الخرطوم- “نستحق العيد والفرح لا الخوف والحرب” هذه كانت كلمات محمد زيدان (23 عاما) بعد فراغه من أداء صلاة عيد الفطر بأحد مساجد ضاحية الكدرو، شمالي مدينة بحري.
وتظل هذه الضاحية -البعيدة نسبيا عن مناطق الاشتباكات- أفضل حالا من كثير من أحياء العاصمة التي عجز سكانها عن إقامة صلاة العيد، جراء وقوع مناطقهم في دائرة المواجهات بين الجيش وقوات الدعم السريع، في حي شمبات الذي شهد صبيحة الجمعة حرب شوارع بين طرفيّ الصراع.
واستيقظت الكدرو صبيحة العيد على أصوات التكبيرات بدلا من أصوات القنابل والرصاص الواصل من الأحياء المجاورة، وعلى صور الجلابيب البيضاء الناصعة عوضا عن الأزياء العسكرية، وعلى عبارات التهاني محل أحاديث الحرب وشائعتها.
وقد ركز أئمة المساجد في خطبهم على الدعوة إلى السلام، ونبذ العنف، وتعظيم حرمات المسلمين، بجانب حث الناس على التعاضد والتكافل بهذه الظروف العصيبة.
لكن الملاحظة الأبرز التي التقطتها الجزيرة نت -خلال جولتها- أنَّ فرحة العيد الحالي كانت منقوصة، بداية من اختيار كثير من الأحياء إقامة الصلوات داخل المساجد بدلا من الباحات، وتناقص أعداد المصلين جراء خروج كثير من الأهالي للولايات القريبة من الخرطوم إما بحثا عن الأمن أو لقضاء العيد مع الأهل، كما أن حركة المهنئين في الشوارع قلت وتيرتها عما كان عليه الحال السنوات السابقة.
وفي تأكيد على الفروق الواسعة بين العيد الحالي والأعياد المنصرمة، نجد أن الحركة قد خفتت بشكل ملحوظ في الشارع الرئيس الرابط بين بحري والطريق القومي الذي يصل الخرطوم بمصفاة الجيلي، ويمتد إلى ولاية نهر النيل، حتى موانئ البلاد على ساحل البحر الأحمر.
وأغلقت معظم المحال التجارية أبوابها في واحد من أهم المواسم التجارية (العيد) وسط حركة شحيحة للأهالي الباحثين شراء احتياجات رئيسة على رأسها الخبز والدواء.
ونتيجة لإغلاق المخابز بسبب تناقص إمدادات طحين الخبز وقلة العمالة، ستضطر كثير من الأسر للبحث عن بدائل تقليدية لسلعة الخبز الإستراتيجية بالمائدة المحلية.
ثالوث الرعب
مع حلول العيد، واستمرار الأزمة، لا تزال كثير من أحياء الخرطوم ترزح تحت وطأة أزمات الأمن والكهرباء والمياه.
ومع إطلاق الجيش عملية عسكرية برية تهدف حسب قادته لتتبع عناصر “الدعم السريع” بالشوارع الرئيسة والمناطق السكنية مثل كافوري وشمبات، أحجمت المساجد عن إقامة صلاة العيد، ولزم السكان منازلهم خشية من وقوعهم بين رحى وسندان المتقاتلين.
وفي السياق ذاته، تعاني مناطق عديدة بالخرطوم من أزمات الكهرباء والمياه، حيث أكد خضر حمزة (21 عاما) -للجزيرة نت- استمرار غياب التيار الكهربائي عن أجزاء واسعة من حي النزهة جنوبيّ العاصمة، لليوم الثالث على التوالي، بينما تضرب أزمة المياه أحياء شمبات والكدرو شمالي بحري.
ورصدت الجزيرة نت تجوّل بعض الأهالي مع آنية داخل الأحياء أملا في التزود بالماء، في وقت تعمد آخرون وضع آنية شبه مستوية على مقربة من الصنابير، بغرض جمع المياه، وتفريغها وتوزيعها لاحقا على أوعية كبيرة (براميل).
وتعاني فرق الصيانة العاملة في قطاعي الكهرباء والمياه من صعوبات كبيرة في الوصول إلى مناطق الأعطال، جراء القتال الدائر منذ 15 أبريل/نيسان الحالي.
الحركة بين الولايات
رصدت الجزيرة نت، الساعات الفائتة، منشورات وتغريدات على مواقع التواصل للراغبين في السفر أثناء بحثهم واستقصائهم عن وسائل نقل، أو طرق خروج آمنة من الخرطوم، مع الآملين في تزويد مركباتهم بالوقود من السوق الموازية (السوداء).
وأدت المواجهات إلى توقف محطات الوقود، وحدوث قفزة كبيرة في أسعاره وأسعار تعرفة النقل بين الولايات.
ولكن ما يمكن تأكيده أن عمليات الحركة بين الولايات، أول أيام العيد، شهدت خفوتا كبيرا عمّا كان عليه الحال مؤخرا، ويُعزي ذلك لإطلاق الجيش عملية برية داخل أحياء الخرطوم لتتبع قوات الدعم السريع، علاوة على انشغال غالبية أصحاب مركبات النقل العام بقضاء عطلة العيد وسط الأهل والأصدقاء.
وانطلقت دعوات بمواقع التواصل للتحذير من السفر في ظل التحركات العسكرية الجارية، وتأجيل أي نوايا لمغادرة العاصمة بانتظار توقف المواجهات، وعود الهدوء.
وقد شهد موقف شندي، وهو أحد أكبر محطات النقل البري بين العاصمة والولايات، توقفا لحركة المسافرين -على الأقل ساعات الصباح- جراء وقوعه بمحيط دائرة العملية العسكرية في ضاحية شمبات.
ورغم ذلك، رصدت الجزيرة نت حركة سيارات نقل عام وخاص تقل مسافرين إلى خارج الخرطوم عند منطقة الكدرو، بما في ذلك مركبات النقل الكبيرة (باصات).
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.