عناصر الأرض النادرة.. روح صناعة المستقبل وقلب الصراع الجيوسياسي العالمي | المعرفة


في الوقت الذي تخوض فيه القوى العالمية الكبرى صراعا على مصادر الطاقة الأساسية ممثلة في الوقود الأحفوري (النفط والغاز والفحم) ذات الأهمية الشديدة في الصناعات الثقيلة وإنتاج الكهرباء والطاقة، يبرز صدام آخر أكثر شراسة على معادن الأرض النادرة (rare earth elements) التي باتت عنصرا أساسيا وإستراتيجيا لا غنى عنه في الصناعات التكنولوجية الدقيقة الراهنة والمستقبلية والانتقال إلى ما يعرف بالاقتصاد الأخضر.

قبل ثمانينيات القرن الماضي، لم تكن هذه المواد أو الموارد في دائرة صراع جيو إستراتيجي دولي رغم استعمالها المبكر في قطاع البتروكيميائيات والصناعات الإلكترونية والعسكرية، لكن آفاق التوسع في الصناعات الدقيقة والمنخفضة الكربون ضمن ما يسمى باقتصاد المعرفة فرضتها بقوة على خارطة الاهتمام الدولي، وقد تزامن ذلك مع صعود الصين وهيمنتها على الجزء الأكبر من الإنتاج العالمي للأتربة النادرة.

ومع يقظة الصين ودول أخرى، خارجة نسبيا عن الهيمنة الغربية التقليدية، أضحت هذه المعادن سلاحا تجاريا مهما أيقظ هواجس الغرب، مع احتدام التنافس التجاري والاقتصادي مشوبا بالاختلاف الأيديولوجي، وصنفت هذه المعادن لاحقا ضمن مرتكزات الأمن القومي في الولايات المتحدة ودول أخرى. كما أصبحت الصين مع طفرتها الصناعية والتكنولوجية الكبرى أكثرا حرصا في حماية مخزونها الإستراتيجي منها.

وكان آخر فصول هذا الصراع إعلان الصين في الرابع من يوليو/تموز 2023 تقييد صادرات معدني “الغاليوم”(Ge) و”الجرمانيوم” (Ga) من الأول من أغسطس/آب “من أجل حماية المصالح القومية”، وهو ما انتقدته بشدة المفوضية الأوروبية والولايات المتحدة، وتصنف هاتان المادتان ضمن ما يعرف بالمعادن الحرجة (critical minerals) التي تتضمن العشرات من العناصر المعدنية بينها الأتربة النادرة.

وتنتج الصين 80% من إمدادات العالم من هاتين المادتين، وفقا لتقرير المفوضية الأوروبية، في حين يستورد الاتحاد الأوروبي 27% من احتياجاته من الغاليوم و17% من الجرمانيوم من الصين.

وفي عام 2010، مثلت أزمة المعادن النادرة بين الصين واليابان ثم الدول الغربية مؤشرا على أهمية هذا العنصر الجديد في الاقتصاد العالمي، فعندما أوقفت بكين صادراتها إلى اليابان بسبب نزاع على جزر “سينكاكو/ دياويو” بين البلدين -وكانت خفضت التصدير عام 2006- تعرضت لانتقادات وضغوط شديدة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

ورغم رفع الحظر الصيني لاحقا، اتجهت اليابان -التي تعتمد 27 من كبريات شركاتها آنذاك على معادن الصين- إلى تعزيز تعاونها مع فيتنام لاستخراج وتعدين هذه الأتربة، وأصبحت فيتنام حاليا من أهم الدول المنتجة لها.


اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Previous post وزير البترول: مشروع إنتاج السيليكون مشروع قومى للاستفادة من مواردنا التعدينية
Next post أسرع تطبيق انتشاراً في التاريخ.. هذا ما حققه “ثريدز” في ساعة واحدة!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading