الورد” للشاعر محمد سلّام جميعان | ثقافة


عمّان- انتدبت وزيرة الثقافة الأردنية هيفاء النجار مديرَ الدراسات والنشر سالم دهام لتمثيلها في حفل إشهار ديوان “جمر الورد” للشاعر والناقد محمد سلّام جميعان، بحضور جمهور لافت من المثقفين والمهتمين بالمشهد الشعري، وذلك في المركز الثقافي الملكي بعمّان مساء الأربعاء الماضي.

وأهدى جميعان ديوانه -الصادر عن دار الخليج للنشر والتوزيع في عمّان قبل أيام- “إلى الياسمينة الوحيدة التي أظلت قلبه فاستغنى بها عن وهم الغابة”، كما جاء في الإهداء.

ويحوي الديوان -وهو الخامس للشاعر- 90 قصيدة تتراوح بين العمودية وقصيدة التفعيلة، مع المحافظة على الإيقاع الموسيقي المنضبط، جمعها في 200 صفحة من القطع الصغير.

ويستشف من خلال تجوال سريع بين القصائد ثلاثة اتجاهات: الأول قصائد وجدانية عامرة باستحضار المحبة والضوء والجمال وتنتصر للحياة، نابعة فيما يبدو من تجربة وجدانية ذاتية، فيما جاء الاتجاه الثاني بعنوان “شجى”، حيث طاف الشاعر بخسارات الحياة وحسرات الأمل من ضياع العمر التائه في محطات الحياة المشحونة بكثير من القلق والاحتجاج على خيارات خاطئة، أما الاتجاه الثالث فيضم حزمة من المنمنات الشعرية.

حراسة الأحلام

وفي مشاركة بحفل الإشهار بعنوان “الزمن النفسي في جمر الورد”، وصف الدكتور الناقد راشد عيسى الشاعر محمد جميعان بأنه “رفيق بسمته ودمعته، طالما تناوب معه حراسة الأغنام والأحلام وحسبا القمر المكتمل كرة قدم فتراكلاه أو ظنّاه رغيفا فأكلاه”.

وقال عيسى إن عنوان “جمر الورد” استوقفه بما فيه من جدل النقيضين، “فالجمر هو متعة اليأس عند الحطب، والهدوء المتوهج للغصن المقهور المنبوذ الذي يكون منفيا مهملا، فتمنحه النار حضورا محترما، فيما الوردة وسيط جمالي للحواس يبهج العين بالألوان وينعش الأنف بلذة الشم، ووسيط جمالي للشعور يحمّلها العاشق رمز المحبة فيهديها للحبيبة، ويحمّلها الصديق رمز التعاطف ليهديها لصديقه المريض”.

الشاعر محمد سلام جميعان يوقع ديوانه
الشاعر محمد سلام جميعان يوقع ديوانه “جمر الورد” (الجزيرة)

ومن وجهة نظر الناقد عيسى، فالوردة “من أكثر النباتات تحمّلا للاضطهاد. لا يكتفي الناس بالقطع الجماعي للحصول على باقة، بل يسحقون ألف وردة للحصول على قارورة صغيرة من العطر، وهو الترجمة الحقيقية لدمع الوردة”.

تعايش الجمرة والوردة

ويرى عيسى أن للجمرة الحمراء شكل الوردة، وللوردة الحمراء شكل الجمرة، وبينهما وحدة بصرية ظاهرية وفرق في الأداء.

ويضيف أن الشاعر محمد جمعان جمع المتناقضين ليخدم كل منها الآخر، فأكسب الورد مفعول الجمر ومنح الجمر نعومة الورد، وفي ذلك حمولة دلالية عميقة أقلّها أن العنوان يجسّد فكرة تعايش الشيء بنقيضه، أي “ديالكتيك الوجود” الذي لا يقوم إلا على اجتماع النقيضين: “الضد يظهر حسنه الضد”.

وبحسب عيسى، ففي الديوان بكاء نفسي جليل يشبه بكاء السنبلة أمام المنجل.. تريد السنبلة أن تظل خضراء زاهية، ويريد المنجل أن يحصدها استجابة لأوامر الإنسان حين يستجيب أيضا لدافع الجوع، فيحدث الصراع بين النافع والجميل، وينتصر النافع، بحسب وصفه.

