مراسلو الجزيرة نت
الخرطوم- تطورت الأحداث بشكل متسارع، في أفريقيا الوسطى وتشاد المتاخمتين لإقليم دارفور غرب السودان، تزامنا مع تصاعد المواجهات العسكرية في الإقليم، الأمر الذي اعتبره مراقبون تحولا جديدا في الصراع الفرنسي الروسي على مناطق مناطق النفوذ الفرنسي التقليدي، وتسابقا على المعادن النفيسة هناك، مما سينعكس على مسار الحرب في الخرطوم.
وبدا لافتا سيطرة قوات الدعم السريع قبل أيام على منطقة “أم دافوق” في ولاية جنوب دارفور الحدودية مع أفريقيا الوسطى، بعد تزايد نشاط المعارضة المدعومة فرنسيا، وتقدمها نحو العاصمة “بانغي” التي تحظى حكومتها بدعم من مجموعة فاغنر الروسية وقوات الدعم السريع.
كما انتشرت قوات الدعم السريع منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي على الحدود مع أفريقيا الوسطى، وقتها اشتكى الرئيس التشادي محمد ديبي -في زيارة سرية للخرطوم- من أن قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” أقام بالتعاون مع فاغنر معسكرات لتدريب المعارضة التشادية قرب الحدود السودانية مع أفريقيا الوسطى، في مخطط للإطاحة بحكمه.
من جانبه، اتهم حميدتي خلال زيارة إلى دارفور، في فبراير/شباط الماضي، جهات سودانية -لم يسمها- بدفع مقاتلين إلى أفريقيا الوسطى لإسقاط نظام حكم الرئيس “فوستن تواديرا” لكن رئيس مجلس السيادة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان رد عليه ضمنا خلال خطاب أمام قواته بأن بلاده لا تتدخل في شؤون الدول الأخرى وليس لديها مرتزقة.
وأمر البرهان في مارس/آذار الماضي، قوات الدعم السريع، بالانسحاب من الحدود مع أفريقيا الوسطى، بعد أن أعلنت الأخيرة إغلاق الحدود لمنع تسلل أي عناصر مسلحة، كما تم نشر الجيش السوداني لطمأنة الحكومة التشادية التي أبلغت الخرطوم للمرة الثانية قلقها من نوايا حميدتي، بعد زيادة تنسيقية مع المعارضة التشادية التي انتقلت من ليبيا إلى أفريقيا الوسطى.
المعارضة التشادية في الخرطوم
وحسب مصادر عسكرية سودانية، فإن الجيش دمر قافلتين عسكريتين تحملان دعما لقوات الدعم السريع على متن مئات السيارات من مجموعة فاغنر، الأولى قادمة من أفريقيا الوسطى والأخرى عبر ليبيا، وذلك خلال مايو/ أيار الماضي.
وقالت المصادر العسكرية للجزيرة نت إن القافلتين كانتا تحملان أسلحة متطورة من الصواريخ ومضادات للطيران والدروع، وأجهزة تقنية حديثة للرصد والمراقبة.
وأوضحت أن قوات خاصة استطاعت أسر 4 عناصر روسية متخصصة في الطيران المسير، وقتل 3 آخرين بعد إطلاق 3 مسيرات جنوب الخرطوم، مما يؤكد تورط فاغنر في الحرب الجارية حاليا، بحسب قول المصادر العسكرية.
وأضافت المصادر أن مئات من عناصر المعارضة التشادية المنحدرة من أصول عربية، والذين دربتهم فاغنر في أفريقيا الوسطى بتمويل من حميدتي، يقاتلون حاليا مع قواته في الخرطوم، أبرزهم زعيم حركة “نضال مظلوم” التشادية حسين الأمين جوجو، بعد أن أعلن عن نفسه في مقطع فيديو أثار جدلا في أوساط قيادات الدعم السريع الذين انتقدوا ظهور جوجو مما سبب لهم إحراجا، وعزز اتهامات باستخدامهم مرتزقة من غرب أفريقيا.
وكان جوجو قال في الفيديو، بعد التعريف بنفسه، إنهم بعد إسقاط البرهان في الخرطوم سينتقلون إلى العاصمة نجامينا للسيطرة على تشاد، وكشفت تسريبات أن 3 من قيادات المعارضة التشادية يقاتلون مع قوات الدعم السريع.
فرنسا على حدود السودان
وفي خطوة مفاجئة، طلبت تشاد الأسبوع الماضي من فرنسا التي تحتفظ بقواعد قرب العاصمة نجامينا نشر قوات على الحدود مع السودان، وشوهدت مركبات عسكرية تنقل أسلحة وعتادا من القواعد الفرنسية وحلقت مقاتلات فرنسية، قبل أن تقصف أهدافا متاخمة لبلدة تندلتي السودانية قرب مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور.
في هذا السياق، يرى الباحث السياسي معتصم حسين أن ارتدادات الحرب في السودان ستحدث حراكا إقليميا، وربما تنسج تحالفا أو تنسيقا بين الخرطوم وتشاد التي أعلن رئيسها من أول يوم للحرب وقوفه مع الجيش السوداني، وأغلق حدوده الشرقية، فضلا عن “فرنسا التي تدعم المعارضة في أفريقيا الوسطى للاستيلاء على السلطة في بلادهم”.
وفي حديث للجزيرة نت، أضاف الباحث السياسي أن المصالح الأمنية تجمع السودان وتشاد وفرنسا، حيث تعمل فاغنر على تغيير الأنظمة في الساحل الأفريقي، مما يضعف النفوذ الفرنسي ويعزز الدور الروسي، ولفت إلى أن نشاط فاغنر يدفع الإدارة الأميركية إلى التنسيق مع موسكو لمنع المجموعة الروسية من التمدد في السودان وأفريقيا الوسطى وتشاد، وتحقيق مكاسب اقتصادية تساعد روسيا في حرب أوكرانيا.
مصالح مشتركة
وفي الشأن ذاته، قال الخبير الأمني عبد القادر الأمين إن فرنسا تسعى إلى إقناع الجيش السوداني بدعم المعارضة في أفريقيا الوسطى لتغيير نظام الحكم في “بانغي” لقطع الطريق أمام فاغنر ومنعها من دعم حميدتي، وبالتالي الاستئثار بمناجم الذهب هناك وفي جنوب دارفور.
وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف الأمين أن قوات الدعم السريع تسعى من خلال السيطرة على منطقة “أم دافوق” الحدودية إلى ضمان استمرار تدفق الدعم العسكري عبر أفريقيا الوسطى، وحماية مناجم الذهب التي تملكها أسرة حميدتي في مثلث الحدود المشتركة.
وأشار الخبير الأمني إلى أن تشاد وفرنسا من مصلحتهما إضعاف وتدمير المعارضة التشادية التي تقاتل إلى جانب قوات الدعم السريع في الخرطوم، مضيفا أن معلومات موثوقة ذكرت أن جهات أجنبية نصحت بسحب المعارضة التشادية من السودان، حيث وصلت إلى ليبيا الأسبوع الماضي أكثر من 80 سيارة تحمل نحو 500 عنصر من بينهم ضباط كبار.
ويرجح الخبير الأمني أن الجهات التي تسعى إلى تغيير الأوضاع في تشاد هي التي تقف وراء خطوة سحب المعارضة التشادية وحلفائها من السودان، حتى لا تقع في “كماشة” الجيش السوداني في دارفور والقوات الفرنسية التي تنتشر شرق تشاد والقوات الحكومية في أفريقيا الوسطي، في حال سقوط النظام هناك.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.