ويستهل جميعان ديوانه في قصيدة” الغريبان” بعنفوان من الكبرياء التي تنفي زمن الذبول والغياب، زمن تحول الجمر إلى رماد والوردة إلى عطر، والسنبلة إلى طحين، فيقول:

أنا لن أغيب
لا ولا حتى أفكر بالمغيب
سيظل زهر العمر يحلم بالطّيوب

ويخاطب الشاعر محبوبته قائلا:

لا تعبئي بحفيف أوراق الخريف
ستظل كأس العمر مترعة
ونشربها معا نحن الغريبان هنا

وينهي قصيدته محتفيا وقائلا:

أشهد من سكب ضيائك عز وجل
بأنك من ضوء القدس الأعلى
ورحيق الفل
هذه جمرات حروفي
تشتعل الآن على مهل

الشعر وبرامج التعليم

وفي مشاركة لأستاذ الأدب والنقد الحديث في جامعة البلقاء التطبيقية الدكتور حسن المجالي بعنوان “مقاربة لفضاءات الشعرية: شعرية العنوان وفضاء التضاد ونوافذ الرمز”، أكد ضرورة حضور الشعر والفن بعامة في برامج التربية في مراحل التعليم العام والعالي على نحو يُعالج به كثيرا من الآفات والعلل الاجتماعية والأخلاقية.

وأشار المجالي لحضور التوتر والتأويل في معاني الشاعر، مستشهدا بقصيدة “اشتعال” التي يخاطب بها جميعان الليل، قائلا:

أيها الليل قل لي ما الذي تبغيه من ضوئي
لتعبث في شراييني النوازف
قف عند حدك فالذي ترميه كفّ الريح صقر
ترتقي كتف العواصف
ومهما أنت قاومت اندفاعه
فلن تنثني ذراعه..
سيظل مثل الجمر مشتعل العواطف

فجمر الورد -وفق المجالي- هو جمر الداخل المشتعل بالعاطفة، “عاطفة الحب التي تقاوم الليل الرابض خارج الذات ويراودها عن ضوئها لتصرخ في وجهه: قف عند حدك”، وهو ما يذكر برأي الفيلسوف الفرنسي باشلار في تحليله النفسي للنار “ما الحب إلا نار منقولة، وما النار إلا حب مباغت”.

والشاعر محمد جميعان أراد القول إن “للحب قوة النار ورقة الورد، واشتعال الحب يضيء الذات ويمنحها أحد أمضى أسلحتها في الدفاع عن جمال الوجود ومقاومة ليله الطويل”، كما يرى المجالي.

وجع إنساني

من جهتها، ترى الأديبة كفاية عوجان أن ديوان “جمر الورد” جمع بين الجمال والضوء لتكون الحياة، فتوهج الورد جمرا وشعورا ووجدانا أشعل شمعة الأحلام ليستمر الشغف.

وقالت عوجان -ردا على سؤال للجزيرة نت- إن القصائد تجمع بين الحياة في الشعر وشعرية الحياة، في أناقة حداثية تنتصر للغة العصر.

وبناء على رغبة الحاضرين، ألقى جميعان قصيدتين هما: “ميلاد روح”، و”أمي” التي نقتطف منها:

تزهو بمشيتها وتمضي في صهيل الكبرياء
ورأسها فوق المجرة دائما
فكأنها رمح إذا خطرت من أول المشوار
كانت إذا هربت يدي منها لتقطف وردة
من فوق سور حديقة الجيران
تندهني بأعلى صوت يكفي يا ولد
حين أتألم أصرخ

وفي رده على سؤال للجزيرة نت، حاول الشاعر ممارسة النقد على ديوانه، فقال جميعان “لقد مارست عملية النقد حتى لا أكون متحيزا لذاتي وأضعه بين يدي زملائي الشعراء والناقدين، وأصغي جيدا إلى رؤيتهم ومقترحاتهم ومرئياتهم، لكونهم شعراء أدرى بمسالك الشعر وإلى أي درجة يتفرد الإنسان عن نظرائه”.

وقال “أكتب في الشعر من واقع تجربة الفرح أو الألم حتى لا أصبح ثرثارا.. وحين أتألم تبدو صرخة الذات أكبر من صرخات شعرية”.

وكان الدكتور عطا الله الحجايا -الذي أدار حفل الإشهار- وصف ديوان “جمر الورد” بأنه تجربة ذاتية وناجحة، ويعطي إطلالة كبيرة على تجربة جميعان العميقة.


اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Previous post 30.571 مليون فرد حجم قوة العمل فى مصر الربع الأول لعام 2023
Next post الزمالك يتقدم على الداخلية 1 / 0 بعد مرور 30 دقيقة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading